إدارة أوباما وحصان طروادة «الداعشيّ»
د. حسن أحمد حسن
هل أخفقت إدارة أوباما فعلاً في تحقيق الأهداف الرئيسة التي تضمّنتها الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط؟ أم أن ما جرى ويجري ينسجم والمشاريع التي رُوِّجت تحت عناوين شتى مثل «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الجديد» بنسخه المكرسة، لتفتيت الجغرافيا السياسية القائمة للدول وإعادة تركيبها وفق انتماءات مذهبية وعرقية وطائفية ؟ وكيف يمكن فهم الانتشار «الداعشي» في العراق بسرعات فلكية ما لم يكن الأمر منسقاً مع العديد من أجهزة الاستخبارات للعديد من الدول الفاعلة والمؤثرة في تطور الحوادث وتداعياتها في هذه المنطقة الجيواستراتيجية من العالم؟ وهل يعقل أن تلك الدول تستطيع اتخاذ قرار بخلط الأوراق في كامل المنطقة من دون موافقة واشنطن أو معرفتها على أقل تقدير؟ وما سرّ التخبط الأميركيّ والارتباك الذي يعكسه التناقض الفظ في تصريحات المسؤولين؟ وقبل هذا وذاك وبعدهما هل إعلان أوباما عن الوهم و«الفنتازيا» التي عاشتها إدارته في السنوات السابقة يعكس وعياً متأخراً بحقيقة ما يجري، أم هو تعبير عن الحنق والغضب كمقدمة للبدء بسيناريوات جديدة لتجاوز العجز القائم؟ وهل يذكرنا طلب موافقة الكونغرس على تخصيص نصف مليار دولار لدعم تلك العصابات بما سبق لأوباما أن طلبه للسماح له بالعدوان العسكري على سورية في آب الفائت، وتبين لاحقاً أن الغاية من ذلك رفع السقوف وكسب الوقت لدفع الآخرين إلى تقديم السلم للنزول عن الشجرة العالية؟ ثم هل يعقل أن تستمر واشنطن في السماح بتدفق السلاح وهي على يقين من أن أي سلاح يدخل سينتهي إلى يد «داعش» وشقيقاتها من التنظيمات المسلحة والمصنفة وفق القانون الأميركي ضمن العصابات الإرهابية التي يجب محاربتها والقضاء عليها؟ وأين تكمن القطبة المخفيّة في هذه اللوحة المتداخلة والتي لا يمكن فهم ما يحصل إلاّ بفك عراها وربط المقدمات بالنتائج والأسباب بالمسببات؟
الإجابة المقنعة عن هذه التساؤلات وكثير غيرها مرهون بتحديد المستفيد والخاسر تكتيكياً واستراتيجياً من الأعاصير التي عصفت بدول المنطقة، ولا أظن أنّ الأمر يحتاج إلى طول تفكير لاستكشاف أن ما حدث ويحدث هو ضد مصالح دول المنطقة وشعوبها بالمطلق، وينسجم واستراتيجيات الهيمنة الأميركية التي تم تبنيها منذ ثمانينات القرن الفائت، كما يخدم مصالح الكيان الصهيوني في المقام الأول، فالقتل والتدمير وتقويض عوامل القوة لجميع دول المنطقة يبقي حكام «تل أبيب» في موقع الصدارة، والعربي الوحيد الجيد في عرف المنظرين الصهاينة هو العربي الميت، وما يحدث يقدم خدمات جليلة للنازيين والظلاميين الجدد الذين يتبادلون الأنخاب وهم يرون انتشار الموت والدمار والقتل والخراب من دون أن يخسروا رصاصة واحدة ولا قطرة دم من جندي أو مستوطن. ومن المسلم به أن «داعش» لم يهبط من السماء، كما أن الأرض لم تنفلق وتخرجه من باطنها، وما كان في إمكان داعش أو غيره من الإرهابيين المسلحين أن يدحرجوا الأمور إلى حيث هي الآن لولا تورّط العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، وبمباركة مباشرة من واشنطن التي لا يعنيها التخلي عن أيّ أداة بعد انتهاء دورها الوظيفي. والأمر ذاته ينسحب على «داعش» و«النصرة» وكراسي العروش المرتجة في ممالك النفط والغاز ومشيخاتهما ممن لا يملكون من أمرهم شروى نقير، ولم يعد في إمكان أصحاب الأدوار الوظيفية إلاّ الانصياع لتعليمات السيد الأميركي، وبخاصة بعدما استطال الإرهاب «الداعشي» وأعلن إقامة دولة الخلافة التي تمتد لتشمل جميع أصقاع الدنيا، وهذا يفسر ارتفاع الأصوات الأوروبية وغير الأوروبية المتخوّفة من عودة بعض مواطنيها الذين غضت الطرف عنهم عندما توجهوا لسفك الدم السوري، حتى أن أوباما نفسه أعرب عن مخاوفه من عودة هؤلاء بعدما امتهنوا القتل والتقتيل والتمثيل بالجثث وارتكاب أفظع الجرائم، وهذا ما كانت تنكره واشنطن وزبانيتها على امتداد ثلاثة أعوام. والجدير ذكره هنا أن إعلان التخوف من عودة أولئك اعتراف صريح بالكذب والنفاق والتضليل الذي كانت جميع أطراف التآمر والعدوان تمارسه عن سابق قصد وتصميم.
استناداً إلى ما تقدم، وانطلاقاً من الواقع الذي تعيشه المنطقة وتطور الحوادث وتداعياتها، يمكن القول: إن «القاعدة» برمتها هي صناعة الاستخبارات الأميركية، و«داعش» ما هو إلا حصان طروادة الجديد الذي تريد واشنطن أن تعود على ظهره إلى الفاعلية التي افتقدتها من جراء تعثر مشروعها التفتيتي وتحطم روافعه على البوابات السورية. والتهويل من قدرة «داعش» على ارتكاب المجازر قد يكون أحد أهدافه تسهيل المهمات المقبلة المطلوب منه تنفيذها، ليبقى فزّاعة تخلق البيئة المطلوبة لعودة الأميركيّ من النافذة بعدما أرغم على الخروج من الباب، وهنا يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط المهمة، ومنها:
قد يكون التمدّد الصاعقي لـ«داعش» في العراق مقدمة مطلوبة أميركياً لإرغام العراق على قبول ما رفضه في الاتفاقية الأمنية، وبخاصة ما يتعلق بالإبقاء على قواعد دائمة في العراق بذريعة محاربة الإرهاب.
لا يستبعد أن يدخل الكيان الصهيوني على الخط ويحاول ركوب الموجة، وهذا ما أشارت إليه تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين» وإعلان استعدادهم لدعم الأردن في مواجهة خطر الوحش الذي أشرفوا على تكبيره بشكل مباشر.
يمكن استغلال تمدد «داعش» وزج الكيان الصهيوني في المسألة لضمان الانتقال الميسر بالعلاقات الصهيونية مع دول الخليج من السر إلى العلن، والتذرع بأن الكيان الإرهابي يساعد شعوب المنطقة في مواجهة الإرهاب.
لا يجوز استبعاد إقدام واشنطن وأتباعها على تصعيد المواقف ودعم «داعش» على نحو سري بكل ما يمكنه من ارتكاب مجازر وحماقات تأخذ الصبغة الطائفية، وتوسيع دائرة اللهب لإشعال المنطقة برمتها بحروب طائفية كفيلة بتحقيق أهداف الكيان الصهيوني ومن يدعمه وينتظر تفتيت المنطقة ليقيم أمجاده على جثث الشعوب والأوطان.