فلسطين إنه الوقت الأنسب للمواجهة
ناصر قنديل
– تسود نظرية تقليدية في الوسط السياسي العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، مفادها أنّ إسرائيل تستغلّ الوقت الذي يكون العالم فيه منشغلاً، وخصوصاً عندما يكون العرب مستنزفين ومأخوذين بهمومهم واهتماماتهم، فتقوم بشن حروبها الكبرى، ويندرج من وحي هذه النظرية نظرية مشتقة قوامها أنّ على القوى الوطنية الفلسطينية ومن يدعمها جدياً على الساحة العربية، تفادي استفزاز إسرائيل أو الردّ على استفزازاتها في هذه الحال، لمنعها من استغلال الوضع، واتخاذه ذريعة للمضيّ في التصعيد وصولاً لشن حرب تنتظر الفرصة لبلوغها.
– هذه النظرية تفترض أنّ إسرائيل لديها ما تخشاه على الصعيدين العالمي والعربي، هو الذي يمنعها من شن حرب، وأن تجاوز لحظات الانشغال العربي والعالمي، والعودة إلى الأوضاع التقليدية والهادئة، يمنح الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً الحصانة اللازمة في وجه مخاطر الحرب الإسرائيلية.
– لا حاجة لمناقشة واستعراض تاريخ الحروب الإسرائيلية ومدى تناقضها أو انسجامها مع هذه النظرية، لكن يمكن القول بكلّ ثقة إنّ الحروب الإسرائيلية منذ حرب تموز 2006 دخلت مرحلة جديدة من الحسابات والاعتبارات التي تتحكم بقرار الذهاب إلى الحرب، ويشمل هذا بالتأكيد تجارب إسرائيل في حروب غزة الثلاثة أعوام 2008 و2011 و2013.
– أمام المشهدين العالمي والعربي اليوم تتقدم المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية نحو لحظة تصاعدية يصير السؤال فيها واجباً حول شكل التعامل الفلسطيني معها، فالعالم والمنطقة يذهبان من جهة نحو مواجهات لا تبدو مهيأة للخروج بمنتصر ومهزوم بل بتسويات ترسمها التوازنات، ويبدو أنّ محور التسويات ستقرّره الساحات الملتهبة، ويبدو أنّ التوازنات تتقرّر على ضوء ما هو أبعد من القدرات العسكرية، بعدما دخل التموضع الطائفي والمذهبي لشرائح المجتمعات العربية طرفاً في رسم موازين القوى، وفي هذا السياق ملاحظتان، الأولى أنّ فلسطين ليست على جدول الأعمال، والثانية أنّ حلف المقاومة المستهدف بالتقسيم الطائفي والمذهبي لا يملك وصفة سحرية لكسره إلا فلسطين.
– من ينصر فلسطين تنصره، تبدو المعادلة المتبادلة بين محور المقاومة وفلسطين، فما لم تحضر فلسطين في ساحة المواجهة، سيكون لإسرائيل ما تريده من تجاهل للقضية ولو من باب تضمين التسويات التزاماً دولياً بحقوق شعبها على المستوى المبدئي، وسيكون على حلف المقاومة صناعة التوازنات على أرضية الانقسامات الطائفية التي تخفض منسوب حضوره والتي لا يردها إلى أصالتها إلا اشتباك عنوانه فلسطين.
– اليوم فلسطين تشتعل على إيقاع واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها المستوطنون بقتل فتى فلسطيني وإحراق جثته، ويشكل فشل المفاوضات خلفية المشهد، وتضعضع المصالحة الفلسطينية وعجزها عن التقدم بقوة مصدراً لمزيد من الفراغ السياسي، وتبدو الانتفاضة الثالثة مستندة إلى قدرات المقاومين على إقامة توازن رعب خيار الشباب الفلسطيني الذي ينزل الميادين مرة أخرى.
– التسريبات الإسرائيلية تنقل رسائل بواسطة الحكومة المصرية لفصائل المقاومة محورها الدعوة للتهدئة، ما يفيد أنّ إسرائيل تتهيّب الذهاب إلى المواجهة، لكنها لن تضبط المستوطنين، وقوى المقاومة التي تحتاج مناسبة لتعديل التوازنات لتضمين برنامج المصالحة خيار المواجهة، وحماية المقاومة ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال من جانب السلطة الفلسطينية، لن تجد مناسبة أفضل.
– محور المقاومة الذي يخوض على مستوى المنطقة معركة مزدوجة مع حلف الحرب الأميركية، ومع الشعوذة الداعشية، يحتاج المواجهة مع إسرائيل لتصويب البوصلة وإحداث الفرز على أساسها، وحدها المواجهة مع إسرائيل تعيد الاصطفافات وتكشف الأدوار أمام أعين الشعوب فيذوب الثلج النافش ويبان مرج داعش.
– إنه الوقت المناسب لفلسطين وكلّ وقت مناسب لفلسطين.