كيف ردّت روسيا على الحرب الإعلامية الأميركية؟
علي عوباني
لم يُخلِ الروس ميدان الحرب الإعلامية للأميركيين، والتي التهبت مع بداية التدخل الروسي في سورية، بل قابلوها بالردّ المناسب لإبطال مفعولها، ودحض ادّعاءاتها، فكانت قنواتهم التلفزيونية ووكالاتهم وصحفهم بالمرصاد وجاهزة للردّ فورًا على كلّ ما يتمّ نشره، ومارست بذكاء لعبة الهجوم في معرض الدفاع، وهو ما استدعى حملات مضادّة من المنظومات الإعلامية الأميركية لتوهينها وإضعافها.
قناة «روسيا اليوم» ركزت مع بداية الضربات الروسية في سورية على الفشل الأمني الأميركي الذريع إزاء تعقُّب العملية الروسية في سورية مسبقًا، وهو ما أقرّ به القائد العام للقوات الأميركية في أوروبا الجنرال فيليب برادلي.
وفي المقابل، أظهرت القناة تفوق روسيا في مجال الحرب الإلكترونية، بعنوان «جميع طاقات الغرب لا تساوي 10 في المئة من قدرات روسيا في إدارة الحرب الإلكترونية»، لتعود وتظهر الضعف الأميركي في هذا المجال من خلال الاستشهاد بما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية من أنّ وزارة الخارجية الأميركية تدرس إعادة ترتيب حملتها ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي في شبكة الإنترنت، بعد إقرار فشل هذه الحملة، وحاولت اللعب على تناقضات «التحالف الأميركي» بالإشارة إلى «تصدع تحالف واشنطن جواً وأرضاً»، بعد تكثيف موسكو غاراتها، لتظهر أيضاً جانباً من تفوقها العسكري في مواجهة الحملة الأميركية، بعناوين مختلفة:
ـ نشر إنفوغرافات متتالية تظهر ميزات وقدرات الأسلحة الحربية الروسية المستخدمة في سورية القاذفات الروسية «سو 24»، و«سو25»، و«سو34» و«سو30 أس أم»، و«تو 22» الاستراتيجية، المروحيات الروسية «مي -17» و«مي 24»، و«مي 35 إم»، وطائرة تزويد الوقود في الجو «إل- 76 « وطائرة النقل العسكري «إل 78 «، والقنبلة الروسية التكتيكية «كاب 250»، وصواريخ «كالبير»، واستهداف السفن الروسية لمواقع «داعش» بصواريخ مجنحة، ومنظومتا «أس 400 « و«فورت» الدفاعيتين، وقاذفة اللهب الثقيل البرية «توس 1».
ـ إبراز مناشدة «البنتاغون» لسلاح الجو الروسي في سورية عدم استخدام صواريخ «جوـ جو» ضدّ طائرات «التحالف الأميركي».
ـ عرض فيديو استعراضي للمقاتلة «باك فا تي 50» الروسية من الجيل الخامس يظهر قدرتها الهائلة على المناورة.
ـ نشر تقرير حول تسلم سلاح الجو الروسي مقاتلات «سو ـ 34» و« سوـ 35» مرفق بـ«إنفو» وفيديو وصور تظهر مراحل تصنيعها، قدراتها، ومهامها.
ـ نشر مقاطع فيديو حول استخدام طائرتي «تو ـ 95» و«توـ 160» الاستراتيجيتين الروسيتين صاروخ «إكس 101» المجنح من الجيل الجديد.
ـ نشر فيديو حول تجربة صاروخ باليستي روسي جديد صاروخ «أر أس ـ 26 «.
ـ نشر فيديو حول أقوى مدفع «هاوتزر» ذاتي الحركة بالعالم في جعبة وحدات المدفعية الروسية، وتقرير حول قناصة «فينتوريز»، وهو سلاح القوات الخاصة الروسية ومميزاته لتنفيذ المهمّات الصعبة، ودقة إصابته للهدف بصمت.
ـ الإعلان عن استلام قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية 50 نموذجاً حديثاً من الأسلحة والمعدات الهجومية، بما فيها الصواريخ البالستية العابرة للقارات.
ـ الإعلان عن مفاوضات إماراتية روسية لصفقة «سو 35» محتملة.
التغني الأميركي بالأسلحة الروسية
الوجه الثاني للردّ الروسي، اتخذ طابعاً هجومياً وركز على إظهار الأسلحة الأميركية بمظهرها الحقيقي بعيداً عن التصوير والتضخيم الدعائي، من خلال إعادتها إلى حجمها الحقيقي، بالتركيز مثلاً على الجدال حول صفقات الأسلحة الأميركية كما حصل بالنسبة إلى شراء إيطاليا طائرات قتالية أميركية من دون طيار، وركز في جانب آخر أيضاً على ما تنشره الصحف والمجلات الأميركية ذاتها، كتغني المجلة العسكرية الأميركية «Popular Mechanics» بقاذفة اللهب الروسية «شميل» وبقدرتها على إثارة الرعب الحقيقي في نفوس من تُستخدم ضده. وحديث مجلة «The National Interest» الأميركية عن القاذفة الروسية «تو-160» المعروفة باسم «البجعة البيضاء» ووصفها بأنها خصم خطير «أثبت في أول مهمّة قتالية له في سورية أن لا نظير له حتى الآن في العالم». وكذلك إعجاب المجلة ذاتها في مقال بقلم المحلل العسكري «دايف ماجومدار» بـ 5 أنواع للأسلحة الروسية الخارقة من الجيل الجديد. وهي مقاتلة «تي ـ 50» وطائرة «تو ـ 160» الاستراتيجية بعيدة المدى الواعدة، ودبابة «أرماتا»، ومنظومات الحرب الإلكترونية، والغواصات الذرية الروسية. ليخلص الخبير الأميركي في مقاله إلى القول إنّ الصناعات الحربية الروسية لا تزال تطلق الطائرات الحربية والمدرعات والغواصات ووسائل الحرب الإلكترونية الحديثة التي تزرع الرعب في نفوس العسكريين الأميركيين، وذلك على الرغم من الخسائر التي تكبدتها الصناعة الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
وبعنوان: «قاتل الدبابات»… صاروخ روسي يخترق دروعاً سماكتها 1,20 متر»، نقلت «روسيا اليوم» بالفيديو عن وسائل الإعلام الأميركية، ذهولها حيال نجاح تجربة صاروخ روسي تابع لمنطومة «أ-235 نودول» المضادة للصواريخ، وتوقفت عند قدرته على إسقاط الأقمار الاصطناعية المحلقة في مدارها حول الأرض. كما أبرزت القناة رأي محللين أميركيين بشأن منظومة «توس-1» الروسية، ونقلت عن تقارير صحفية أميركية أنّ «نشر روسيا لراجمات الصواريخ «توس-1» بوراتينو من شأنه أن يغير طريقة الحرب ويجبر الدول المشاركة في «التحالف» على تغيير «قواعد اللعبة» في الشرق الأوسط».
لم يكتف الإعلام الروسي بإشادات الخبراء الأميركيين، بل استعان بالخبراء والمحللين الروس لتأكيد المؤكد بالنسبة إليهم، ومنهم يوري سولومونوف مصمم الصواريخ الاستراتيجية الروسية «بولافا» و«توبول» و«يارس» الذي اعتبر أنّ «قوات الصواريخ النووية الروسية تفوق في قدرتها مثيلاتها الأميركية»، وأنّ فكرة الضربة الخاطفة الشاملة التي تخطط الولايات المتحدة اعتماداً عليها لتدمير الترسانة النووية الروسية لا يمكن تحقيقها في الواقع.
ملعب روسيا الساحة الدولية والبحار السبعة
بالتوازي مع ضرباتها العسكرية في سورية، لم تهدأ الماكينة الإعلامية الروسية فجهدت لإظهار قدراتها العسكرية وتفوقها في مجال الأسلحة الدفاعية والهجومية النوعية، فالراصد للقنوات والوكالات والصحف الروسية نوفوستي، روسيا اليوم، تاس يجدها تزخر يومياً بعدد كبير من الأخبار والتقارير التي تظهر تفوق روسيا عسكرياً، تفوق يبدو جلياً من خلال تحريك القيصر الروسي بيادقه الجوية والبحرية على الساحة الدولية بأكملها، كمشاركة القوات البرية الروسية في 7 مناورات وتدريبات دولية، وتوزّع بوارج وسفن موسكو الحربية على البحار السبعة 70 سفينة حربية روسية تنفذ مهمّاتها القتالية في مناطق مختلفة من المحيط العالمي :
ـ مرابطة طراد «موسكو» المجهز بمنظومة دفاع صاروخية «فورت» المشابهة لـ«اس 300» والتي زودت مؤخراً بمنظومة «اس 400 « في البحر المتوسط بالقرب من اللاذقية.
ـ تواجد السفينة الروسية الكبيرة المضادة للغواصات «الأميرال كولاكوف» في بحر العرب.
ـ تخصيص أسطول لبحر البلطيق الروسي، وأسطول آخر لبحر قزوين الروسي يتألف من فرقاطات صغيرة حاملة للصواريخ «غراد سفياج» و«أوغليتش» و«فيليكي أوستيوغ» وهو أجرى مؤخراً تدريبات في عرض البحر.
ـ تواجد القوات البحرية الروسية في بحر بارنتس والمحيط الهادئ والبحر الأسود في شمال وشرق وجنوب روسيا.
ـ تمركز سفينتي الصواريخ الروسيتان الحديثتان «سيربوخوف» و«زيليوني دول» في ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم.
تدريبات عسكرية روسية
ومن البحر إلى البر والجو، يوحي ما ينشر في وسائل الإعلام الروسية بشكل واضح بأنّ الجيش الروسي يخضع لأوسع عملية إعداد، تؤهله للتفوق النوعي على الجيش الأميركي، وللعب دور أوسع على الساحة الدولية، يتماشى مع القطبية العالمية التي تطمح روسيا إليها ضمن برامج ومخططات مستقبلية واضحة، بدأت أولى إرهاصاتها تتجلى في الحرب التي تقودها موسكو ضدّ الإرهاب وفي مروحة تحالفاتها الواسعة، والتي تشمل الهند والصين وإيران ومصر، وفي التدريبات والاختبارات التي يشهدها الجيش الروسي، والتي عبّر عنها خير تعبير تقرير رفعه وزير الدفاع الروسي مؤخراً إلى الرئيس بوتين، وقد زخرت وسائل الإعلام الروسية على مدى أكثر من شهرين بأخبار وتقارير مصوّرة حول قدرات الجيش الروسي، ومنها:
ـ الإعلان عن إجراء وحدات من الجيشين الروسي والهندي مناورات عسكرية مشتركة بعنوان «إيندرا – 2015» بغية تدريب أفرادها على تدمير تشكيلات إرهابيين افتراضية.
ـ إجراء وحدات المنطقة العسكرية الشرقية الروسية تدريبات ترمي إلى صدّ هجوم مفترض للإرهابيين.
ـ تدريب وحدات الجيش الروسي على مواجهة عمليات الحرب الهجينة في وسط آسيا.
ـ إطلاق قمرين اصطناعيين عسكريين إلى مداريهما يعملان لصالح وزارة الدفاع الروسية.
ـ اختبار صاروخ استراتيجي بالستي «سارمات» العابر للقارات.
ـ إجراء تدريبات ليلية على منظومات الصواريخ التكتيكية العملياتية «اسكندرـ إم» قرب أورينبورغ في روسيا.
ـ إجراء تجربة ناجحة لإطلاق صاروخين باليستيين عابرين للقارات من غواصة استراتيجية نووية من البحر الأبيض في شمال روسيا أصابا هدفيهما بنجاح في شبه جزيرة كامتشاتكا.
ـ اختبار الجيش الروسي بنجاح صاروخاً بالتسياً عابراً للقارات من طراز «توبول» مجهزاً برأس قتالي واعد.
ـ تصنيع طائرة «شتيل 3» بلا طيار كنموذج تجريبي للطائرة النفاثة المتعددة المهمّات بلا طيار يمكنها أن يقلع وتهبط عمودياً.
ـ اختبار طائرة «يوم القيامة» وهي بمثابة مركز قيادة استراتيجي طائر من الجيل الثاني، يتوفر منها لدى الولايات المتحدة فقط حيث أطلق عليه لقب «طائرة يوم القيامة».
ـ الإعلان عن قرب استلام وحدات المنطقة العسكرية الشرقية الروسية عام 2016 طائرات حديثة بعيدة المدى بلا طيار.
ـ الإعلان عن إخضاع سلاح المظليين الروسي لعدد من التدريبات الواسعة النطاق في العام القادم.
التشويش من الطائرة الماليزية إلى الروسية وإسقاط «سو 24»
لم تقتصر الحرب الإعلامية الدائرة على محاربة الإرهاب، ولا على عكس حركة سباق التسلح الجاري، ولا على حرب «الإنفوغرافات» أو السيطرة على البحار والمضائق البحرية الهامة، وتوسيع نفوذ الدول الكبرى برياً، فحتى السماء لم تسلم من جعلها حلبة مصارعة دولية، وظهر ذلك من خلال افتعال أكثر من حادثة ذات طابع دولي، واستثمارها في الحرب الدائرة للتشويش على الحرب الروسية المعلنة ضدّ الإرهاب في سورية، وهو ما بدا واضحاً بداية الأمر مع فتح ملف التحقيقات بشأن سقوط الطائرة الماليزية الرحلة «أم أتش17» من جديد وتوجيه اتهامات مباشرة ضدّ روسيا، من خلال ما توصل إليه «المكتب الهولندي للسلامة» في 13 تشرين الأول من أنّ الطائرة أُسقطت بصاروخ أرض ـ جو من نوع «بي يو كاي» أطلق من الشرق الأوكراني الذي يسيطر عليه الموالون لروسيا.
وشكلت حادثة الطائرة الروسية في سيناء، مادة دسمة للإعلام الأميركي لضرب العلاقات المصرية ـ الروسية، والإيحاء بفتح «داعش» جبهة عالمية بمواجهة روسيا جراء تدخلها في سورية، وكان واضحاً تركيز الإعلام الغربي على رواية تفجير الطائرة بقنبلة منذ لحظة سقوطها دون انتظار نتائج التحقيقات، وفبركة روايات وأخبار ما أنزل الله بها من سلطان لخدمة هذا الهدف الإعلامي.
لم تنته زوبعة طائرة سيناء، حتى أتت حادثة إسقاط طائرة «سو 24» لـ«تزيد الطين الإعلامي الأميركي بلة»، بعد فشل محاولات استغلال واشنطن للحادثة، من خلال الوقوف خلف تركيا ودعمها، وتبرئتها، عبر تبني رواياتها لها، وإبراز وقوف حلف «ناتو» خلفها، بهدف ضرب العلاقات بين أنقرة وموسكو ووضعهما في مواجهة بعضهما البعض، أو عبر تصوير الأمر بأنه ضربة قاصمة لموسكو، وبأنّ تركيا ضربت استعراضها العسكري، عبر الاستعانة بـ«معارضين سوريين».
لكنّ وسائل الإعلام الروسية، بالتوزاي مع ردّ فعل بوتين الهادئ والرصين على الحادثة، كانت بالمرصاد، لمحاولات تحريف الواقع، فعملت على سحب الذرائع وإدانة المحور الغربي من فمه، مستندة في ذلك إلى تصريح النائب السابق لأركان القوات الجوية الأميركية توم ماكينيرني اعتبر فيه أنّ طائرة «سو-24» الروسية لم تقم بمناورات توحي بهجومها على تركيا وأنّ إسقاطها «كان خطأ غاية في الخطورة».
وأمام محاولات القنوات الأميركية إظهار طائرات «سو 24» عاجزة وضعيفة لسهولة إسقاطها من طائرة هجومية تركية، ردّت قناة «روسيا اليوم» في تقرير بعنوان: «ما الذي منع الطائرة الروسية من حماية نفسها أمام مقاتلات «إف-16» التركية»؟، دعّمته بـ«إنفوغراف» عنوانه «لا مجال للمقارنة بين قاذفة ومقاتلة»، وأوضحت فيه أنّ «سوـ 24» هي طائرة قاذفة مخصّصة لإنزال القنابل الموجهة والعادية ذات القدرات التدميرية الكبيرة، وتطير بسرعات أقل من السرعة التي تحلق بها الطائرات الاعتراضية أو المقاتلة، لضرورة حملها أكبر قدر ممكن من القنابل، بما يجعلها عاجزة عن القيام بمناورات الاشتباك الجوي مع الطيران المعادي، ويحرمها فرصة الردّ وحماية نفسها. وأشارت القناة إلى أنّ معايير استخدام القاذفات خلال القصف الجوي على العدو، تقضي بأن ترافقها طائرات مقاتلة أو اعتراضية، لتوكل إليها مهمّات حماية القاذفات طوال مسار تحليقها منذ الإقلاع، حتى إفراغ حمولتها من القنابل على رؤوس العدو.
ومع بدء الردّ الروسي على تركيا، أظهرت القنوات الروسية مجدداً التفوق الروسي في مجال الأجواء، فاستندت إلى عنوان لصحيفة كوميرسانت: «إس 400» تسيطر على سماء المتوسط»، للتأكيد بأنّ نشر هذه المنظومة المضادة للجو بالقرب من الشاطئ السوري سيغير بشكل جذري موازين القوى الجيوسياسية ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في منطقة البحر المتوسط كلها. وكذلك استندت إلى تحذير الطيار المدرب في سلاح الجو الأميركي جاخار ماتيسيك من أنّ المنظومات الحربية الروسية في سورية قد تحصل على معلومات سرية عن تقنيات وتكتيكات الطائرات الأميركية العاملة في سورية. إجراء ردّ عليه الجيش التركي بنشر منظومة الحرب الإلكترونية الحديثة «كورال» على الحدود مع سورية، وفقاً لصحيفة «مليات» التركية، التي أشارت إلى أنّ نشر منظومة الحرب الإلكترونية التركية ستسمح بإسكات منظومات «إس ـ 400» الروسية للصواريخ المضادّة للجو.
هذا الردّ قابله الجيش الروسي سريعاً، بالإعلان عن عن نجاح اختبار جديد لمنظومة الدفاع الجوي الروسية «إس-400» الحديثة جرى في ظروف تشويش إلكتروني قوي، وصدّ التشويش وإصابة الهدف، حيث قامت أطقم منظومة «أس 400 تريؤومف» الروسية بتدمير هدف تدريبي يحاكي طائرة نفاثة. تزامن ذلك مع تلويحات بأنّ زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخاطقة إلى نيقوسيا كانت تهدف إلى التحضير سراً لإنشاء قاعدة بحرية روسية ثانية في المتوسط في قبرص، بما يشكله ذلك من ضربة جيوسياسية أسفل بطن أنقرة.
حرب تنافسية: CNN – RT
لم تقتصر الحرب الإعلامية الدائرة على إبراز كلّ طرف للجوانب العسكرية الهامة لديه وتفوقه النوعي في هذا المجال، ثمة جانب آخر لا يمكن إغفاله، تمثل بقصف القنوات الروسية والأميركية المتنافسة بعضها البعض، فمع إطفاء شمعتها العاشرة، أقامت «روسيا اليوم» احتفالية حضرها الرئيس بوتين، وهو ما يظهر مدى اهتمام الإدارة الروسية بالإعلام، وقدرته على تسييل سياسات موسكو في العالم والردّ على حملات الأعداء المضادة. ولعلّ تفوقها الإعلامي هو ما جعلها عرضة أيضاً للسهام على لسان المسؤولين الأميركيين في أكثر من مناسبة، وهو ما تباهت به القناة واعتبرته نجاحاً كونها استطاعت أن «تقضّ مضجع الإدارة الأميركية»، وفق إنفوغراف نشرته مؤخراً، كما أشارت قناة RT إلى خشية واشنطن من تعاظم قدراتها في الفضاء الإعلامي العالمي». خشية يبدو أنها كانت في محلها، وظهرت جلية على قناة CNN الأميركية التي تبين أنها ترصد القناة الروسية، للإضاءة على هفواتها، وصولاً إلى حدّ الشماتة كما حصل في أحدى الفيديوات الذي نشرته CNN بعنوان: «تسجيل لصحافي يحرج قناة روسية على الهواء مباشرة»، وتضمن سؤالاً من قبل المذيع للصحافي السوري المعارض أحمد كامل المتواجد في اسطنبول حول الجهات التي يمكن أن تتعاون مع روسيا في حربها ضدّ «داعش» بعد إعلان الأخيرة عن حصولها على معلومات من معارضين سوريين ساهمت بفكّ الحصار عن مطار كويرس العسكري، ليكون جواب الصحافي «ولا واحد ولا سوري شريف واحد يتعاون مع محتلي بلده وغزاة بلده». وهو ما وجدت فيه القناة الأميركية ضالتها واعتبرته سلاحاً للتصويب على نظيرتها الروسية.
انطلاقاً من كلّ ما تقدم، تتضح لنا بعض أوجه الحرب الإعلامية الأميركية الروسية، ومدى اهتمام كلّ طرف بالإعلام للترويج لسياساته الدفاعية أو الهجومية ولاستراتيجياته التوسعية وطموحاته العالمية. المهم من يفوز في الحرب الدائرة ومن يسجل نقاطاً أكثر، فليس كلّ ما تظهره المنظومات الإعلامية، يعبّر فعلاً عما تبطنه إدارات بلادها، وأمام شرق أوسط يغلي على صفيح ساخن، تبقى الحقيقة المرة ضائعة أنّ المعركة هي ضدّ الإرهاب الأسود أم «الذهب الأسود»؟ وهل سننتظر خمسين سنة أخرى لنكتشف أنّ أميركا خدعت العالم مجدداً وأنها تدعم الإرهاب ولا تحاربه كما يدعي إعلامها، ليتكرَّر بذلك سيناريو التضليل الإعلامي العالمي الذي لعبته وشنطن، في سياق حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق، حينما ادعت بفيلم «هوليودي» هبوط أول إنسان على سطح القمر، واستثمرت ذلك عشرات السنين، لتأكيد تفوقها في غزو الفضاء ليتبين مؤخراً زيف الادعاءات الأميركية، وأنّ الفيلم لم يكن سوى «فبركة إعلامية».
كاتب وباحث لبناني