الحكومة مسؤولة تجاه إعلام بلدها ومقاومتها
ناصر قنديل
– تستسهل الحكومة اللبنانية التذرّع بالضعف أمام أيّ استحقاق والتعويض بعبارات التضامن أو التنديد والاستنكار، كأنها حزب سياسي أو شخصية إعلامية، وأحياناً تقدّم تفسيراً لما جرى كأنها محلل سياسي أو تقني، والحكومة قرار وسلطة وتدابير، فكما في ملفّ النفايات لا تخجل الحكومة من اللطم بدءاً من رئيسها كأيّ مواطن يلعن الإهمال والتسيّب واللامسؤولية، حتى تظنّ رئيس الحكومة وأيّ وزير مسؤول عن وزارته مواطناً مظلوماً يستحق التضامن بدلاً من المحاسبة، ومَن يعلم تفاصيل الإفراج عن العسكريين المخطوفين يعرف أنّ الحكومة كحكومة كانت تتضامن وتستنكر وفي النهاية تقبّلت التهاني.
– قضية حجب تلفزيون «المنار» عن قمر «عربسات» هي قضية سياسية بامتياز، وهذا لا يسمح لأيّ عاقل بسماع كلام وزير الإعلام اللبناني بصددها، عن كونها شأناً تعاقدياً بين شركتين لا علاقة للحكومة اللبنانية بها، ولا يتقبّل عاقل التغاضي أو ربما إحالة الموضوع إلى ترصيده في خانة الأرباح والخسائر في حسابات المتصارعين في لبنان بعلاقاتهم الإقليمية، فتصير القضية ربحاً لفريق لبناني مدعوم من السعودية طالما هي خسارة لفريق لبناني في حال خلاف سياسي وقد ترتبت بقرار سعودي.
– في زمن يقوم تيار المستقبل شريك حزب الله في الحكومة، بدعوته للشراكة في تسوية رئاسية يقول إنه وفر لها الدعم والتغطية من السعودية، تطارد السعودية حزب الله في ملفات كانت نائمة وهي تحت يدها طوال سنوات، من مطاردة المغتربين وتحويل أموالهم وصولاً إلى حجب «المنار»، وكلها لا صفة لها سوى العقاب على الخيار المقاوم والانتقام من نصر لم يتمّ على السعودية بل على «إسرائيل»، وعقاب على إثبات تفاهة إلصاق صفة المغامرين بالذين ثبت أنهم قادرون على صناعة النصر، والسؤال كيف يحدث أن يتمّ الانتقام بعد عشر سنوات، وفي زمن تسويق تسوية يُراد من حزب الله أن يتلقاها كهدية سعودية طيبة، ومكرمة تسعى لخير اللبنانيين؟
– الحكومة كإطار شراكة وطنية هي المكان الذي يُفترض انّ التضامن الوطني يتظهّر عبره، ليكون لكلّ فريق سياسي خصوصيته خارجها، وما تسأل عنه الحكومة هنا يبدأ من ثلاثة عناصر تضع أمر حجب «المنار» في طليعة الأولويات التي يجب أن تسأل عنها الحكومة، فهي شأن يتصل بحرية الإعلام، الشعار الذي يتخذه لبنان هوية، وهي شأن يتصل بالمقاومة التي لا يصرّح أيّ فريق لبناني أنها موضع خلاف بل يُجمعون نظرياً، رغم النقاش على مستقبل سلاحها، أنها مصدر فخر جامع لكلّ اللبنانيين، وهي شأن يتصل بالوفاق الوطني وروح التضامن، تستدعي تظهيرها من فريق يملك الأغلبية الحكومية، جاء يعبّر بابتسامة عريضة في مبادرته الرئاسية نحو حزب الله منتظراً منه التلقف والتصفيق، فكيف يستقيم هذا وذاك والتضامن المنتظَر هنا، إطاره حكومي، لكن سقفه السياسي لدى مرجع فريق الأغلبية على المستوى الإقليمي، وهو السعودية؟
– في السياسة يستطيع زعيم الأغلبية الحكومية والنيابية الرئيس سعد الحريري للاعتبارات التي يختزنها قرار حجب «المنار» أن يعتبر القضية قضيته الشخصية وأن يأخذ على عاتقه حلها، وأن يتدخل لدى المسؤولين السعوديين شارحاً خطورة العبث بشأن يتصل بحرية الإعلام اللبناني وبالمقاومة، واضعاً ثقله لبلوغ برّ الأمان في هذه القضية بإدارة مفاوضات مباشرة بين «المنار» وشركة «عربسات» لبلورة مخرج شكلي يحفظ ماء الوجه للتراجع عن القرار.
– الحكومة لا تستطيع ادّعاء العجز هنا، والاكتفاء بأحسن الأحوال بالكلام الإيجابي عن التزام «المنار» بالقوانين اللبنانية، وتجاهل صاحب قرار الحجب استجابة لمقتضيات النفاق السياسي وتخلياً عن المسؤولية، فعلى الحكومة اتباع الخطوات التالية، مراسلة وزير الإعلام اللبناني باسم الحكومة اللبنانية ورئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع لشركة «عربسات» طلباً لإيداع الوزارة والمجلس نسخة من ملف القضية التي تسبّبت بقرار الحجب وفقاً لدفاتر شروط البث عبر «عربسات»، وإبلاغ الشركة بأنّ الوزارة نيابة عن الحكومة والمجلس من موقع مسؤوليتهما عن الإعلام اللبناني وأدائه وسمعته، ومن موقع المسؤولية عن توفير بيئة إعلامية عربية تطابق المعايير العالمية وتوفير مناخ للحريات المسؤولة، يوجّهان الدعوة لمن يمثل الشركة لزيارة بيروت لإدارة نقاش حول الملف والسعي للوصول إلى تسوية بصدد القضية أو القضايا المثارة.
– قيام وزارة الإعلام والمجلس الوطني معاً بدعوة المؤسسات الإعلامية لتدارس مشروع التقدّم نحو الأقمار الصناعية التي تستثمر تردّداتها القنوات اللبنانية، بطلب استئجار حزمة موحّدة، تسمّى باقة لبنان، تتولى وزارة الاتصالات التي تدير البث نحو الفضاء وتنسيق التردّدات، مهمة تنظيم استثمارها التجاري والفني، وتتحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية أداء القنوات التي تستثمر عليها تردّدات لحسابها، طالما تلتزم دفاتر البث الفضائي اللبنانية والقوانين اللبنانية.
– المهم أنّ الاستقالة من الدور والتذرّع بعدم الاختصاص، وضعف الحيلة، حجج ساقطة ومردودة لأصحابها، ولا تليق بمن يتولّون المسؤولية.