حرب المصطلحات ومؤتمر الرياض…

سناء أسعد

تثير الاشمئزاز تلك المؤتمرات التي ما انعقدت يوماً وما كانت لتُعقد الآن إلا لتكون امتداداً وإطالة لعمر تلك الحرب الكونية… التي أرادوا لنا بها الهلاك والدمار للتخلّي عن مبادئنا وقيمنا وممانعتنا ومقاومتنا…

لقد ضاقت بنا ذرعاً وألماً… تلك العبارات الواهمة التي دخلت أنفاق الظلمة لإيجاد الحلول التي يمكن معها مكافحة الإرهاب… وإذا بها تخرج إلى حيّز الإعجاز المستحيل تفسيره…

خمس سنوات والمصطلحات تتناحر وتتصارع وتتذابح وتتقاطع أوصالها على مفترقات وفوارق العقول والأدبيات والأخلاقيات… حتى كادت الأبجدبة تنهار مما تعرّضت له من غزوات لتحريف وتشويه مصطلحاتها، وكأنّ تسمية الأمور بغير مسمّياتها ابتكار واختراع يفوق اختراع الذرة بأهميته، أو أنه إعجاز بحدّ ذاته…

فالدول جميعها، كما يدّعون، متفقة وعن سابق قصد وإصرار وتصميم للتعاون من أجل مكافحة الإرهاب، ولكنها مختلفة على أمر بسيط جداً!! هو تسمية الإرهاب وتصنيفه… فقد ضاع حكام الدول المسيّسة، وحكام الدول المتقمّصة للسيادة ولمبادئ الديمقراطية، ضاعوا والتقوا في كلّ شيء إلا في تسمية الإرهاب ووصفه…

وكأنّ الإرهاب ماهية يُعجَز عن تفسيرها وتعليل وجودها، وكأنّ الإرهاب مخلوق فضائي ولم يُنسَب له بعدُ أيّ تصرف على الأرض لتتمّ بموجبه تسميته وعنونته!

في الحقيقة… لا أرى إلا مشهداً قبلياً عنترياً جاهلاً جاحداً متخلفاً، لا أرى إلا مشهداً للاقتتال البربري الهمجي، فكلٌّ يريد أن يحمي جماعته ويُخرجها من حيّز التصنيف الإرهابي ليحجز لها مقعداً على طاولة الحوار في ما يخصّ سيادة سورية…

وما مؤتمر ما سُمّي «المعارضة» في الرياض بعدم شرعيته إلا جزء من الكلّ في المشهدية الكوميدية والتراجيدية في الوقت نفسه.

فما بعد القبلية والهمجية في ذلك المؤتمر لا يُعدّ إلا إعلاناً رسمياً من السعودية على استمرارية حربها العرجاء العوجاء ضدّ سورية… وذلك باجتماعها العلني وداخل أرضها مع مَن اعتبرتهم واعترفت بهم أنهم يمثلون جزءاً من السيادة السورية… التي حاولوا جاهدين التمثيل بها وتقطيع أوصالها، بائعو الوطن وبيّاعو الوطنية… «قبّيضة» الدولارات، قاطعو الرؤوس… الذين لا تاريخ ولا هوية تمثلهم… فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟

وذلك المؤتمر ما هو إلا سلسلة من الانقياد والعبودية والاستعباد…

فهم انقادوا إلى ذلك المؤتمر لا لمناقشة شيء، وإنما تنفيذاً لأوامر السعودية، للجعجعة الإعلامية لا أكثر… ولتبرز السعودية نفسها كداعية للسلام في المنطقة… دون أن يتداخل هذا الادّعاء الكاذب في ما يخصّ أمر التسليح والتمويل والدعم لما تسمّيه «المعارضة المعتدلة» في سورية… فكلّ له شأنه لدى السعودية… فهي تريد وترغب من جهة وتطمع وتطمح من جهة أخرى…

يريدون منا أن نصدّق أنّ السعودية قرّرت أن تحجّ وتصبح داعية للسلام بذلك المؤتمر المبطَّن بالخبث والغدر… الذي لم يصبح التباساً على أحد ملامسته في سياسة الدول الداعية للاقتتال على محاور الإنسانية والسيادة كافة؟ السعودية تريد التفاوض من أجل حلّ سياسي سلمي للدولة السورية، ولكن ذلك مرتبط برحيل الأسد… فالسلام كما ارتأت المملكة الوهابية يكون فقط برحيل الأسد لا بوقف تسليحهم وتمويلهم للإرهابيين… فقط رحيل الأسد هو الرؤيا والنظرية والمعادلة التي يمكن طرحها للتفاوض… وإلا سوف تبقى تلك الحرب مستمرّة وقائمة حتى يرحل الأسد بالقوة العسكرية… كما يتوهّم صبية «إسرائيل»!

لنجد أننا أمام حرب مصطلحات… وأمام دعاة سلام لا يجيدون إلا استخدام المصطلحات الواهمة المجرّدة من معناها الحقيقي، ومن مسؤولية طرحها، ومن أهمية دورها وفعاليتها في حقيقة ما يدعون، سواء من حيث إرادة السلام الكاذبة، أو من حيث مكافحة الإرهاب التي يستحيل لأيّ شخص أن يسلّم بجدّيتها كقرار حقيقي من صنّاع الإرهاب ذاته!

الأفضل لهم أن يدفنوا تلك المصطلحات في عقولهم المبرمجة لخدمة كلّ شيء إلا لخدمة السلام… يمكن أن يستفيدوا منها يوماً لمواجهة ما سيجري داخل أراضيهم وحدودهم، كنتيجة حتمية لتجاهلهم حقيقة ما صنعوه وكذب ما يدّعون…

وليتوقفوا عن عقد مؤتمرات الذلّ والعار والمسخرة والمهزلة… فنحن لا ننتظر السلام ولن نتوقعه من صبية «إسرائيل»، ولا نريد التعاون مع صنّاع الإرهاب لمكافحته، نحن السوريين شعب أبي، وجيش باسل، وقائد حكيم، سوف ننتصر على الإرهاب بأشكاله كافة، بصمودنا وتضحياتنا، بشرعيتنا التي نستمدّها من أحقية الدفاع عن أرضنا وحدودنا وقضيتنا، فهذا الكلّ السوري الحقيقي المتكامل لا ينتظر شرعية من أحد.

فلن تكون هناك شرعية أقوى من شرعية ما ندافع عنه ونضحّي لأجله بكلّ ما نملك، لتحقيق الانتصار الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى… ليس على الإرهاب فقط بل على المشروع الصهيو ـ أميركي بأكمله…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى