العَلَم… المونديال… حقوق الإنسان والوطنية

عامر نعيم الياس

تفاوتت تغطية الصحافة الغربية خلال الأيام الأخيرة لأخبار المونديال، فمع خروج إنكلترا والولايات المتحدة غاب الخبر المونديالي عن الصفحات الأولى والعناوين الرئيسية للصحافتين الأميركية والبريطانية. فيما حضر الخبر، عناوين وملفات رئيسية، على صدر صفحات الصحف الفرنسية والألمانية وغيرها من الدول التي لا تزال فرقها في المونديال. هنا المحدد الأبرز لأهمية الخبر لا يتعلق بأهمية الحدث الكرنفالي الذي يأتينا كل أربع سنوات للعبة هي الأكثر شعبية على مستوى العالم، بل يتحدد بالمعايير الوطنية الصارمة التي تلتزمها الدول الكبرى التي تقود العالم أجمع عبر شعارات الديمقراطية وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها من الأدوات الرديفة للتدخل العسكري المباشر وغير المباشر.

نعود إلى دولنا البائسة لنرى الأعلام منتشرة على الشرفات وفي المقاهي وفي مراكز المدن لامعة براقة يجري الاعتناء بها كما ُيعتنى بالطفل الصغير، في وقت أصبح رفع العلم الوطني إما دليل تخلف فأنت إما «قومجي أو يساري أو علماني أو متفلسف»، أو دليل ولاء لنظام وليس لدولة، مؤشرٌ على ديمقراطيتك وديكتاتوريتك الذاتية فهناك علم للديمقراطية وآخر للثورة والحرية. لماذا كل هذا الكلام؟ ما علاقة السياسة بالكرة؟ هل نريد أن نفرض على الشعب «المعتّر» رؤى ألترا قومية أو ألترا وطنية؟ هل التشجيع موقف سياسي أم موقف يمتزج فيه البُعد العاطفي بالتقويم الذاتي لأسلوب لعب هذا المنتخب أو ذاك؟ هل الغاية فرض قرار يمنع رفع أعلام دولٍ معيّنة في دول معيّنة؟

لفتني في قراءتي اليومية للصحافة الفرنسية خبر ورد في صحيفتي «لوموند» و»لوفيغارو» حول «تعليق قرار عمدة مدينة نيس حظر الأعلام الأجنبية» حيث جاء في معرض التقرير، الذي لم يثر حين اتخاذ القرار بل عند تعليقه فقط!! أن «القضاء الإداري علّق العمل بقرار عمدة نيس كريستيان ايستروزي الذي قرر في 30 حزيران حظر استخدام الأعلام الأجنبية كافة في مركز المدينة خلال كامل الفترة المتبقية من عمر كأس العالم المقام في البرازيل»، وبحسب بلدية نيس التي قادت الحملة ضدها منظمات حقوق الإنسان، فإن القرار الذي اتخذه العمدة «يهدف إلى حفظ النظام والهدوء العام، وتجنب ظاهرة الانفلات الجماهيري التي حصلت ليلة 26-27 حزيران الماضي بعد مباراة الجزائر وروسيا في مناطق باريس وليون ومارسيليا أحرقت سيارات احتفالاً بالفوز!! … إن الهدف ليس حظر الأعلام الأجنبية، لكن توفير الغطاء القانوني للشرطة البلدية للسيطرة على هذه الظاهرة، وهو ما عجزت عنه حتى الآن». ترى لو كان هذا القرار متخذاً في سورية أو لبنان أو أي بلد آخر من العالم ما بعد الثالث، في عالم الدولة الإسلامية والخلافة الوهابية السلفية، أي سيناريو كنا سنواجه؟ ألا يحق لنا أن نتوقع في وضع أصبح فيه مقر الحركة اليسارية والعلمانية السورية في قلب الدوحة والرياض، أن تتم دعوة مجلس الأمن للاجتماع لبحث هذا القرار التعسفي المتعصب النازي؟ هل تسمح فرنسا اليوم برفع علم الجمهورية العربية السورية في أحد ملاعبها؟ هل سمح للسوريين في برامج الهواة برفع علمهم الوطني أو الغناء بشكل واضح لوطنهم أم اعتُمدت التورية بحجة الانقسام الحاصل في سورية؟

ما جرى في فرنسا ليس نابعاً من إجراء يميني من عمدة ينتمي إلى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، بقدر ما هو إجراء يحمل في طياته توجّهاً صحيحاً لقوننة هذه الظاهرة ومنع الحالات الاستفزازية للآخر، أي آخر. هو إجراء يهدف إلى رسم خط بياني واضح للتمييز بين ما هو احتفالي وما هو وطني، وعند هذه الأخيرة تحضر منظمات حقوق الإنسان التي تعمل على إلغاء كل ما هو وطني بحجة الإنساني، ُترى ألم تحضر القوانين والدساتير للجم غرائزية الإنسان وقوننة إنسانيته بما فيها تلك القوانين الخاصة والناظمة لعمل المنظمات الحقوقية الرسمية وغير الرسمية؟

إنّ السيطرة على الانفلات الغرائزي الاستعراضي الذي يمارسه هذا المواطن أو ذاك لا تعني حجز حريته بقدر ما تعني لجم اندفاعته ووضعه تحت معيار قانوني وطني في بلاد لا تعرف عن الوطنية سوى بضع أغانٍ، في بلاد يرى قاطنوها في العلم الوطني فرضاً جبرياً، وفي العلم الأجنبي الذي كان مستعمراً يوماً، رمزاً من رموز الاختيار الحر المبني على أساس المنطق، ربما تجبرنا الأيام على فرض الوطنية بمرسوم.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى