خفايا انسحاب حاملة الطائرات «شارل ديغول» من المتوسط
يوسف المصري
يوم 27 تشرين الثاني الماضي وصلت حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» إلى شواطئ المتوسط السورية، للمشاركة في جهد التحالف الدولي الجوي العسكري ضدّ «داعش»، وذلك انتقاماً من التفجيرات الإرهابية التي نفذتها الأخيرة في باريس.
لم يطل تمركز «شارل ديغول» طويلاً في مياه المتوسط، فبعد نحو أسبوعين صدرت إليها الأوامر لتنتقل إلى الخليج لتشارك من هناك بإسهامها ضدّ «داعش» في العراق وسورية !!
لقد حرص الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على إبلاغ طاقم قيادة حاملة «شارل ديغول» شخصياً بقرار تغيير تمركزها، وذلك خلال زيارة مفاجئة قام بها للحاملة. وكان واضحاً أنّ الهدف من هذه الزيارة هو رفع الحرج المتأتي عن هذه الخطوة، وإظهار أنّ القرار بسحب «شارل ديغول» هو قرار فرنسي حرّ ويصدر من أعلى مستويات الدولة الفرنسية، وليس نتيجة أية ضغوط أخرى.
لكن لماذا انسحبت «شارل ديغول»، وما هي الأسباب الحقيقية؟
السبب الرئيس يتصل بالنقص الحادّ الذي تعاني منه الترسانة العسكرية الفرنسية، خاصة على مستوى القنابل الذكية، علماً أنّ هذا النوع من القنابل هو الأكثر استخداماً من قبل الطائرات الدولية التي تقوم بتنفيذ هجمات جوية ضدّ مواقع «داعش» في سورية، لكون هذا التنظيم الإرهابي يلجأ إلى تخبئة مواقعه الهامة والحساسة بين المراكز المدنية، وحتى بين الأحياء الشعبية، وهدفه من ذلك استخدام المواطنين كدروع بشرية يحمي بين ظهرانيهم انتشاره العسكري.
وفي معلومات خاصة بـ«البناء» فإنّ كلّ ما كان قد تبقّى من القنابل الذكية لدى حاملة «شارل ديغول» قبل نحو يومين من انسحابها من المتوسط هو 680 قنبلة فقط، ما يعني عملياً نفادها تقريباً.
… وبما أنّ القنابل الذكية الموجودة لدى الجيش الفرنسي مشتراة من مصانع عسكرية أميركية، ونظراً لأنّ المنتج الأميركي لهذه القنابل أبلغ الفرنسيين بعدم إمكانية تزويدهم بكمية جديدة من القنابل الذكية قبل حلول الشهر السادس من العام المقبل 2016 ، فإنّ كلاً من الأليزيه ووزارة الدفاع الفرنسية قرّرتا إبعاد «شارل ديغول» عن الميدان البحري اللصيق بمعركة قصف مواقع «داعش» في سورية من الجو، لأنّ استمرار وجودها في مكانها سيفضح أمر أنّ تأثيرها العسكري ضدّ «داعش» هو تأثير ضعيف جداً، وسيلحق بها وبتاريخها العسكري وبباريس وصمة عار كبيرة.
وتؤشر الوقائع الآنفة إلى أنّ قضية ثانية تشكل خلفية أخرى لما يمكن تسميته بفضيحة انسحاب «شارل ديغول» من المتوسط ومن المعركة ضدّ «داعش»، بعدما فقدت «قدراتها العسكرية الذكية»، وتتمثل بأنه إذا كانت عودة «شارل ديغول» إلى المتوسط باتت مرهونة حصراً بتسليمها كميات جديدة من القنابل الذكية المنتجة في أميركا، والموجودة تحت إشراف واشنطن في مخازن الحلف الأطلسي، فإنّ هذا يعني بوضوح أنّ قرار عودتها للمشاركة في الحرب الدولية ضدّ «داعش» في سوريا، لم يعد فرنسياً بل هو قرار أميركيّ بامتياز.
السؤال الآن: لماذا قرّرت أميركا إخراج فرنسا من جهد القتال الدولي لـ«داعش» في سورية؟ ومتى ستسمح بعودتها وضمن أية ظروف وشروط سياسية؟
ضمن الأجوبة المطروحة يقع احتمال بدء التوجه الأميركي لإبعاد باريس عن المشرق، كما فعلت معها في ليبيا.
يبقى القول إنّ هولاند الخارج من هزيمة داخلية كانت متوقعة أمام اليمين الفرنسي، قرّر تبكير سحب حاملة «شارل ديغول» من المتوسط حتى لا تثار في الإعلام الفرنسي كقضية إعلامية عن فشله السوري العارم تتزامن مع إثارة قضية أسباب فشله الأخرى أمام اليمين.
وفي مقابل ذلك بدأت مؤسسات القرار الفرنسي الرسمية تتصرّف مع سياسات هولاند – فابيوس السورية، بوصفها مرحلة فاشلة من الماضي، وتعمل لتجسيد رؤى جديدة للتعامل مع الأزمة السورية واستعادة العلاقة مع دمشق. وهذا ما يفسّر قيام رئيس الأجهزة الفرنسية بزيارة سورية قبل أيام لبحث العلاقات الأمنية الثنائية بين الدولتين وتطويرها على مستوى مكافحة الإرهاب في سورية وحول العالم.
قصارى القول إنّ هولاند الفاشل سورياً، يجد نفسه محاصراً داخل مربّع عجزه العسكري المتمثل باضطراره لسحب «شارل ديغول» من شواطئ المتوسط، وهزيمته الداخلية أمام اليمين الفرنسي، إضافة إلى عجزه عن إقناع أجهزة الأمن الفرنسية عن إبطاء عملية تقاربها مع الأمن الرسمي السوري.