مفكّر نهضويّ سبّاق إلى مفردات الدولة المدنيّة الحديثة مثل الأمّة والقوميّة والمواطنة
دمشق ـ سلوى صالح
يهدف الدكتور سهيل عروسي في كتابه «عبد الرحمن الكواكبي … الجمر والرماد» إلى التأكيد على أن مجتمعنا العربي ليس مثلما يصوره بعض المستشرقين بكونه مجتمعاً يركن الى الماضي، في حين ينشغل الغرب بالمستقبل، والتأكيد كذلك على أن الحالة القومية للأمة العربية ليست وافدة من الغرب إنما هي حالة متأصلة في عمق الوجدان العربي.
وعلى رغم مضي أكثر من مئة عام على رحيل عبد الرحمن الكواكبي فإن رؤيته وأفكاره لا تزال تتمتع بكثير من الراهنية في إطارها العام، فهو أحد من الأحرار الذين لا يخضعون لتراتبية الزمن بل يصنعون الزمن والتاريخ، ما جعل مواقفه متقدمة في اتجاه وعي متطور حول مفاهيم الدولة المدنية الحديثة.
يصنف الكاتب الكواكبي بأنه مفكر عربي النزعة ضمن إطار إسلامي منهجي وبأنه داعية للسلم يرى في الحروب خطراً شاملاً على البشرية، بأنه مناضل كبير في سبيل الحرية والديمقراطية وضد مظاهر العبودية. كما أن القضايا الاجتماعية والتربوية تحتل مكانة بارزة في فكره مثل قضية المرأة والتعليم والأخلاق ومستوى المعيشة.
يعرض عروسي في مقدمة الكتاب الصادر لدى اتحاد الكتاب العرب لأفكار الكواكبي ورؤاه إذ يعتبر أن سلطة المال لا تجتمع مع الديمقراطية وأن القوة الاقتصادية هي أساس حرية الوطن ومنعته وسلامته، وأن العمل الحقيقي هو ما يلبي مصلحة الفرد والجماعة. أما في التربية فيشير إلى وجود مدرستين تعتمد إحداهما على القمع والإكراه وتعتمد الثانية مبدأ الحرية والديمقراطية.
يتساءل الكاتب لماذا يغيب الكواكبي عن حياة الشباب العربي وهو الشخصية العربية الإسلامية الشبابية التي تشمل عناصر الترميز والنمذجة كافة، كما ينتقد التجاهل الرسمي العربي لهذا الرمز الفكري والسياسي والاجتماعي مستعرضاً أهم المواضيع التي تجعله يحتل هذه المكانة المرموقة، وأولها موضوع الاستبداد المرفوض دينياً وعقلياً والذي تجب إزالته، وأن كل حكومة لا تخضع للمراقبة سوف تتحول إلى مستبدة.
يفرق الكواكبي بين العقيدة الدينية المستندة الى القرآن والاجتهادات التي تشكل مجمل التراث، مؤكداً أن الإسلام بني على العقل، مع ضرورة الابتعاد عن النقل الأعمى. كما تحتل القضايا الاجتماعية والتربوية مكانة بارزة في فكر الكواكبي الذي يدعو الى ربط العلم بالعمل ويدعو الى حكومة دستورية محددة السلطات تحترم حرية الفرد.
يتألف الكتاب من سبعة فصول تتحدث عن نشأة الكواكبي والظروف التاريخية والسياسية التي عاش فيها والآثار الفكرية المطبوعة له، وما أثارته من جدل كذلك بذور العلمانية في فكر الكواكبي ومرتكزات الفكر القومي والفكر السياسي والديني لديه إضافة إلى بعض مظاهر الضعف والقصور في فكره.
اختتم عروسي كتابه 235 صفحة قطعاً كبيراً بالقول إن الكواكبي رجل مقاوم سعى بقلمه وسلوكه الى مقاومة الظلم، وإن الحرية مكون أساسي من مكونات الشخصية العربية، وإنّ الكواكبي في فكره العلماني كان يقف على تخوم العلمانية لا في مركزها. كما أن استخدامه مفردات سياسية متقدمة في مجال الدولة المدنية الحديثة مثل كلمات الأمة والشعب والوطن والقومية والمواطنة يجعله أحد أبرز رواد بناء الدولة العربية.