قنطار كرامة… زيتون فلسطين
عبير حمدان
سأحدّثكم عن التراب الذي يغزل الحكايا ويختزنها حين يغفو في قبضة يده السمراء. هو وجه الفلاح الذي يتأبط معوله لحظة تتسلّل أشعّة الشمس من شقوق نافذة يوم جديد. هو جداول الربيع المغتسل بفلول الغيم ينتظر تمايل الأقحوان على أنغام البلابل. هو عبق زهر الليمون على مشارف البحر واستدارة البدر عند أطرف الكواكب المحلّقة بين سهرات القرى ومواقد الحنين.
هو برد تشرين ودمع كانون واحتفالية الدماء التي تسقط بيد الله وتدعونا إلى حفظ المقاومة. فهو عِماد النصر من دون مصافحة أو اعتراف. هو السيد والشيخ والعماد والعميد، هو الشاهد والشهيد.
سأحدّثكم عن بوح الريح للتلال كيف تحتويها العيون الساهرة بين تشعّبات التوت البرّي تنتظر وعداً من نور ونار.
سأحدّثكم عن حجر أصبح رصاصة، وأطفال كبروا قبل الآون، رموا ألعابهم وكتبوا مستقبلهم على حافة سكين ليرسموا درب الرجوع إلى فلسطين.
سأحدّثكم عن قنطار كرامة لا يدركها إلا المؤمنون، والإيمان لا يقترن بالدين وعدد الصلوات. الإيمان هو أن نعي تفاصيل الحكاية المقترنة بالتراب، ونعرف كيف تُستعاد الأرض والحقوق المسلوبة. الإيمان هو أن نكون أحراراً ولو طوّقتنا قضبان الأسر، وأن نعشق السلاح الذي نصوّبه إلى صدر المحتل من دون أي احتساب للبيانات الأممية والمحلية اللقيطة.
سأحدّثكم عن قنطار فخرٍ وعينا على هيبة حضوره في البال. كان فتياً واختار ساحة القتال. لم يبحث عن ساحات للصراخ والشجب. حمل سلاحه ومضى وكأنه يحمل آمال القابعين في الشتات، يزيح عن كاهلهم صوت طقطقة الشتاء على أسطح خيمهم الصدئة. وكأنه يعدهم بزيتون فلسطين التي سكنت وجدانه ورسمت ملامح مسيرته النضالية التي تشبه عزيمته.
عرفته رمزاً وترقّبت عودته على صهوة الصمود الذي توجّ تمّوز ملكاً للشهور، وعاد حرّاً كما ذهب. ببزّته العسكرية أطل ذات مساء على طوفان من البشر المنتظرين وكلّ الشباب معه. قيل حينذاك إنّ سيد المقاومة افتعل حرباً مدمّرة كرمى لعينَي سمير، كمن يأخذ من الآية ما يناسبه لتوصيف المشهد وفق تخاذله. الحرب لم تقع حينئذ، فهي جبهة قائمة منذ استولى الكيان الصهيوني على الشبر الأول من أرض فلسطين، وهي لما تزل مفتوحة، فالعدو لا يحتاج إلى ذريعة كي يمعن في القتل أكثر، لذلك هو يخشى قنطار المواجهة القابض على الزناد.
سمير القنطار العميد الذي ارتقى إلى رتبة شهيد أكبر من أيّ منصب رسميّ لم يجرؤ بعض حامليه على الحضور. هو الشهيد الذي لا يحتاج إلى تكاذبكم الرسمي والاجتماعي، هو أكبر من تغريداتكم التي تشبهكم، هو ابن هذه الأرض التي أوصانا أن نزرع مع كلّ حبّة قمح نغرسها فيها رصاصة كي تنبت السنابل بنادق تحملنا إلى حيث حلّقت روحه، فيشرق الميلاد عند عتبة الأقصى حيث تعلو راية النصر وعلى أطرافها يعربش الياسمين.