تقرير
كتب محافظ لندن، بوريس جونسون، مقالاً في صحيفة «تلغراف» البريطانية، طالب فيه بالتعاون مع الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين في سورية للقضاء على الإرهاب.
وجاء في المقال: علينا أن نتوقف عن التفكير بعقلية الحرب الباردة، ونتوقف عن اختيار حلفائنا على هذا الأساس إذا ما أردنا هزيمة تنظيم «داعش» قبل أن يقتل آلافاً آخرين.
في الأيام الماضية، جاء إليّ عدد من الشباب يسألونني بلهجة اتهام: «لماذا صوّت للحرب يا بوريس؟» أحاول بعبث أن أشرح لهم أنني صوّت للسلام، لكنهم يتعجبون ويسألون: «ماذا عن القصف، ماذا عن الناس الأبرياء الذين سيموتون؟ ستلوّث يديك بدمائهم».
عشرات آلاف الناس يُذبحون فقط لأنهم نساء أو ذوي احتياجات خاصة أو مثليين أو ينتمون إلى تيار من إسلام «خاطئ» لا أريد أن يؤنبني ضميري بسببهم، لا أريد لهؤلاء المرضى من «داعش» أن يستمروا بالابتهاج بما يسمّونه «الخلافة»، وأن يسمح لهم إلى ما لانهاية بالترويج لحملاتهم الإرهابية.
عندما قرّر مجلس العموم تنفيذ ضربات جوية الأسبوع الماضي، لم يبتهج أحد ولم يهلل أحد بعصبية قومية أو حماسة، نريد أن نبدأ بأفضل وأسرع حلّ لجلب السلام إلى سورية، ولأننا نعلم أن هذا لن ينجز بالقصف وحده، نحتاج لأن نفكر بطريقة مبدعة أكثر عن التحالف الذي بنيناه.
يوصلنا هذا إلى فلاديمير بوتين، كنت في باريس الأسبوع الماضي، وفرنسيون كثيرون يعتقدون أنه حان الوقت للوصول إلى اتفاقية مع أصدقائهم الجدد، الروس. وأعتقد بشكل عام أن توجّههم صحيح.
أنا لست من معجبي فلاديمير بوتين، ففي أوكرانيا تحتل القوات المدعومة من روسيا أجزاء من أوكرانيا بشكل غير شرعي، جيش بوتين بالوكالة تقريباً مذنب بقتل المسافرين على الطائرة الماليزية التي وقعت شرق أوكرانيا. على بوتين أن يجيب عن أسئلة بحقّ موت آلِكسندر ليتفينكو الذي توفّي من جرّاء سمّ في مطعم في لندن، وبالنسبة إلى حكمه في روسيا، يدّعي أناس أنه الداعم بشكل واسع لعصابات اختلاس في مرحلة بعد السوفيات، ويُقال أنه شخصياً أغنى رجل على وجه الكوكب.
الصحافيون الذين عارضوه قُتلوا ومنافسوه اعتُقلوا، وعلى رغم أنه يشبه «دوبي» في «بيت العفريت»، إلا أنه دكتاتور شرس واستغلالي.
هل هذا يعني أنه من المستحيل العمل معه أخلاقياً؟ لست متأكداً علينا أن نركز على ما نريد أن ننجزه. أهدافنا، على الأقل أهدافنا المعلنة، هي تدمير تنظيم «داعش» كقوة في العراق وسورية هذا هو الموضوع.
مهمتنا إزالة طائفة الموت الشريرة وحرمان التنظيم من الكاريزما والشهرة التي أتت على إثر سيطرته على أرض يسكن فيها عشرة ملايين نسمة.
علينا أن ننهي إدارتهم الشنيعة في الرقة بطقوس الحرق وقطع الرؤوس، نريدهم خارج تدمر لأنه إذا ما كان لسورية أيّ مستقبل فيجب حماية ماضيها.
لا نستطيع فعل الذي ذكرناه من دون قوات برية، ولأن أميركا لا تريد ـ وبريطانيا وفرنسا ـ إرسال قوات برّية، فيجب ألا نكون نزقين باختيار حلفائنا.
يوجد قرابة 70 ألفاً من «الجيش السوري الحرّ» ومجموعات أخرى، هذا الرقم يمكن أن يكون مبالغاً فيه كما أن هذه الفرق والمجموعات من المحتمل أن تضمّ جهاديين لا يختلفون عقائدياً عن «القاعدة».
من يوجد أيضاً في سورية؟ الجواب واضح، الأسد وجيشه. وقد أحرزوا تقدماً في الفترة الأخيرة، بفضل الغارات الجوّية الروسية، ويبدو أن النظام أعاد السيطرة على أجزاء كبيرة من بعض الميليشيات التابعة لـ«القاعدة» التي بدأت تنسحب، هل هذا أمر سيئ؟ لا أعتقد ذلك.
يبعد نظام الاسد الآن بضعة أميال عن تدمر بسبب الدعم الجوّي الروسي، تدمر مدينة الآثار التي أعدم فيها تنظيم «داعش» القائم عليها خالد الأسعد وشنّ حملات جماعية لتدمير ثقافتها.
نعم، أنا أدعم نظام الأسد والروس بجهودهم المشتركة لاسترداد تدمر الرائعة، هذا لا يعني أن أثق ببوتين وهذا لا يعني أنني أرغب ببقاء الأسد في السطلة إلى أجل غير مسمّى.
الآن نحن في خطر أن نتعامل مع معركتنا كأنها لعبة شطرنج مع ثلاثة لاعبين وبغاية التعقيد، وفي هذه اللعبة نحاول أن نحيّد الإسلاميين، وفي الوقت نفسه نمنع بوتين من أن يصبح أكبر. إذا ما حاولنا أن نكون أذكياء جداً سننتهي بعدم إنجاز أي أمر.
الآن هو الوقت المناسب لنضع عقلية الحرب الباردة على طرف، ليس صحيحاً أن كل ما هو جيد لبوتين هو سيئ للغرب. كلانا لديه هدف واضح وملموس وهو إزالة خطر تنظيم «داعش»، وكل أمر آخر… ثانوي.
فكّروا بكل الطائرات فوق سورية. بعضها مع نظام الأسد وبعضها ضده، وبعضها ضدّ تنظيم «داعش» وبعضها ضد «المتمرّدين» من غير تنظيم «داعش». الوضع عبثي للغاية والأمل الأفضل للتخلص من تنظيم «داعش» يتمثل بالتوافق بين كل القوى: أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية والآخرين على إزالة التنظيم.
الجميع بدوا في باريس الأسبوع الماضي كأنهم يعرفون مقولة لوينستون تشرتشل، عندما اعتدى هتلر على الاتحاد السوفياتي وقرّر تشرتشل أن يصف كرهه للشيوعية بقوله: «إذا احتل هتلر جهنم سأحاول على الأقل أن يكون الشيطان مفضلاً في مجلس العموم البريطاني»، وكما تنبّأ تشرتشل، فالروس هم من فعلوا الكثير لمساعدتنا في الفوز بالحرب ضدّ هتلر.