سلمان: العملية السياسية تبدأ بوقف الحرب والقضاء على الإرهاب ومنع المتآمرين من تحقيق ما عجزوا عنه في الميدان

حاوره سعدالله الخليل

رأى عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور صفوان سلمان أنّ لقاءات فيينا الأخيرة أرست مشهداً واضح المعالم تجاه الملف السوري وعلاقته بالتداخلات الدولية والإقليمية والعربية، وأنّ الأطراف المجتمعة بما فيها الأطراف المتناقضة جلست على طاولة حوار دولي بريادة روسية وموافقة ورعاية أميركية لتسهيل هذه اللقاءات وهذا المشهد.

ولفت سلمان في حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» إلى الإقرار الدولي «بأنّ المسألة السورية برمَّتها منذ بدأت وحتى اليوم هي مسألة تحمل في جوهرها نتائج اشتباك دولي وإقليمي حادّ حول ملفاتها المتعدِّدة». وقال: «تأتي فلسفة هذا الاجتماع من وجهة نظر الروس بخفض حدّة الاشتباك الدولي حول المسألة السورية بما يسمح بإطلاق جهود الحلّ للأزمة». وأضاف: «بهذه الفلسفة تقرّ الأطراف كافة التي تجلس إلى طاولة فيينا بأنّ المسألة السورية دخلت طوراً جديداً يتمثل بالكشف الواضح والعلني عن الأدوار الخارجية المتداخلة وحجم تأثيرها».

وشدّد على «أنّ المعيار الرئيسي لمحاربة الإرهاب من قوى بات دورها واضحاً في خلق واستحضار الإرهاب واستثمار أفعاله على الأرض في سورية والعراق، ومن ثم العمل لإيجاد منصّة انطلاق لهذا الفعل الإرهابي من سورية نحو حدود أبعد في حرب استنزاف مستمرّة، وهي تمثل المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فهي تتمثل بالاستثمار في محاربة الإرهاب في المنطقة بعد أن يُجهز على مقوّمات الدولة».

وتابع: «رغم أنّ المرحلة الأولى لم تحقق مكاسبها بعد، بدأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبإشراك أطراف عربية وإقليمية بضبط إيقاع السلوك الإرهابي في مسرحه الأوضح، فأظهر التناقض في السلوك على الأرض السورية بالاتجاه نحو عملية سياسية».

فضاء روسي جديد

ورأى سلمان «أنّ الحضور الروسي القوي، عبر التحالف الرسمي، أوجد فضاء جديداً في الصراع على الأرض السورية منذ سنوات، وجرى الانتقال من فضاء الفوضى التي أشاعها الغرب وسعى إليها مع انعدام رؤية الحلّ ليخلق الدور الروسي تجاذبات وتناقضات كثيرة في صراع المصالح دفع المربَكين إلى خلخلة هذا الدور عبر استهداف الطائرة الروسية، بهدف فتح ثغرة في هذا الثقل الروسي، ومن ثم استدراجه إلى تفاهمات للتقليل من أهمية حضوره بما يتماشى ومصالح الغرب».

ولفت إلى أنّ «الاستهداف التركي للطائرة الروسية هو نتيجة وقائع متدحرجة يمكن أن نقيس هدفها المباشر، كما الغارة التي استهدفت مواقع الجيش السوري في دير الزور كاستكمال للرسائل. فهم لا يستطيعون أن يعارضوا الحضور الروسي في العلن أو أن يقولوا إنّ هذا المسار خاطئ، لذلك يتم توجيه رسائل ميدانية لاستدراج هذا الثقل الروسي إلى ساحة التفاهمات والتقليل من أهمية إنجازاته».

عملية سياسية

وأوضح سلمان «أنّ العملية السياسية في سورية يجب أن تتوفر فيها مقوّمات واضحة المعالم لتكون عملية سياسية سورية بامتياز، وأن تستهدف في شكل فعّال إيقاف الحرب الدائرة ونهوض المؤسسات السياسية والدستورية والاجتماعية بما يحصِّن سورية من دورات عنفية لاحقة في المستقبل»، محذراً من «محاولات إظهار نتائج الحرب على سورية وتحقيق مرامٍ في العملية السياسية عجز الغرب عن تحقيقها في الميدان عبر نقل الصراع إلى السياسة في مشهد تضطرب فيه النار والحرب في محاولة لتظهير النتائج في ساحة الصراع السياسي وإظهارها كتفاهمات». وأشار إلى «أنّ الهمّ الرئيسي السوري هو محاربة الإرهاب ومنعه من تحقيق أهدافه وتسهيل بناء مستقبل سوري واعٍ، وحفظ ما تبقى من المجتمع السوري الذي صمد».

تدرُّج التراجعات

وعمّا يشاع عن تراجع واستدارة غربية في القضية السورية، أكد سلمان «أنّ العلم السياسي وما شهدته سنوات الصراع ولّد حقيقة التدرّج في التراجعات، فلا يمكن أن تستدير أية قوة دولية أو إقليمية استدارة كاملة، وفي السياسة التسوية هي الأساس وليست هزيمة، وعلى أيّ قوة أن تعترف بالمقوّمات الأساسية للعملية التفاوضية، وبناء على ذلك يجب أن تضع في الحسبان انتصار الدولة السورية وتحقيقها إنجازات عجز أعداؤها عن تحقيقها رغم الدعم اللامحدود للإرهابيين».

واعتبر «أنّ مسار فيينا نسف جنيف، رغم أنّ أدبيات فيينا تحترم وثيقة جنيف وكلّ الحراك السياسي يتمحور باتجاه صفقة غير موجودة حتى الآن، فكلّ طرف يقرأ خلاصة فيينا بلغته السياسية الخاصة وكأنها خلاصة واحدة بلغات مختلفة. فرؤية فيينا تجمع الحماس الروسي والقبول الأميركي ورؤى أخرى. الإيرانيون مثلاً، لديهم رؤيتهم الخاصة ولا تزال مبادرتهم مطروحة، وللتركي مشروعه وأحلامه، أما الموفد الدولي إلى سورية فرؤيته لا تزال مطروحة عبر اللجان الأربعة».

ووصف العملية السياسية التي بدأت في فيينا بأنها «مشهد صراع بين الوقائع والذرائع، فالمعارضة التي أوكلت للسعودية عملية تجميعها وتوحيدها وللأردن تصنيفها بين من هو إرهابي وغير إرهابي تكشف أنّ المسألة نقل الصراع وأنّ من مصلحة العقل الروسي أن توكل لتلك الدول هذه الأدوار في العملية السياسية من دون التساهل فيها حتى لا يقع المحظور بتحقيق مرامٍ عجز الميدان عن تحقيقها».

ديمقراطية السعودية

ولفت سلمان إلى «أنّ سورية العريقة والموغلة في الحضارة آلاف السنين كمزيج للعقل المنفتح والحضارة واللذين صهرتهما في بوتقة سورية واحدة عبر مجتمع مدني، ليست في حاجة إلى من يبرهن هويتها». وسأل: «كيف ننظر إلى معارضة يُرتجى منها أن تساهم في علمانية سورية أن تسلّم أمرها للسعودية التي تكاد تكون كلمة العلمانية محرّمة لديها؟ هذا ما يكشف أنّهم يتعاطون مع المسألة على انها مسألة مُحاصصة، حيث هناك من يدّعون ومنهم سوريون أنهم يريدون سورية موحدة ومستقلة وناهضة وعلمانية، فكيف يتحقق ذلك؟ هل بعملية المحاصصة والقسمة؟ هذه العقلية التي تُدار بها اجتماعات السعودية، بغضِّ النظر عن أنّ ما يعبِّر عنه بعض السوريين هو نموذج محاصصة كالدولة اللبنانية ومن يعتقد أنّ هذا النموذج نهض بلبنان فهو واهم. ما هكذا يُبنى مستقبل سورية والعقد الاجتماعي بين السوريين». وأضاف: «كلّ من يحتفل بهذه الحصص من الذين في الخارج يبشّر بأنّ كلّ فئة سورية ستكون برعاية خارجية». وتساءل: «هل هذا ما نريده لسورية؟ لا أبداً لن تُبنى سورية بهذه الطريقة».

وطالب سلمان «كلّ من يصنِّف نفسه معارضاً فعّالاً عليه أن يكتسب المقوّمات الأصيلة وأن يعبِّر عما يريده السوريون وليس في مقدور أطراف خارجية تعطيل العملية السياسية». وقال: «عليهم أن يعبِّروا عن إرادة السوريين وليس عن إرادة السعوديين، وأنا أستغرب وجود من ينادي بهوية مدنية وعلمانية ويجلس على طاولة في السعودية مع تيار يناقضه جذرياً ويتنكر للوجود التكفيري في سورية. كيف سيشكل هؤلاء وفداً واحداً برؤية موحّدة»؟

دور القوى التاريخية

وتطرّق سلمان إلى مشاركة وحضور بعض القوى والأحزاب الوليدة وتيارات غير مرخصة في المحافل الدولية فيما تغيب أحزاب وازنة لها حضورها الشعبي، مؤكداً أننا «أمام مدارس ذات عقل فكري شكلت حيّزاً في بناء تاريخ سورية المعاصر، فكيف يمكن تغيببها؟ كيف يمكن استحضار أشخاص وتيارات قوامها بعض الأشخاص»؟ وأضاف: «الأحزاب التاريخية تُعدّ مدارس فكرية وقد ساهمت في إرساء العقل السياسي السوري المعاصر، وإنّ تغييبها هو ضرب لمصداقية الحلّ السياسي. إنّ البعد المتدرّج نحو الصراع الإقليمي يتقصَّد الفرز وتصوير المشهد السياسي بأنه يقتصر على من هو مع الحكومة ومن هو ضدّها وهذا متناقض مع المسألة السورية، وهذه التناقضات يعززها تغييب القوى وهذا يضرّ بالحلّ السياسيّ، فالفرق كبير بين استحضار من يعبّر عن القوى السورية أيّ الأحزاب التي لها امتدادات في البلد، وبين استحضار قوى لا عمق ولا تاريخ لها».

لا مشروعية للمُحاصصة

ورأى سلمان أن «لا مشروعية لعملية المحاصصة السياسية التي تسعى إليها بعض القوى لفرضها على السوريين، فهذه العملية تحفظ شكل الدولة بالمعنى الرمزي، لكنها على أرض الواقع تقوّض كلّ مقوّمات الدولة وتؤدّي إلى تفتيت المجتمع. إنها بمثابة فرض حرب سياسية وهي ليست عملية سياسية». وأضاف: «على السوريين والروس التيقظ لما قد يُفرض عليهم جراء الصراع من قبل بعض الأطراف. عليهم أن ينخرطوا في المواجهة بكلّ الجوانب بحيث لا تُمنح أيّ شرعية للمحاصصة في العملية السياسية وعلى من يساعد السوريين من الأصدقاء أن يتطلعوا إلى القوى الحقيقية المعبّرة والتي تساهم في تحقيق الخلاص لسورية». وأكد «أنّ الردّ يجب أن يكون عبر جبهة موحَّدة تضمّ السوريين وعلى القوى كافة أن تبادر وتستنهض كلّ السوريين للانخراط في مواجهة الإرهابيين، اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، والإدراك أنّ هناك مشروعاً لتفتيت لكلّ المنطقة».

فصام أوروبي

ولفت سلمان إلى حالات الانفصام الموجودة في الإدارات الحاكمة في دول أوروبا بين ما هو رعاية لمصالح شعوبها ومستقبلها، كقوى سياسية، وهم مشتتون بين الأمرين. وقال: «الإدارة البريطانية تحاول أو تقنع رأيها العام بأنّها أتخذت تدابير مشدّدة ضدّ الإرهاب، فهل تستطيع أن تُخرج هذا الإرث وتعالج خطر الإرهاب عليها؟ هناك فصام تجاه رأيهم العام والنخب المنافسة لهم وكثير من المدارس في أوروبا ضدّهم وتحاربهم».

وأشار إلى «أنّ الإرهاب الذي يضرب ويفجر العنف في سورية والعراق ولبنان، يرتدّ إلى كامل المنطقة حتى أفريقيا ومصر». وسأل: «هل هذه بنية تنظيمية لحزب تقليدي لتحاربه؟ بريطانيا تقول إن ليس لديها امتداد لتنظيم داعش وتريد أن تحارب الإرهاب في سورية. إنه امتداد فكري يتناسخ تنظيمياً، وُجد في بريطانيا من يحمل هذا الفكر العنفي الجهادي الذي يُبيح قتل أيّ مواطن ومعروف منبعه، لذلك فإنّ استسهال وجوده مشكلة».

وأضاف: «من يقومون بالأعمال الإرهابية في أوروبا يعيشون في هذه الدول وعدد كبير منهم ولدوا فيها وهم كالوقود الذي يشتعل في أية لحظة في بلاد الحريات العامة والتعدُّدية. الغرب لا يتساهل معهم والمسألة ليست ببناء مسجد، وهناك مراكز استخبارية معروفة ترعى الفكر الإرهابي وخروج هؤلاء من البلاد تحت أنظارهم دليل إدانة لبريطانيا وهي اليوم تريد أن تجمع البرلمان لضرب الإرهاب. هذا يعكس انفصامية دول غربية كبرى كفرنسا وبلجيكا».

دور تركي مشبوه؟

ولفت سلمان إلى «المطامع التركية تجاه المشرق بشكل عام وسورية والعراق بشكل خاص والتي لم تبدأ بالتنفيذ بعد»، مشيراً إلى أنّ تلك المطامع تعود إلى عقود خلت فالتطلع التركي التوسعي إلى النفوذ من خلال سورية الطبيعية ازداد خطورة عندما أضاف إليه أردوغان بعداً إسلامياً وتطلعات بمشروعه الخاص كمزيج من العثمانية والإخوانية والقومية التركية المتشدِّدة، وهو خليط بُثّت فيه كلّ العناصر السلبية التي تؤجِّج الشارع التركي حيال جيرانه وتحاول التوسع من خلاله في سورية والعراق. هي مطامع تكتسب أهمية كبرى، وخصوصاً أنّ تركيا في حيرة حيال فشلها وتحاول أن تستغل التدخل لتفعيل دورها في سورية». وأضاف: «التركي تأرجح في تصريحاته حول المنطقة العازلة وما زال يحاول التلميح إليها وهو في النهاية لم يحقق ذلك. التركي يحاول أن يعوّض عجزه عن التدخل في المسألة السورية بالتوجه نحو العراق حيث التدخل يبدو ملموساً، ولا يمكن فصله عن أطماعه تجاه سورية حيث خرّب بما فيه الكفاية من دون الوصول إلى نتائج، وبعد الانتخابات استيقظ على الحضور الروسي الجديد على الساحة السورية فأصبح دوره مقيداً».

وختم سلمان: «الدور التركي أصبح مشبوهاً من خلال انكشاف أهدافه والإرهاب الذي يستهدف المنطقة وارتداداته الأوروبية وعرقلته كلّ التجارب التي تحمل عنوان محاربة الإرهاب وتردّد الاتراك من دون تقديم المساعدة للتحالف الأميركي ومواجهته التحالف السوري ـ الروسي عبر حادثة الطائرة يفقد التركي أي مصداقية ويكشف حقيقة دوره المشبوه ويضع إشارات تعجّب حول خطر الإرهاب وارتداده على الغرب، وهو ما تدركه دول أوروبية عدة، لذلك تتعامل مع الأتراك بحذر، ومنها ألمانيا التي بدأت التنسيق مع روسيا في مواجهة الإرهاب بعيداً عن أنقرة».

يُبثّ هذا الحوار كاملاً الساعة الخامسة من مساء اليوم ويُعاد بثه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» على التردُّد 12034 قمر نايل سات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى