حاصبيا… مدينة الزيتون والعيش الواحد ومهد المقاومة: هل تلتفت إليها الحكومة وتعيد إحياء مشروع استخراج «الحُمَّر»؟
سعيد معلاوي
حاصبيا، مدينة لبنانية تشتهر بأشجار الزيتون وبإنتاج أهلها لزيت الزيتون، وهي أيضاً اشتهرت بوحدة أهلها وبصمودها ومقاومتها الاحتلال الصهيوني، ويرسخ في الذاكرة الجمعية، أنه من منطقة سوق الخان المشهورة في حاصبيا، أطلق القوميون الاجتماعيون صواريخ «كاتيوشا» على مستوطنات الجليل في فلسطين المحتلة 21 تموز 1982 مسقطين بذلك شعار «سلامة الجليل» الذي أطلقه العدو الصهيوني عنواناً لتنفيذ اجتياحه للبنان، وقد شكل هذا التاريخ الانطلاقة الفعلية لجبهة المقاومة الوطنية.
وكما هو معروف، إنّ في مدينة حاصبيا، خلوات البياضة المرجعية الدينية العليا لطائفة الموحِّدين الدروز في العالم، وجامعاً متربّعاً عند أطراف القلعة الشهابية التاريخية، وعدداً من الكنائس للروم الأرثوذكس وللموارنة والكاثوليك والسريان، وفيها أيضاً نهر الحاصباني الذي تعمّد في مياهه السيد المسيح عند التقائه بنهر الأردن.
لكنّ قلائل الذي يعرفون أنّ حاصبيا غنية بالحمر ومناجمها، وتعتبر الأفضل في المنطقة العربية لجودتها، فالحمر مادة إسفلتية طبيعية على مستوى عالٍ من النقاوة عكس إسفلت البترول المحضَّر من تقطير المستخرج من البقايا المستعملة في تعبيد الطرقات، ويسمّى في العلم الصناعي «بيتيمين» وقيمته التجارية واستعمالاته معروفة في الدول الصناعية ومنها التسقيف والدهان ومواد الصباغة والقواطع الكهربائية والبطاريات وغيرها. وأما التعريف عن الحمر فهو بترول متجمِّد تحت الأرض على عمق يتراوح بين 60 و2000 متر ويتواجد في باطن الأرض على شكل طبقات وعروق تتجه من الشرق إلى الغرب بسماكة ما بين 50 و220 سنتيمتراً، ويتمّ الوصول إليه عبر سراديب وفتحات للمناجم تصل الى عمق مئة متر، ويقول المتقدّمون في العمر إنه حصل خطأ ما في أحد منجمي حاصبيا مع بداية الستينات مما أدّى إلى وفاة ثلاثة عمال، وهم كنج أبو عاصي وجميل وزير وإيليا التن، وتشير تقارير لخبراء أجانب أشرفوا على عمليات التنقيب في حوض الحاصباني، إلى أنه من أفضل الأنواع المعروفة في العالم، وأول مستثمر حصل على ترخيص بعد إعلان الانتداب الفرنسي عام 1920 كان رجل الأعمال السوري خليل العبسي، وفي العام 1922 حاز على هذا الترخيص لمدة خمسين سنة قابلة للتجديد، كما تقدّم المحامي نسيب غبريل بطلب ترخيص لمنجم آخر قريب من الأول بموجب مرسوم رقمه 13159 تحت اسم «الشركة اللبنانية لاستثمار الحمر ومشتقاته» لمدة 25 سنة قابلة للتجديد أيضاً، وعلى مساحة 6 كلم2.
ويقول نجله فارس غبريل: «كنا نستخرج الحمر بالطرق البدائية في الثلاثينات لنتعاقد بعدها مع «شركة الإسفلت والبترول الفرنسية» سنة 1936 و«الشركة اللبنانية الهولندية لاستثمار المعادن» سنة 1945 وبدأنا باستعمال الكهرباء داخل المنجم وقطار تحت الأرض لنقل المادة إلى الخارج فرفعنا كمية الإنتاج من 500 طن إلى 2000 طن سنوياً، وكانت فترة العمل سبعة أشهر في السنة وكنا نوقف العمل في الشتاء ونصدِّر الحمر إلى كلّ من سويسرا وألمانيا وبريطانيا من خلال شركة سويسرية تعرف باسم «مينا ديير». وأكد مهندس فرنسي جال في المنطقة سنة 1972 أنّ كمية الحمر في منطقة الحاصباني تزيد عن ثمانية ملايين طن وعلى عمق لا يتجاوز المئة متر، فيما قال خبير فرنسي آخر إنّ هذه المنطقة تحتوي على صخور آزوتية بكمية تزيد عن 80 مليون طن».
وأضاف غبريل: «في العام 1975 تقدّمنا بطلب من الجهات المختصّة لتجديد الرخصة بعد أن سدّدنا الرسوم المتوجبة كافة ولم نحصل على جواب خطي أو شفهي حتى اليوم وخلال فترة الاحتلال «الإسرائيلي» للمنطقة أقفلنا أبواب المنجم، ما أدّى إلى تضرُّر جميع المعدات التي كنا نستعملها في داخله.
وختم: إذا سُمح لنا بإعادة إحياء هذا المشروع، فإنّ التقديرات تشير إلى وجود 200 ألف طن من الحمر و100 ألف طن من السماد الكيماوي سنوياً، ما يوفر العمل لمئات العمال والمستخدمين من أبناء المنطقة، كما يوفر مردوداً كبيراً لخزينة الدولة. فهل من يسمع؟