الانكفاء الأميركي… ونداء الاستغاثة التركي الخليجي!
لؤي خليل
قراءة المشهد السياسي الغربي الأميركي وكلام وزراء الخارجية في هذه الدول، على تواز مع اشتداد الحملة الروسية ضدّ مرتزقتهم ممّن اتخذوا من الأراضي التركية والأردنية ملاذاً للدخول والهروب، تحت أعين كاميرات طائرات التحالف الأميركي الغربي.
فهذا الزخم العملياتي الروسي الذي يكشف يوماً بعد يوم إبعاد النصر للحلف المقاوم وما يرسم معه من معادلات ستفقد الحلف المساوم الذي تدعمه أميركا وحلفاؤها الخليجيون مواقع كانوا يعتقدون أنها أصبحت بعيدة عن أيادي الدولة والجيش في سورية، فهذا المسح الجغرافي لعمليات الجيش السوري والنار الجوية الروسية أفقدت طيران التحالف الأميركي مجاله الذي كان يتحكم فيه بمسارات الإرهابيين وحجم إمكانية المناورة في إبعاد ومحافظات جديدة، فما كان مباحاً ومتاحاً أصبح محرماً تحت ضربات الطيران الروسي والجيش العربي السوري.
هذا الانكفاء وتواتره المتزايد على الأرض وأبعاده الاستراتيجية التي منحت الروسي أوراقاً وأيادي ينتزع بها من جديد مبادرة الردّ الاستراتيجي على التغلغل الوهابي التركي الخليجي في مؤامرة ضرب القلب الروسي تمهيداً لمحاصرة روسيا وإيران ومعهما اسقاط الحليف السوري، والقاعدة التاريخية الروسية في قلب دمشق.
إذاً هذا الاندفاع الروسي غير المسبوق الذي بُنيَ على دراسة الأخطاء الغربية الأميركية في استخدام مقاربات إسلامية غير محدّدة الأبعاد، وقلب أنظمة غير محسوبة القوة، فالأرض ومقبل الأيام سيحتاج أكثر إلى من يغطي هذه الفراغات الاستراتيجية، ومن يحدّ من الأعمال الانتقامية لهذه الجماعات التي ستترك تستبيح جميع الدول، بردود فعل غير منقطعة في أقاصي الدول الأوروبية.
الروسي إذاً خط أراضيه وخطواته بأيدي الدولة السورية وتنسيق مع الحليف الإيراني الذي أصبح أقوى وأصلب قدرة على الدعم بعد الاتفاق النووي، وسار الروسي قدماً الى تغيير معادلات في قلب المنطقة مستفيداً من الغربة الأميركية وتخبّط ساستها، وخوف الغرب من حلفائه الخليجيين وعدم قدرتهم على إيجاد أي رادع لهجمات ثعبانهم الداعشي الذي ينقلب من جديد على القبضة الاستخبارية الوهابية الصهيونية.
فالغطاء الروسي الجوي بطيرانه ودفاعاته ما هو إلا ردّ مبدئي على انغماس الغرب في المؤامرة، وما كان مخطط عالمياً لمحاصرة موسكو وحلفائها، هو الآن ينقلب انفتاحاً غير مسبوق للقوة الروسية شرقاً وطيرانه الاستطلاعي لا يختفي من سماء المنطقة وقواعدها لامست أبعد البحار، وكل هذا سببه الانكفاء الأميركي الذي يبتعد شيئاً فشيئاً متخبّطاً بين وعوده الكاذبة والأماني التي يعده بها الوهابيون والخليج والأتراك.
وها هي أحلام الواهم أردوغان تتنحّى جانباً مع تخبّطه بين تصريحات الناتو غير المجدية والبعيدة عن طموحاته، وبين تصريحات كيري وفابيوس المزدوجة مترنحة بين التعاون مع الرئيس الأسد وبقائه الى اليد الممدودة للجيش العربي السوري وقياداته التي طالما رغب آل سعود وإخوان أردوغان بقتل معالم ووطنية هذا الجيش، وها هي مساحات السيطرة للدولة السورية تمتدّ بشكل سريع لتستعيد أقرب التلال وأقرب المناطق، ظن أردوغان وأذنابه أن انغماسيّيه وأخوانه سيطروا عليها بالغطاء الاميركي.
وها هي السعودية ومعها الدول الخليجية الأخرى المنهكة أصلا تترك لهلاكها بين البؤر الوهابية المتجذرة في أدمغة شيوخ الحقد وبين ما ستخلفه لهم حربهم الحاقدة ضد الشعب اليمني والبحريني والعراقي والسوري.
فكل هذا سببه الفراغ الكبير الذي سيتركه الانكفاء الأميركي ليلقي بظله على شواطئ ودول الخليج، ومن خلفهم الأوروبيون داعموهم، الذين سيلهثون بحثاً عن طاقة تحفظ لهم حصتهم ولو من نادر حقول النفط الإيرانية والعراقية.
فيما التصريحات الأوروبية وتصريحات كيري من خلفها ليست سوى محاولة للبحث عن مكسب رهان يساومون به، تحت رحمة الضربات الروسية، علهم بقناعة ما يسمى الحلّ مع السلطة والمعارضة السورية يكسبون بعض ما خسروه في ما يسمى كعكتهم الاقتصادية.
والجميع سيراهن على كسب مفاوضات مع الرئيس الأسد ببقائه حسب زعمهم، من دون أن يدركوا أنهم أصبحوا بحاجة للمعادلات القوية التي يرسمها الرئيس الأسد وحلفاؤه في طهران وموسكو، وسيركضون لاهثين خلفهم للملمة ما تبقى من ماء وجههم أمام شعوبهم التي فضحت خبث ساسة أوروبا.
فغباؤهم السياسي وفراغاتهم الاستراتيجية التي منحت الروسي والإيراني بعداً غير قابل للتراجع لبناء حلف القوة الزاحفة لملء الشغور الاستراتيجي في محافل المنطقة كافة لن تترك لهم أوهاما لا في سورية ولا في العراق، ولو دفع أردوغان بكامل جيشه فيهما، فإن غربته الجديدة ستكون في تركيا أكثر من محيطه، لأنه سيكون نقطة الضعف الأكثر شغوراً وحاجة لمن يملأها، بعد إقصائه طبعاً عن جحافله الإرهابية.
فدوماً أخطاؤهم الاستراتيجية الكبيرة كانت الرهان الذي كسب به الحلف المقاوم معركته شيئاً فشيئاً ولو بعد صبر طويل على، الردود الاستراتيجية على مساحات المنطقة كافة، إيذانا ببدء النهاية الأحادية الأميركية وبدء القطبية الجديدة من موسكو الى طهران ودمشق قلب المقاومة.