حرب «الفسبكة»…
فدى دبوس
تعتبر اليوم وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز الوسائل التي يعتمد عليها جيلنا الحاليّ لنشر أخباره والتواصل مع محيطه بشكل تلقائيّ وعفوي ومرح في بعض الأحيان، لكن هل بلغ الأمر مداه؟ هل باتت هذه الوسائل نعمة، أم أنها نقمة؟ هل باتت الوسائل الأبرز لإثارة المشاكل والفتن والنعرات الاجتماعية والإنسانية؟!
تساؤلات ربّما تعتبر الأبرز في زمن حرب «الفسبكة» التي نعيشها اليوم، لكن ما هو المقصود فعلاً بحرب «الفسبكة»؟
هي حرب شعواء فرضت نفسها على مجتمعنا متناسية القيم والعادات والتقاليد، فباتت كلّ واحدة تريد غيظ صديقة لها أو عدوّة لها تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال فكرتها، فانتقل استخدام هذه الوسائل من الاستخدام البنّاء والفعّال إلى الاستخدام الخطير والمزعج، تفاهات لا حدّ لها نصادفها يومياً على صفحات الناشطين، من أحاديث مملّة إلى نكات لا طعم لها ولا رائحة، إلى تلك التي «تنشر غسيلها» على صفحتها، فلا تبالي بالرقيّ المفروض اتّباعه أمام الناس، وبات «فايسبوك» اليوم كالمختار، يمكنك أن تقصده لتعرف تفاصيل حياة أيّ شخص، ماذا أكل اليوم؟ ماذا شرب؟ إلى أين ذهب؟ ما هي الوجهات التي قصدها؟ من أحبّ ومن كره، والأكثر إضحاكاً هي تلك التي تحدّث صديقتها علانية على صفحتها كي توصل رسالة معيّنة إلى شاب قد يكون معجباً بها سرّاً.
في وسائل التواصل الاجتماعيّ كلّ شيء متاح، وكل شيء بات رهن اللحاق بركب الموضة الحديثة. لكن ما حقيقة الأمر ولم انحدرت معظم العقول الى هذا المستوى المتدّني من الفهم والتواصل، وهل بات كلّ شيء يمشي غصباً عن عجلة الزمن؟!
ربّما إذا أردنا العودة إلى علم النفس بات يمكننا دراسة شخصية كلّ فرد من خلال صفحته الخاصّة، وباتت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر تعريفاً بشخصية الآخرين وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم، فهذا المتكتّم، وتلك المحرومة من العاطفة والتي تتوق إلى حبّ لا أمل منه، وذاك الذي يحاول البروز من خلال كتاباته فيقتبس ما يقتبس وينسبه إليه ليحقق شهرة خيالية لم يكن ليحلم بها على أرض الواقع، وقليلون هم من يضعون على صفحاتهم اهتماماتهم الخاصّة ويظهرون شخصيتهم الحقيقية من وراء قضبان العالم الافتراضيّ هذا.
هو عالم افتراضيّ رغماً عن أنوف الجميع، لكنّه بات اليوم العالم الحقيقيّ، فمعظمنا بات يعيش خيالاً لا يريد الصحوة منه، وربّما يعود ذلك إلى زمن الحرمان بالجملة الذي نعيشه، حرمان اجتماعيّ بفعل سحر الأجهزة الذكيّة، حرمان نفسيّ بفعل الحروب التي عاصرناها ولا نزال حتى اليوم، حرمان عاطفيّ لارتباط كلّ شيء بالمادة حتى المشاعر، وحرمان من كل ما هو قديم.
فإذا أردنا المقارنة بين حياتنا قديماً قبل هذا الانفتاح نرى أنها كانت أصدق، وأطهر، نرى أنها كانت خالية من المتاعب، لكننا اليوم وبفعل هذا التطوّر الهائل الذي لم نحسن استخدامه، باتت هناك مشاكل أخرى تضاف إلى تفاصيل حياتنا اليومية ولم نكن قبلاً على علم بها أو حتى على وعي لها بأننا سنعيشها يوماً ما. هذه هي حرب «الفسبكة» باختصّار، مشاكل جديدة كان من الأجدر لنا أن نكون بغنى عنها!