صباحات

ثمّة من ينتظر شروق الشمس لينام لا ليصحو، لأنه يريد الاطمئنان أن النهار قد ابتدأ، أو ربما أن الليل قد انقضى على خير. ولم يكن الليل وسادة لكتابة الشعر وعدّ النجوم، ولا الصبح إشراقة الفرح، بل ربما للتحقق من أن النهار طلع عليه وهو بخير، فيطمئن وينام لأنه واثق أنّ الموت والخوف شريكان للعتمة فقط… وهما يعشقان وضوح النهار.

نشاط الصباح يتناسب مع وعد ما ينتظرنا فيه. فكم من صباح كسول وكم من صباحات تتراكض أمامنا تهرول بسرعة الاشتياق للقاء الأحبة… لهم نقول أنتم صباحاتنا وفوح الحبق فيها ودفء الليالي والكلمة الساحرة وقصيدة تغزل من خيوط الشمس، ووطن يفتخر بالذين استشهدوا والذين يمضون بأنوف شامخة ونفوس عامرة وقلوب حارة تتوق للقاء الغد الأجمل، وعقول باردة تتظر صباحاً لا ليل بعده، ودفء لا يتبعه صقيع… صباحكم خير.

يختزن الصباح الكثير من برودة الليل ليبدّدها بأشعة ضوء الشمس. لكن الذين يبقون وحدهم بعيداً عن الناس لا تصلهم حرارة الشمس ولو جلسوا في ضوئها. لأنّ برودة الليل من صقيع وحدته.

الطريق إلى السكينة يبدأ من الروح وانسجام الأولويات التي ترتبها القيم مع الأولويات التي تسبب الألم. وفي اختلافهما تصير برامجنا للحياة في طريق وضميرنا في طريق. وكلما مر الوقت سئم الضمير وأصابه اليأس حتى بدأ يتأقلم ويصنع قيماً جديدة تلاقي رغباتنا وتخفّف ما نحسّه آلامنا، أو زاد الألم بقوّة عذاب الضمير… فتصالحوا مع أنفسكم معناها أن تضبطوا أولوياتكم على سلّم قيم تناديكم لا أن تجدوا قيماً تناسب أولويات رتّبتها الرغبات… الوطن لا يترجم وفقاً لمعادلة «وين ما بترزق الزق»، و«اللي بياخد أمي بناديلو يا عمي»، إلا متى تقاعد الضمير وسقطت القيم، فتدخل معادلة «إيد اللي ما فيك تكسرها بوسها وادعي عليها بالكسر»… هكذا تسقط الأوطان ويسقط في الضياع أبناؤها.

خلق النور للحق والحقيقة. وكلما أشرقت حقيقة وبان ضوء الحق صار للشمس والصباح قيمة… لهذا، يطلع الصباح من دمشق ويشق بنورها أرجاء الكون ناثراً عطر حروفها وياسمينها… الجغرافيا تكتب التاريخ… الحق ينتصر والحقيقة تسمو وتسود، والشام عرين الأسود.

كيري وفابيوس لا يغيّران في أقدار صنعناها، لكنهما يعترفان بالنتيجة وهي أن كل الذين راهنوا على رحيله راحلون، والأسد باق. والعبرة بما يعترف به الأعداء… أما الشماتة فبالسعودي والتركي، و«الشماتة بالانذال حق مستحق»، خصوصاً عندما تأتيهم الركلة من صديق، فكيف إن كانا معلميهما… لنا الفخر بالصمود ولنا العزّ بالأسد… عاشت سورية والمقاومة وإلى النصر الكبير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى