المعارضة التي صارت مسخرة
ناصر قنديل
– ليس مهماً كم كان ومَن كان حضور مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وكم كلفت أعمال المؤتمر من موازنات رديفة للمشاركين عند الحضور ولضمان كلّ اتفاق، ولا حجم القوى السياسية المشاركة وحجم الرضى عنها من الدول الداعمة في الغرب والمنطقة، وليس مهمّاً أيضاً حجم الوجود المسلح الذي تمثله الفصائل المشاركة ودرجة بعدها عن جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، فكل هذا يستحق النقاش، وهناك من يتكفل بنقاشه من موقع وضع معايير لا يجوز المساس ولا التهاون بها في البحث بشروط نجاح أي عملية سياسية في سورية، تواكب الحرب على الإرهاب وتحترم هذه الحرب كأولوية، مثلما نصّت بنود بيان فيينا.
– المهم هو خطاب هذه المعارضة، وهي اليوم مجتمعة، ولا حجة لفريق منها أن ما ورد في مواقفها وبياناتها لا يعنيه أو لا يمثله، ولا نقصد الغائبين عن مؤتمر الرياض بالطبع، فهؤلاء يمثلون بالتكافل والتضامن عقلاً جمعياً سيحمل التبعات العقلية لما ورد من مواقف، وليس القصد هنا التبعات السياسية والوطنية، بل العقلية البحتة بالمعايير البشرية الطبيعية، فما ورد عند محاكمته عقلياً، يعني محاكمة كلّ فردّ مشارك وكلّ فصيل بمجموع قادته وأعضائه كأفراد، وعندما تثبت ببساطة نتائج الفحص العقلي لهؤلاء من خلال ما قالوه، وما صدر عنهم، أنه نص مجنون سنكون أمام حفلة جنون اسمها مؤتمر الرياض، أو أمام مسخرة اسمها المعارضة.
– يقول المؤتمر إنه مؤمن بالحل السياسي ويقترح تصورات لهذا الحل، تنعقد عند عنوان محوري يشكل السؤال حولها موضوع فحص عقلي لأصحابه، وهو الدعوة لرحيل الرئيس السوري، ورغم أن في الرياض بياناً آخر لمجلس التعاون الخليجي تجاهل رحيل الرئيس السوري، فحلّ مكانه بيان المعارضة بتبني الدعوة، ولو بتلعثم وتأتأة، فلم يعتبره شرطاً للحوار، ولا مدخلاً للحل، ولا نهاية مرتجاة له، بل تتويجٌ للحل مع نهاية المرحلة الانتقالية، وهذا كرم أخلاق وإبداع فكري من أصحابه، بشرط أن يجيبونا، كيف؟
– الحل المفترض تفاوضي، فمن هي الجهة التي يريد المجتمعون مفاوضتها على رحيل الرئيس السوري، ومن هي الجهة التي يطالبونها بتقديم إجراءات بناء ثقة لبدء المفاوضات التي يفترض أن تنتهي برحيل الرئيس، ومنطقي أن هؤلاء الذين يصيغون البيان ويدبجون الكلام سوريون، فهم يعلمون أنهم يتحدثون عن اللا شيء، يحدثون أنفسهم ليس إلا، إلا إذا كان هذا عرضاً تعجيزياً لإبراء الذمة، للقول حاولنا فلا يلومنا أحد على سلوك طريق آخر، فهذا آخر عرض وآخر فرصة للتفاوض وإلا، وإلا ماذا، وإلا ما قاله لهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، رحيل سلمي بحل تفاوضي وإلا فالرحيل بالقوة العسكرية، فهل هذا هو حال الأمور؟
– قال الجبير شارحاً نظريته العبقرية، منعاً للتأويل، إن الحل العسكري ليس عاصفة حزم كالتي شنتها بلاده على اليمن وبشرت بمثلها لسورية، وها هي تبحث عن قشة تتسلقها لتخرج كنملة مبلولة من المستنقع اليمني، فيجيب شارحاً الطريق العسكري الذي سيفرض الرحيل على الرئيس السوري، بأن المعارضة ستفرض ذلك وهي تقاتل ولن تسمح له بالبقاء، إذن المعارضة تعرض وما لم يستجب الرئيس السوري للعرض فهي آتية بالحل العسكري، ورغم أن هذا يناقض قولها بأن لا حلّ للأزمة في سورية إلا الحل السياسي، يصير السؤال الطبيعي، أن المعارضة منذ أول الأزمة وهي ترفع هذا الشعار، فلا المناشدة ولا التهويل ولا الضغوط أفلحت، لكن ولا الطريق العسكري يبدو متاحاً، إذا كان ثمة بقية عقل في رؤوس المجتمعين، وها هم رعاتهم الدوليون يصرفون النظر ويقولون إن لا مناص من التعايش مع بقاء الرئيس السوري، لأن لا بديل ممكن واقعياً، فالمعارضة التي لم تستطع الفوز بالحل العسكري خلال سنوات مضت، وظروفها العسكرية والسياسية تزداد سوءاً كل يوم، كيف تكون تملك عقلاً طبيعياً وتتحدث عن حل عسكري، بينما يخشى مؤيدو هذه المعارضة من أن تكون هي ضحية الحل العسكري إذا تُركت لخفة عقلها تدير شؤونها بنفسها.
– تستطيع المعارضة أن تنقذ عقلها من تهمة الخبل، إذا حيّدت نفسها عن نظريات الجبير، رغم كرم الضيافة في الرياض، وتقول إن بيانها لم يتضمن إشارة للحل العسكري، وفي هذه الحالة تبقى طريقة وحيدة لرحيل الرئيس السوري هي الفوز عليه في صناديق الاقتراع، فهل قصدت المعارضة في بيانها الدعوة لمرحلة انتقالية تنتهي بالاحتكام لصناديق الاقتراع. وهذا المضمون وارد صراحة في بيان فيينا وفي مبادرة الرئيس السوري للحوار والحل السياسي منذ ثلاثة أعوام، ولو كان هو القصد لكان قوله علناً ومباشرة أقصر الطرق لتأكيد صحة ادعاء المعارضة، لكونها مَن يمثل أغلبية الشعب السوري، ولقالت ببساطة، إنها تدعو لحوار فوري مع الحكومة السورية ينتج حكومة وحدة وطنية تقف وراء الجيش في الحرب على الإرهاب وتدمج بأشكال مناسبة الفصائل المسلحة المقاتلة ضد الإرهاب في إطار عمليات الجيش، على أن تنهي هذه المرحلة بانتخابات نزيهة وشفافة تعتزم المعارضة الفوز بها وتثق من حجم شعبيتها لتحقيق هذا الهدف، فلماذا لم تقل؟
– ببساطة لأن هذه المعارضة تعرف أن أحداً لن يصدقها إن قالت، وتعرف أنها ستنتهي إن فعلت، ولأنها كذلك فهي منتج انتهت صلاحية استخدامه، ويجب أن تتحول عبرة لمن يعتبر، ومثلاً لمن يفكر ببيع وطنه للأجنبي، ومسخرة للأجيال القادمة عن حكاية شخصيات وقوى فقدت عقلها ولا تعرف أو لا تعترف.
– بالمناسبة لم ترد في بيان المعارضة أي إشارة لجملة، أولوية الحرب على الإرهاب، التي شكلت، وفقاً لبيان فيينا، شرط مشاركة مَن يدعون تمثيل المعارضة في أي عملية سياسية.