مختصر مفيد ثمرات التعاون التركي ـ السعودي ـ «الإسرائيلي»: اغتيال القنطار ضمن سياق تصاعديّ
لا يمكن فصل اغتيال القائد المقاوم سمير القنطار عن سياق أحداث كبرى تعصف بالمنطقة. برز بعد الاغتيال أوّل معانيها بالحملة التي شنّتها وسائل الإعلام التركية المحسوبة على الحزب الحاكم لتسويق ما سمّته نوعاً من الشراكة الروسية في اغتيال القنطار. وهو دسّ لا يحتاج إلى تفكيك. فالمقاومة وسورية لم تضعا في حسابهما يوماً أن تكون الدولة العظمى روسيا عاملاً من عوامل صناعة التوازن في وجه «إسرائيل»، وهما هكذا تتفاديان أيّ إحراج لروسيا المتموضعة بقوّة إلى جانبهما في الحرب ضدّ الإرهاب يرتّب عليها ضغوطاً، تحت مسمّى تأثير هذا التموضع على التوازنات المحيطة بالصراع مع «إسرائيل».
تكتفي سورية والمقاومة بالمردود الهائل والعظيم لهذا التموضع الروسي في وجهة الحرب ضدّ الإرهاب، التي تحظى روسيا بإجماع دوليّ حولها ضدّ الإرهاب ومن يموّله ويشغّله. حتى بات تقليم مخالب الغطرسة العثمانية التركية أولى نتائج التموضع الروسي. ويبتسم أهل المقاومة لهذه النتيجة ويأملون بصمت أن تتعاظم وتتنامى نتائجها وتطاول من هذا الباب آخرين كالسعودية، و«إسرائيل» إذ هي خلفية لدعم تنظيمات إرهابية، أعلن «الإسرائيليون» مراراً أنّها مؤتمنة على الحدود في الجولان. ويرتضي أهل المقاومة أن يكون تقليم المخالب «الإسرائيلية» مسؤوليتهم وحدهم، ويديرون آذاناً صمّاء لمحاولات طرح الأسئلة المشكّكة لعلمهم المسبق أنّها من المسارات الموازية للعملية التي استهدفت الشهيد القنطار.
ليس خافياً أن العملية جاءت بعد أيام على إعلان الحلف السعودي للحرب ضدّ الإرهاب، واقتصاره على غرفة عمليات ومركز تنسيق استخباري وفقاً للإعلان الرسمي. وبعد إجراءات، اكتمل بها تصنيف المقاومة ومؤسساتها على لوائح الإرهاب السعودية. وبعد تنسيق أميركي ـ «إسرائيلي» ـ سعودي متناسق وتصاعديّ ومتسارع. كما ليس خافياً أن التبادل المعلوماتي والاستخباري عندما تكون السعودية وتركيا شريكتين تحت عنوان الحرب ضدّ الإرهاب سيطاول المقاومة لا ربيبيهما «داعش» و«النصرة». وسيكون حاصل التجميع والتنسيق والفرز بعهدة «إسرائيل»، تماماً كما أنتج مؤتمر التنسيق في شرم الشيخ بعد حرب تموز برئاسة غونداليزا رايس، اغتيال الشهيد القائد عماد مغنية، ودور الاستخبارات التركية عبر خطّ استعلامي في حركة حماس من جهة، ونجاح جهاز استخبارات خليجيّ بالتعرّف إلى صورة الشهيد مغنية في أحد مطاراته من جهة أخرى، في تأمين النجاح «الإسرائيلي» للعملية.
تأتي العملية بعد أيام أيضاً على الإعلان عن اكتمال التفاهم التركي ـ «الإسرائيلي» وتتويجه بعقدٍ لإنشاء خطّ أنابيب لنقل الغاز «الإسرائيلي»، بديلاً من الغاز الروسي إلى تركيا. واللافت أن حرب تموز عام 2006 جاءت عقب وضع حجر الأساس لخطّ عكسيّ ينقل النفط من مرفأ جيهان التركي إلى مرفأ حيفا، وإنشاء الخطّين يستدعي حرباً أو نصف حرب. وبالتالي نشر قوات أممية معزّزة على الساحل اللبناني، تريدها «إسرائيل» بحصيلة تصعيد تتوقّعه من عمليتها، وتريد أخذه لاستدراج ضغوط دولية تنتهي بقرار يشبه القرار 1701 يطاول البحر المتوسّط وجبهة الجولان ويزيد القيود في جبهة جنوب لبنان. ويكفي لنعرف معنى بيانات مزاعم الفِرق المسلحة في سورية والمدعومة من تركيا والسعودية، عن مسؤوليتها في عملية الاغتيال لنتحقّق من دور استخباري تؤدّيه هذه الجماعات لحساب مشغّليها، وبالتالي لحساب «إسرائيل» في عمليات كهذه.
مسار التسويات المحرج للثلاثيّ التركي ـ السعودي ـ «الإسرائيلي»، لم يعد قابلاً للنسف، كما كانت أوهام الثلاثي قبل توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني، وكما لم يعد ممكناً أن تبقى الأوهام بعد التموضع الروسي وقرار مجلس الأمن حول سورية، ونتائج لجم المخلب التركي في سورية والعراق، وجرّ السعودية إلى مفاوضات جنيف اليمنية بقوّة غرقها في المستنقع. فالتعاون على إنتاج معادلات تقيّد المقاومة ودورها كقيمة مضافة في قلب حلفها، أملاً بتحسين شروط التفاوض في مسار التسويات، يصير هو الهدف المشترك لثلاثيّ التخريب. وما يعدّ له من جولات تصعيد تستهدف المقاومة وتريد حصر الحرب بها، واستنزافها، وتقييد حركتها، أملاً بأن يصاب حلفاؤها بالشلل وتضعف شوكتهم، ويسهل فرض الشروط عليهم، لكنهم لم ينتبهوا بعد إلى أنهم يعيشون في زمن «لقد ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات»، وهو زمن المفاجآت، فلينتظروا حصاد ما زرعوا، علّهم يتفكّرون… قريباً.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.