حكاية سمير… سيأتي يوم وتكتمل
معن حميّة
شهيدٌ، أسيرٌ، مناضلٌ، مقاومٌ، صار اسمه مرادفاً لهذه الصفات.
هو سمير القنطار، أدرك بالبديهة خطر ضياع فلسطين، تهجَّأ أبجدية النضال، وفتح باباً واسعاً في جدار المسافة، حاول اختصارها عبر البرّ فاعتقلوه، غادر معتقل «الأشقاء»، فاعتلى صخب الموج، وكان البحر أكثر رفقاً به، عانق المجد فوق رمال شاطئ «نهاريا».
إنها فلسطين، هناك سطع نجماً، قاتل، جُرح، أُسر، من فوهة بندقيته شعّ النور والنار، نور الشعلة التي تضيء طريق المقاومين، ونار أحرقت ضباط الاحتلال وجنوده. روت دماء جراحه الأرض، تطهّر بتراب معشوقته فلسطين وطهّرها من دنس الاحتلال ولو لساعات… قضى كلّ شبابه فوق أرضها أسيراً حراً، وحوّل ليل الزنزانة إلى حكاية نضال لا تعرف النهايات… لكنه لم يكتف… لم يرتو. وكأنه يردّد مع محمود درويش: «علّمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي… ثم أمشي… وأقاوم».
فصول قصة سمير، لم تنتهِ بالأسر، بل امتدّت على مدى ثلاثين عاماً قضاها مقاوماً جبروت السجّان ووحشيته… وفي الزنزانة المحاصرة من كلّ جهات العتمة والإجرام، استدلّ على نافذة الحرية، وجدها في صلابة الإرادة ومضاء العزيمة… حراً عاش في زنازين القهر، وسجانوه باتوا أسرى حيرتهم، من بطولة حاولوا سلب عنفوانها، فذلّوا، ومن إرادة حاولوا كسرها فانهزموا.
بزغت خيوط فجر الحرية، غادر زنزانة الأسر، عاد بطلاً محرّراً. وعلى طريق فلسطين اختتم مسيرة كفاحه شهيداً، مجسّداً الشهادة بمعناها الحقيقي.
هو شهيدٌ رغماً عن أولئك الذين ضلّوا طريق الكرامة، وما قرأوا إلا في سفر العمالة والتبعية.
هو شهيدٌ رغماً عن أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم الترويج لثقافة التشويه والتطبيع والصهينة، وما استطاعوا تشويه وجه الشمس.
شمس سمير أشرقت يوم حمل البندقية، ويوم استعاد حريته ويوم ارتقى شهيداً، وهي مع كلّ صبح، ستحرق جباه الذلّ المتعفّرة بالخنوع أمام خيالات الصحارى، فتحيل أصحابها إلى الضياع بين: «هل يأتي النهار أولاً أو الليل»، ولن يدركوا أنّ سميراً امتلك مفاتيح النهارات المجللة بنصر لا بدّ منه.
هو مناضلٌ رغماً عن حفنة كتاب وصحافيين، يشكلون ذراعاً إعلامية للإرهاب وإنْ تلطوا بالوقوف مع «ثورات الربيع العربي». وأيّ «ثورات»، تفوح منها نتانة «الأسرلة»، وهي التي تكفلت بنشر الفوضى وسفك دماء الناس الأبرياء.
هو مقاومٌ، رغماً عن «الشريان» الموصول تطبيعاً وإذعاناً بالعدو الصهيوني، ينفث أحقاداً وكراهية بغريزة عنصرية. ورغماً عن حاخامين ينزّون قيحاً، مخالفين ومتنكّرين لرسالة الشَدَايقة وقيمهم الإنسانية. لا عجب، فالمصابون بلوثة «التأسرل» والإرهاب، كم من شهيد قالوا عنه قتيلاً، وكم من قتيلٍ صنّفوه شهيداً!
سمير القنطار صار شهيداً، وهو الإنسان، المقاوم بالنشأة والإيمان والإرادة. سيرته تتجسّد في مسيرته الحافلة بالتضحية والإقدام…
قصة سمير، التي بدأت فصولهاً في «نهاريا»… وفي معتقله، وصاغها كتاباً في حريته، لم تنتهِ باستشهاده. هي لا تزال تنتظر الخاتمة، فالحساب لم يُغلَق بعد.
أدرك أنّ الانتماء لقضية، هو بالنهج وبالنضال والمقاومة، ولا تحدّدها هويات كيانية، ولذلك حين علم وهو في المعتقل بأنه مُنح جواز سفر فلسطينياً، سأل رفقاءه في المعتقل: «هل يخوّلني هذا الجواز التنقل من زنزانة إلى أخرى؟». وعبرة الانتماء تُختصر في ما قال.
قرأتُ قصة سمير، أكثر من مرة، وفي كلّ مرة كان يتسع فضاء الحكاية. فهي لم تبلغ خاتمتها.
وفي الحكاية، أنّ سمير القنطار واجه الحكم الإرهابي الذي صدر بحقه خمسة قرون ونيّف بردّه على مَن أصدر الحكم: «إذا كنت تعتقد أنّ إسرائيل ستستمرّ على قيد الحياة فأنت مخطئ وواهم».
لعلّ حدس سمير وقناعته، أبقيا القصة بلا خاتمة… والحساب جار ومفتوح… ومن المؤكد، سيأتي يوم ويحتفي علي سمير القنطار على أرض نهاريا محرّرة، فتكتمل الحكاية، بزوال «إسرائيل» وتسقط أساطير الواهمين.
لِعلي أمّ جليلة وأمةٌ.
أمّ تتقن جيداً معاني النضال والمقاومة، تصوغها حروفاً مذهّبة تطلقها في فضاء الأثير، تفعل فعلها في تقريب موعد العودة إلى «نهاريا» وفلسطين، كلّ فلسطين.
لِعلي أمّةٌ، كم من تنين قهرت، ولن تعجز عن قهر التنين الصهيوني الموغل في قتل الأطفال والنساء وتهويد الأرض.
لِعلي بلسان والدته: «أيّ صبح أنتظر وكلّ الصباحات الجميلة أنتَ»…
وللسمير الشهيد… على عهد المقاومة والصراع مستمرّون…
مدير الدائرة الإعلامية
في الحزب السوري القومي الاجتماعي