التدخل التركي والردّ المطلوب
د. نسيب أبو ضرغم
ليست تركيا في الاستراتيجية الأميركية مجرد معطىً تفصيلي يُقاس كسواه من مواقع الانتشار العسكري الأميركي في العالم.
تركيا تشكل أحد أسس هذه الاستراتيجية التي بانهيارها تتصدع الاستراتيجية الأميركية من جنوبي روسيا ووسط آسيا حتى الخليج. لقد نجح العقل الاستراتيجي الأميركي بتوظيف الجيو – ستراتيجيا التركية منذ منتصف القرن الماضي بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل قبل ذلك، وعبر الحلفاء، عندما رشوا أتاتورك باقتطاع كيليكيا والاسكندرون وضمّها إلى تركيا مقابل امتناعه عن التحالف مع الألمان، وكان ذلك العام 1930. تركيا حاضرة وفاعلة في استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية، منذ حرب كوريا العام 1950 حيث كانت للفرقة التركية الفضل في وقف زحف الكوريين الشماليين عند الحدود التي تكرّست بين الكوريتين.
ومنذ ذلك الحين، وتركيا جزء أساس من الحلف الأطلسي، وهي أول دولة إسلامية تعترف بـ»إسرائيل»، ولها من العلاقات العسكرية والاقتصادية مع «إسرائيل» ما يفوق علاقات الكثير من الدول الأوروبية.
تركيا الخنجر المسلول دائماً والمسموم دوماً. هي وظيفة بيد المعلم الأكبر التحالف الصهيو أميركي. وظيفتها متعددة الأشكال: يقول الرئيس أيزنهاور: «ما من بقعة في الأرض أكثر أهمية من الشرق الأوسط، إذ إن أهمية تركيا تنبع من كونها موقعاً جغرافياً استراتيجياً يحقق للسياسة الأميركية هدفها المزدوج.
مواجهة الاتحاد السوفياتي.
إقامة حصن أمام انتشاره وكذلك قيام قاعدة ارتكازية قوية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، أعني كنوز العالم».
وفي هذا الصدد يذكر تقرير صادر عن الكونغرس الأميركي:
بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي تركيا ومع وجود مضيقَي البوسفور والدردنيل فيها، حيث يتم الإشراف على العبور من البحر الأسود وإليه تشغل تركيا موقعاً فريداً في حركة المرور للسفن الحربية المعادية في طريقها إلى المتوسط أثناء الحرب.
وبفضل موقعها الجغرافي الهام فإنها تسيطر على معظم الطرق الحيوية والبرية المباشرة بين الاتحاد السوفياتي، الشرق الأوسط وأفريقيا. وأخيراً هناك التسهيلات المختلفة التي تضعها تركيا في خدمة الولايات المتحدة وحلف شمالي الأطلسي من أجل دعم المهمات الأطلسية.
لقد بات واضحاً من خلال النصين الواردين أعلاه، الدور المحوري لتركيا في الاستراتيجية الأميركية المتعلقة بالاتحاد السوفياتي سابقاً وبآسيا وأفريقيا، هذا الدور الذي راحت تركيا تلعبه أبان الأزمة السورية، ولقد قامت بالفعل في دورها المحوري في هذه الحرب، فعبرها يتم نقل الإرهابيين والسلاح والنفط، وهي السند العسكري الفعلي للإرهابيين عندما يتراجعون أمام الجيش العربي السوري، تتدخل مباشرةً وعسكرياً، تماماً كما فعلت في إدلب وجسر الشغور.
تركيا الشريك القديم في مشروع المؤامرة على سوريا الطبيعية، فهي دائماً شريكة لأعداء سوريا، وهذا الموقع الطبيعي هو المكان الطبيعي لها وجوداً ودوراً. من هنا نفهم التفاهم القائم بين ربيب الموساد مسعود البرزاني وبين الدولة التركية، التي لا ترى خطراً من قيام كيان كردي مستقل في شمال العراق على وحدتها السياسية والاجتماعية، فيما ترى ذلك في أماكن أخرى. لماذا هذا التفاهم، لأن البرزاني وأردوغان، كلاهما بيدقان بيد واشنطن، وهما ما كانا إلا لتحقيق المشاريع المعادية لأمتنا. ولتوضيح ذلك نقف على مشروع أعاده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة العام 1996، تحت عنوان «كسر نظيف: استراتيجية جديدة لتأمين مملكة «إسرائيل»» وضع على يد مجموعة خبراء من المحافظين الجدد جمعهم ريشارد بيل يتضمّن مشروعاً استعمارياً واسعاً للشرق الأوسط، وسلّم المشروع إلى نتنياهو. وهو مستقىً من أفكار فلاديمير جابوتنسكي:
إن بنود المشروع هي التالية:
1 – إلغاء اتفاقات أوسلو.
2 – القضاء على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
3 – ضم الأراضي الفلسطينية.
4 – الإطاحة بالرئيس صدام حسين.
5 – زعزعة الاستقرار في سوريا ولبنان عبر سلسلة من الأحداث.
6 – تفكيك العراق.
7 – إقامة دولة فلسطينية في العراق.
8 – استخدام «إسرائيل» كقاعدة تكميلية لبرنامج حرب النجوم الأميركي.
لنلاحظ الدور الذي لعبه التركي في زعزعة الاستقرار في سوريا ولبنان، إضافة إلى تفكيك العراق، وهو الذي يعقد الاتفاقات الاقتصادية وغيرها مع البرزاني، معتبراً إياه رئيس دولة وفي ظل علم كردستان، هذا الموقف يندرج وظيفياً في المشروع الذي أشرنا إليه أعلاه، والذي لا يملك التركي إلا الاستقرار فيه.
من هنا نقارب عملية دخوله إلى شمال العراق في نينوى، الدخول الذي يندرج في عملية تفكيك العراق وفرض أمر واقع هناك قد يؤدي فعلاً إلى إقامة دولة فلسطينية على أرض العراق. المهم، أن تركيا، قامت وظيفياً بما هي ملزمة به تاريخياً عبر الحلف الأطلسي، ولسوف تستعمر ليس باحتلالها جزءًا من شمال العراق، بل سيتوسّع جنوباً وربما غرباً من أجل فرض واقع جيو – سياسي يتلاءم مع مطامعها التاريخية ويخدم معلمها الأكبر التحالف الصهيو – أميركي.
إزاء ذلك، ما يجب أن يكون عليه الرد؟
لا يكفي تحرك الحكومة العراقية باتجاه مجلس الأمن، فهذا يعطي الاحتلال التركي وقتاً إضافياً من دون أن يمكن الحكومة العراقية من امتلاك شروط المواجهة.
إذا كان لا بد من القيام بمثل هذه الإجراءات أمام المجتمع الدولي لكشف مخاطر العقل التركي، فإن هذا يبقى في إطار المقدمات التي ينبغي أن تسبق القرار الاستراتيجي المنتظر، لقد أطاحوا بالرئيس صدام حسين ليفككوا العراق إلى مكوّنات سنية وشيعية وكردية، تماماً كما هو وارد في بنود المشروع الذي أشرنا إليه، وسيكملون ذلك بالتحريض لدفع مسعود البرزاني لإعلان استقلاله، وفرض دولة فلسطينية في العراق.
ولم يفعلوا ذلك ليقفوا عند الحالة القائمة، لذلك آن الأوان ليكون الرد عليهم استراتيجياً، وذلك بقيام حلف الحياة الرباعي: موسكو طهران بغداد – دمشق.
لم يعد يجدي الرد المنفرد على الهجوم الشامل، إن تركيا جاهزة لتعيق التقدم الروسي، ولم يكن إسقاط الطائرات بواسطتها سوى دليل على ذلك، وبالتالي فهي ستقوم بما هو أخطر من ذلك.
إنه زمن التحولات الشاملة، فإلامَ نبقى قابعين في الماضي، ماذا ينتظر العبادي ليدعو إلى حلف رباعي شامل، لأن حرب المئة عام قد بدأت، ولا يظنّن أحد أنها ستتوقف قبل أن يسحق التنين اليهودي أو يتم سحق هذا التنين. لم تعد الحسابات حسابات ضيقة، إنها الحسابات الكونية.
لنسمع ما يقوله جيمس وولزي مدير وكالات الاستخبارات الأميركية وأليوت كوهين أحد دعاة الحرب من «المحافظين الجدد»:
«إن الإسلام هو العدو العالمي الجديد، الذي يجب أن تتم هزيمته من خلال ما يسمّونه «الحرب العالمية الرابعة» التي بدأت… وقد توافقوا … على «أن يتم القضاء على جميع الدول الراعية للإرهاب»… فإن الولايات المتحدة ستكون بحرب أبدية ويصف جيمس وولزي وأليوت كوهين هذه الحرب «بحرب المئة عام».
في هذا السياق: يرد ليندون لاروش، المرشح الرئاسي الأميركي على هؤلاء المجرمين.
«…إن نيتهم ليست فتح أراضٍ جديدة، بل تحقيق إزالة كل بقايا السيادة القومية وتقليص عدد سكان العالم إلى أقل من مليار… فهدفهم في أفغانستان والعراق… هو ليس السيطرة على هذين البلدين، بل إزالة أمم قومية عن طريق إطلاق قوى الفوضى والدمار…».
أليس داعش وأخواته جزءًا من قوى الفوضى والدمار؟ ألسنا أمام مشروع مجرم سيمسحنا من الوجود… وماذا ننتظر… ليس أمامنا إلا الموت أو الوحدة وقيام حلف عسكري رباعي أولاً في مواجهة زحف الموت الصهيوني المقبل.