الأسد متعاون بشكل كامل مع طبيعة «ردّ» حزب الله على «إسرائيل»
روزانا رمال
أياً تكن التبعات يتحدّث أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في تأبينه للشهيد سمير القنطار عن ردّ لا محالة وهو الجزء الذي ستركز عليه التقديرات «الإسرائيلية» في استطلاع ما ستحمله طبيعة هذا الردّ من أهداف وحسابات، لأنّ في هذا الكلام مخاطر لم تكن تتوقعها «إسرائيل»، وهي التي راهنت وبثت أجواء مزدوجة المعايير كي تستدرج حزب الله إلى مواقف خلال أسبوع من تنفيذ عملية الاغتيال، فتوزعت التعليقات بين «هآرتس» و«يديعوت احرونوت» بالأخص واحدة تتحدّث عن صعوبة أن يردّ حزب الله ويأخذ المنطقة إلى حرب بسبب عجزه وتركيزه على معارك سورية التي أرهقته والأخرى تؤكد أنّ حزب الله قادر على الردّ الذي يمكن له أن يؤدّي إلى حرب جدية، وهذا الحساب المرتبط بإيعاز استخباري في ظروف كهذه فشل في الإيحاء للمقاومة بأنّ «إسرائيل» مستعدّة لهذا الردّ، أو أنها غير آبهة لما يمكن أن يحمله، وفشل أيضاً في إقناع الجبهة الداخلية بأنّ حرباً مع «إسرائيل» ستقلق حزب الله وبأنه غير قادر عليها.
أرادت «إسرائيل» إقناع الداخل لديها بهذا الاحتمال منذ أن اندلعت الأزمة السورية، ومشاركة حزب الله فيها منذ سنتها الثانية، لكن ضعف هذا السيناريو صوّب عليها مباشرة ووضعها أمام أسئلة من هذا القبيل: «إذا كان حزب الله عاجزاً عن القيام بحرب مع إسرائيل، وبالتالي إذا كان الحزب قد استنزف إلى هذا الحدّ جراء الأزمة السورية لماذا لا تتقدّم إسرائيل وتستغلّ الفرصة التي لم تتوفر لها على مدى 33 يوماً في حرب تموز 2006، فتشنّ هي حرباً في وقت مناسب لها جداً، وبالتالي تقدّم للداخل تبريراً يتناسب مع ما تروّجه عن ضعف الحزب وإنهاكه؟
لماذا لا تتقدّم «إسرائيل» اليوم وتسحب قواتها من على الحدود الشمالية إذا كان الحزب لم يعد ذلك الحزب القادر على بث القلق لديها وإرباكها؟ تفشل النظرية هذه بمجرد حصرها بالاستنتاج والترويج لدى «إسرائيل» وغرف استخباراتها الإعلامية والعسكرية، أما حديث السيد نصرالله أمس، عن قدرة تحمّل «التبعات مهما كانت»، هو كسر لكلّ ما سبق من حسابات، لأنّ حزب الله ولدى أيّ حديث عن احتمالات حرب يؤخذ تدريجياً إلى حسابات عدة قد ألغاها أمس السيد نصرالله تماماً، وأشار إلى ربط جديد في وجهتها وعناصرها، وهي:
أولاً: يلتفت حزب الله إلى الداخل اللبناني وردّ الفعل والظروف والتوقيت ويراعي مجمل الأوقات المصلحة الوطنية العليا، ويحاول قدر الإمكان تجنيب لبنان أيّ ردّ فعل من شأنه أن يعود عليه بشنّ حرب مؤلمة على شعبه هو لم يفضلها يوماً. ولهذا السبب «يتفنن» حزب الله، إذا صحّ التعبير، في خلق معادلات تُبعد عن لبنان حجة أخذه إلى «مغامرة إسرائيلية» تستغلها حكومة العدو لتجعل منه ساحة المعركة الرئيسية.
هكذا جرى في كلّ مرة استهدفت فيها «إسرائيل» مواقع لحزب الله في سورية، أو اغتالت فيه أيّ عنصر من عناصره في لبنان وخارجه، فالمقاومة لم تأخذ لبنان إلى حرب جديدة لدى اغتيال قائدها الشهيد عماد مغنية على سبيل المثال، بل اجتهدت في معادلات ردّ قادمة في زمان ومكان مجهولين حتى الساعة، والأمر نفسه يتعلق باغتيال القائد الشهيد حسان اللقيس وغيرهما…
إذاً، قدّم حزب الله صورة الحريص والدقيق بهذه المسألة ليس من باب قلق نابع عن عجز، إنما قلق نابع من الحرص والمسؤولية.
أما سياسياً، فيلتفت حزب الله إلى عدم توتير الأجواء وتسعير الداخل والمناكفات والحساسيات وسيل الاتهامات التي تحمّلها في حرب تموز من أفرقاء لبنانيين وصفوا عناصره بالمغامرين، على غرار ما وصفته المملكة العربية السعودية حينها، ويقول اليوم لـ«إسرائيل» لا تراهني على أيّ من هذه الحسابات نهائياً، فاليوم هناك أشياء تغيّرت ونحن مستعدّون لتحمّل أيّ شيء لا بل كلّ شيء.
ثانياً: يلتفت حزب الله أيضاً، وكذلك «إسرائيل»، إلى الحساب السوري في ما يتعلق بأيّ ردّ من سورية، على سبيل المثال قد يخرج عن المعادلة المعهودة من مزارع شبعا، أو حتى من الجولان كمنطقتين واقعتين تحت الاحتلال، وبالتالي يحرص على الواقع السوري وقدرة تحمّل الحكومة السورية لحرب مع «إسرائيل»، وهي التي لم تبادر إلى الردّ على أكثر من غارة شنّتها «إسرائيل» عليها منذ بدء الأزمة، بالتالي إذا كانت «إسرائيل» تراهن اليوم على تكبيل حزب الله في سورية، فإنّ السيد نصرالله أكد في خطابه أنّ هذا بات وراءنا ووراء القيادة السورية، وهو يكشف بطريقة أو بأخرى التعاون التام من القيادة السورية والاستعداد للتحمّل، وربط بشكل غير مباشر لمصير المعركة والجسم الواحد للمحور القادر أن يخوض حرباً مع حليفه بشكل تلقائي، وبالتالي فإنّ تشديد السيد نصرالله على إمكانية توقع الردّ من أيّ مكان في العالم على الحدود وداخلها وخارجها يضع سورية في سلّم أولويات الاحتمالات في أن ينطلق منها رد لا تبالي القيادة السورية في أن يحمل تبعات حرب عليها.
كلام السيد نصرالله دقيق جداً نقل خلاله رسالة حلف بأكمله مستعدّ للحرب أكثر من أي وقت مضى، والرئيس السوري بشار الأسد يبدو متعاوناً إلى أقصى حدّ في أيّ قرار يتخذه حزب الله، وما موافقته سابقاً على إعلان بدء المقاومة الشعبية في الجولان من الأراضي السورية إلا دليل كامل ستقرأه «إسرائيل» جيداً… فالكلّ مستعدّ.