بعد إعلان «الخلافة»… فلتنقل الكعبة
سعد الله الخليل
بعد سنوات من الجهاد ورفع رايات الإسلام خفّاقة، أطل «خليفة المسلمين» أبو بكر البغدادي كأوّل خليفة مسلم في نسخة «الخلافة المعدلة» للألفية الجديدة. خلافة استبدلت السيوف بالرشاشات الثقيلة، والمنجنيق براجمات الصواريخ وصواريخ السكود المسروقة من الجيش العراقي ربما أو المقدمة من ولاية الأناضول كأول هدية لخليفة الأمة الجديد، فولاء الطاعة واجب شرعي. هكذا تربت الأسرة العثمانية وربما تزامن إعلان الخلافة مع ترشيح وريث عثمان بن أرطغرل لمنصب الرئاسة تطلب تقديم الولاء على أمل الوصول إلى كرسي ولاية الأناضول.
أعلنت الخلافة فهل من مبايع؟ خلافة على الورق و»يوتيوب» وآلاف الزعران على الأراضي السورية والعراقية يعيثون قتلاً على الأرض وبعض المنظرين المعروفين بتوجاتهم وولائهم للملكة السعودية وما لفّ لفيفها. هي حالة تشبه حكومة ائتلاف المعارضة السعورية. رئيس حكومة يقيل ويعين ويتراجع عن إقالته وزراء بلا مؤسسات، في عالم افتراضي على الأراضي التركية، وهم لا يملكون سلطة حتى على المخيمات التركية. فحال البغدادي كحال طعمة، كلاهما يمارس السلطة في الخيال، وإن يكن حال البغدادي على الأرض أفضل من حال طعمة كونه يملك شيئاً من السلطة على محاربيه، إلا أنّ كليهما في واقع الحال سواء ملكان بلا عرش!
لماذا أعلن البغدادي خلافته من الشام والعراق؟ أليست جزيرة العرب مهد الإسلام ومنها انطلقت خلافة المسلمين التي يسعى إلى استعادة أمجادها؟ هل تخلّت مملكة آل سعود عن دورها كحاضنة المسلمين ولطالما منحها دوراً سياسياً ودينياً أكبر بألوف المرات من حجمها الحقيقي وحجم نفطها وقدراتها البشرية عدا ما توفره لها عائدات الحج والعمرة التي بلغت 62 مليار ريال أي 16.5 مليار دولار عام 2013 دفعها 12 مليون حاج ومعتمر.
هل بات حليف الأمس عدو اليوم عبر خروج «داعش» على السيطرة فباتت المملكة عدوّاً مؤجلاً للبغدادي ينفّذ استراتيجيته الخاصة ويسعى إلى مصلحته ويؤجل مواجهة الدول التي دعمته ومولته في مغامرته في سورية، ليأتي إعلان المملكة التنظيم ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية المحظورة «داخل السعودية».
هل أعادت التطوّرات السريعة في العراق مأزق «الأفغان العرب» إلى الواجهة ، فالمجاهدون أو الثوار أو المعارضة سابقاً والإرهابيون اليوم على حدود المملكة يفصلهم أقل من ستين كيلومتراً، وليس مثلما كانوا قبل ثلاثة عقود في تورا بورا أفغانستان.
أم تستثمر السعودية «داعش» في حربها المعلنة ضد سورية والعراق ووصلت في التجيش والتسعير إلى الحد الأعلى باللعب على وتر الخلافة، فما عادت صيحات الله أكبر تثير مشاعر المناصرين بعد ألوف الأرواح المزهوقة على وقعها ومئات المدن المدمرة ومشاهد القتل والتخريب ومجون الذبح والاغتصاب… وذلك كله مع صيحات التكبير، ما استدعى «إعلان الخلافة»!
في خطاب «إعلان الخلافة»!ّ أعلن البغدادي أنها جمعت الأعجمي والعربي والأبيض والأسود والشرقي والغربي والقوقازي والهندي والصيني والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي والأميركي والفرنسي والألماني والأسترالي في خندق واحد. ربما في حديثة الشيء الكثير من الصحة، فتنظيم قائم على جلب سائر مرتزقة الأرض لا بد من أن يجتمعوا على الأهداف نفسها وشعارات القتل عينها.
دعا البغدادي طلبة العلم والعلماء والفقهاء والقضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية والأطباء والمهندسين بالنفير كواجب عليهم وجوب عين بالهجرة إلى بلاد المسلمين، فهل نسي البغداد ومشغل البغدادي أن سورية والعراق مدّتا العالم بآلاف الخبراء في كل اختصاص، فيما بلاد الحجاز لا تزال تعمتمد على الخبرات الأجنبية ولولاها لما قامت لدولة آل سعود قائمة.
دعا البغدادي المسلمين إلى التوافد إلى العراق وسورية واعتبر الهجرة إلى دار الإسلام واجبة، فمن يهاجر في سبيل الله يجد سعة كبيرة في أرض الله، ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً .هي إذن دار الإسلام باتت عراق والشام، فماذا بقي في الحجاز. نسي البغدادي أن لا «خلافة إسلامية» لا تضم مكة والمدينة والمسجد الأقصى، فلماذا استثناهما من حدود «خلافته»؟ هل سيعلن قريباً عن غزوة ضمهما إلى «خلافته» أم ستكون لديه حلول أخرى ربما؟!
قبل أشهر أطلق أحد أفراد التنظيم على موقع تويتر واسمه «دولة الإسلام باقية»، قبل أن يغيره إلى «تتمدد»، ويقصد بها «داعش»، تغريدة تقول إن دولتهم باقية حتى يأتي عيسى ابن مريم ويصلي به البغدادي إماماً بإذن الله، وهذا الأمر أصبح شائعاً ويزرع لدى أفراد التنظيم المقاتلين الجدد في سورية. اليوم وبعدما أعلن البغدادي «خلافته» أقول للبغدادي: «أنقل الكعبة إلى خلافتك وسأكون أول حجاج بيت الله الحرام».