سعد الحريري ليس كأبيه سعودياً فهل يدفع لبنان الثمن؟
روزانا رمّال
يشكل تيار المستقبل اليوم نموذجاً صارخاً من التنصّل من معظم مبادئ مؤسّس التيار، رئيس وزراء لبنان الأسبق الراحل رفيق الحريري، ويمثل أيضاً نموذجاً واضحاً من الانغماس المطلق، ومن دون إعادة نظر أو قدرة على الرفض والاعتراض لما يتلقاه من المملكة العربية السعودية من متغيّرات ومواقف توجب عليه التموضع على طريقة «نفّذ ثم اعترض». والأصحّ «نفّذ ولا تعترض».
تطغى الديكتاتورية الكاملة، اليوم، على العلاقة بين المملكة العربية السعودية وتيار المستقبل، حيث لا يسع التيار المشاركة في أيّ خيار أو قرار أو حتى طلب اجتماع مع المسؤولين السعوديين إذا كان في وقت غير ملائم أو لا تجد فيه السعودية مصلحة، فلا يشعر زعيم المستقبل سعد الحريري اليوم بما كان يشعر به والده رفيق الحريري نفسه، حيث كان المسؤولون السعوديون يعتبرونه شريكاُ في العديد من المصالح في لبنان وفرنسا، وكان له الفضل في تعزيز موقع السعودية في أوروبا بعدما استطاع استثمار صداقته بجاك شيراك المرشح لرئاسة بلدية باريس ودعمه حتى وصل إلى الرئاسة ففتحت فرنسا مرحلة جديدة من العلاقات مع السعودية وكلّ هذا بفضل رفيق الحريري. الأمر نفسه ينطبق على لبنان، حيث استطاع إدخال النفوذ السعودي إليه بعد اتفاق الطائف من بوابة إعادة الإعمار فدخلت الأيادي البيضاء إلى الأراضي اللبنانية.
رفيق الحريري شريك كامل في العلاقة مع المملكة، أما سعد فهو اليوم تابع أو ملحق يترتب عليه التنفيذ فقط، حتى أنها في أكثر من مرة تمنعت عن دعم وصوله لرئاسة الحكومة، وهو يعرف أنها قد تعيد الكرة اليوم ولا تسمّيه، خصوصاً أنّ هناك من لا يفضل في الديوان الملكي العلاقة معه أصلاً مثل ولي العهد محمد بن نايف، «سفاح» السعودية، حسب إفادة الحريري إلى لجنة التحقيق الدولية.
لا يستطيع الحريري اليوم وكامل فريقه الأزرق انتقاد المملكة العربية السعودية في شيء، ولو كان يعرّض سيادة لبنان للخطر حتى، ولا يستطيع الحريري أصلاً تقديم اعتراض للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري عن أيّ أمر أو قرار يتعلق بلبنان اتخذته السعودية، والعسيري الذي يختلف في حدّته عن باقي سفراء السعودية الذين عرفهم لبنان في هدوئهم ومحاولتهم الظهور بمسافة واحدة من اللبنانيين، أصلاً غير قادر هو الآخر على ممارسة مهمته سياسياً، إذا كانت الأوامر السعودية كلها تأتي على شاكلة قرار محمد بن سلمان وزير الدفاع «نفّذ ولا تعترض».
التعاطي مع السلطات السعودية بلا شك ديكتاتورية كاملة، على الجميع أخذها بعين الاعتبار، وتيار المستقبل الذي يتفرّج اليوم على لبنان يُساق إلى حلف سعودي عربي إسلامي لمكافحة الإرهاب كرهاً لا يستطيع حتى طلب الاستفسار عن ماهية الإرهاب بالمفهوم السعودي وتعريفه، فحزب الله مثلاً صُنّف تنظيماً إرهابياً عند المملكة من دون أن يعترض تيار المستقبل، وإذا كان هذا هو تصنيف المملكة للحزب فهل هذا يعني أنّ مواقعه قد تكون مستهدفة في سورية طالما أنّ مستشار وزير الدفاع السعودي «العسيري 2» في المملكة صرّح أنّ مهمة الحلف ليست فقط قتال «داعش»؟ هل سيسكت تيار المستقبل أمام حلف مريب وتصنيف مهين لشريك في بلاده وهو شريك وفصيل مقاوم حرّر وقاتل أعتى قوة في الشرق الأوسط، ودحر الاحتلال عن جنوب لبنان؟ هل يريد المستقبل أن يكون شريكاً في حلف قد يتمادى ويتهاون في مسألة استهداف معاقل لحزب الله في سورية طالما أنّ تعريفه للإرهاب واضح، فيكون المستقبل شريكاً في تدمير ما بقي من سلم أهلي في البلاد؟ هل يدرك التيار معنى هذه الموافقة وهذه الشراكة على الوضع الداخلي الهش أصلاً؟
يقدّم تيار المستقبل اليوم نفسه تياراً منغمساً حتى الرأس بالتوجه السعودي، ضارباً بعرض الحائط كلّ ما يقدّمه لجمهوره واللبنانيين من شعارات أبرزها «لبنان أولاً» والذي أصبح اليوم «السعودية أولاً»، بكلّ المقاييس، لا يستطيع المستقبل حتى الدفاع عن مواقف رفيق الحريري أمام السعودية وعن كلّ ما سعى إليه الراحل في حياته وعن جولاته وصولاته واجتماعاته المكثفة من اجل حزب الله والمقاومة ومن أجل منع إدراج الحزب على لائحة الإرهاب في أوروبا بالتعاون مع جاك شيراك، ولعب أيضاً في حرب نيسان 96 دوراً لتشريع وجود المقاومة في لبنان وحماية المدنيين من الاعتداء على الحدود وشهادة مصطفى ناصر أمام المحكمة الدولية موجودة في هذا الإطار – هكذا كان ينظر رفيق الحريري إلى حزب الله ومهما كانت الظروف، فلن يصبح الحزب إرهابياً بالنسبة إليه، ولا يمكن تغيير موقفه عمودياً بسذاجة.
عبّر حزب الله عن شكوكه العميقة بالخلفيات والأهداف وراء إعلان المملكة السعودية للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، ورأى في هذا الإعلان استجابة من السعودية ومن دول أخرى لقرار أميركي متسائلاً حول جدارة السعودية في قيادة تحالف ضدّ الإرهاب وهي التي تتحمّل مسؤولية الفكر الإرهابي المتطرف والمتشدّد كما أنها تستمرّ في تبنّي هذا الفكر ودعمه في كلّ العالم.
يحق لحزب الله الحديث بهذه النبرة عن المملكة، وهو الذي يصنّف لديها إرهابياً طالما أنّ شريكه في الوطن لا يعير هذا الأمر أهمية حتى وصل اليوم إلى ما وصلت الأمور عليه من إمكانية انزلاق السعودية في مخاطر تنفيذ مصالح أميركية في سورية ضدّ حزب الله، فيقع الأعظم في لبنان.