انتفاضة الكرامة: بالمقاومة وحدَها نبني السلام العادل!

ابراهيم أسامة العرب

إذا استعرضنا ماهية اتفاقيات السلام بين العرب ـ و«إسرائيل» المنفذة بشكل جزئي وعوائق متابعة أعمال السلام، تتبين لنا كمية الغبن الذي لحق بالفلسطينيين والعرب، وكيف أنّ الإرادة الدولية وحدها قاصرة عن تحقيق السلام العادل والشامل، وكيف أنّ مسيرة الدفاع المشروع وحدها الكفيلة بإعادة الحقوق المسلوبة بما ينطبق مع قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ارتضينا بها كونها ترسم حدود الشرعية الدولية كإطار للحلّ الشامل للصراع، عسى أن يتوقف الإرهاب «الإسرائيلي» عن متابعة أعماله الإجرامية بحقّ العرب والمسلمين المستضعفين، ويتراجع عن حلمه التاريخي بإقامة دولة «إسرائيل» الكبرى كدولة عنصرية ليهود العالم أجمع، وبإنشاء هيكل سليمان المزعوم على أنقاض الدول العربية والإسلامية الشرق أوسطية.

الحقيقة هي أننا لا نزال حتى الآن نبحث عن آلية دولية صادقة ترغم «إسرائيل» بالقوة على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي ارتضينا بها لكف يد الإرهاب عنا ، وتؤمن ضمانات فعلية لعدم متابعة «إسرائيل» تنفيذ مشاريعها التوسعية التي لا تخشى الإعلان عنها جهاراً أمام الرأي العام الدولي.

أولاً، وبالنسبة إلى حق العودة: ففي تاريخ 11 كانون الأول 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 والذي جاء في الفقرة 11 منه أنّ الجمعية العامة «تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن الممتلكات للذين يقرِّرون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كلّ فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة». وعندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب «إسرائيل» الانضمام إلى الأمم المتحدة، جاء في قرارها رقم 273 أنه جاء بناءً على تعهد «إسرائيل» بتنفيذ القرار رقم 194 حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين . وفي القرار 2649 الصادر في 30/11/1970 اتجهت الأمم المتحدة إلى معالجة مشكلة الفلسطينيين كمشكلة لاجئين، ولأول مرة، تعاملت معه كشعب له حقّ قانوني ثابت في تقرير مصيره، فجاء في عنوان القرار: « إدانة إنكار حقّ تقرير المصير، خصوصاً لشعوب جنوب أفريقيا وفلسطين». واعترفت الجمعية العامة بقرارها رقم 2672 لشعب فلسطين وليس للاجئين الفلسطينيين بحقّ تقرير المصير.

ثانياً، بالنسبة إلى اتفاقيات السلام : بتاريخ 17 أيلول 1978 وقعت مصر و«إسرائيل» اتفاقية «كامب دايفيد» برعاية الولايات المتحدة الأميركية والتي وضعت إطار للسلام بين البلدين، تبعتها معاهدة السلام في 26 آذار 1979. وكان من نتائج المعاهدة الاتفاق على منح حكم ذاتي للضفة الغربية وقطاع غزة، والتطبيع بين مصر و«إسرائيل» في مختلف المجالات، وتبادل السفارات بين البلدين اقتسام أنور السادات ومناحيم بيغن جائزة نوبل للسلام . وبتاريخ 9 آذار 1978 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 425 وآلية تنفيذه في القرار 426 بعدما اجتاحت «إسرائيل» جنوب لبنان بما فيه مزارع شبعا في «عملية الليطاني»، وتلاها توقيع معاهدة «أوسلو» في 13 أيلول 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل»، والمعروف رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي الذي وقعته المنظمة في مدينة واشنطن الأميركية. ونصّ إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338، اللذين قضيا بحلّ مشكلة اللاجئين وبانسحاب القوات «الإسرائيلية» من الأراضي التي احتلتها في حرب «الأيام الستة» أي سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية التي كانت تتبع الأردن والجولان. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان تبنى الموقف «الإسرائيلي» بأنّ مزارع شبعا لا تخضع للقرار 425، وقال في تقريره بتاريخ 22 أيار 2000: جدير بالملاحظة أنّ هذه المناطق أي مزارع شبعا تقع في منطقة تحتلها «إسرائيل» منذ عام 1967 وتخضع، بناء على ذلك، لقراري مجلس الأمن 242 و338. لذلك نرى أنه لم يتم الالتزام بمضمون القرار 426 الذي يحدِّد آليات تنفيذ القرار 425. وفي استرجاع تاريخي ميداني لما جرى عقب الاندحار «الإسرائيلي»، نرى أنه لم يتم احترام بنود هذا القرار من قبل الأمم المتحدة.

من ناحية أخرى، فقد نصّت اتفاقية «أوسلو»، على أنّ هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين. وتبع هذه الاتفاقيات المزيد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات مثل اتفاق «غزة أريحا» و«بروتوكول باريس» الاقتصادي الذين تمّ ضمهما إلى معاهدة تالية سميت بـ«أوسلو الثانية»، وُقعت في 28 أيلول 1995، وتبعها في 26 تشرين الأول 1994 توقيع معاهدة «وادي عربة» بين «إسرائيل» والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين، وقد أعلن رئيس الوزراء الأردني عبد السلام المجالي حينها، «نهاية عصر الحروب» وقال شمعون بيريز ردّاً على ذلك بأنّ «الوقت قد حان من أجل السلام»، وطُبِّعت العلاقات بين هذين البلدين بموجب المعاهدة وتمّ تبادل السفارات.

وفي 24 حزيران 2002 أعدَت خطة السلام الشامل بواسطة ما يعرف باللجنة الرباعية الدولية، التي تضمّ الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، استناداً إلى رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش للتوصل إلى تسوية سلمية نهائية على ثلاث مراحل من خلال إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005. تضع خريطة الطريق تصوراً لإقامة دولة فلسطينية ذات حدود موقتة بنهاية العام 2004.

ثالثاً: اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية رسمياً: تمّ إعلان دولة فلسطين كعضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني 2012 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 67/19 بعد أن حصلت فلسطين على أصوات 138 دولة واعترضت 9 دول وامتنعت 41 دولة عن التصويت لتصبح فلسطين العضو الـ 194 في هيئة الأمم المتحدة. كما أنّ بعض الدول، عبّرت عن اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ، أي أراض كانت تحت سيطرة دول عربية قبل حرب الأيام الستة. وفي الجلسة السادسة والستين للأم المتحدة، اعترفت منظمة «يونيسكو» بدولة فلسطين كعضو كامل في المنظمة، كما أصدر الرئيس محمود عباس في بداية كانون الثاني 2013 مجموعة مراسيم تقضي باعتماد اسم «دولة فلسطين» رسمياً في الوثائق والأختام والأوراق الحكومية وشعار دولة فلسطين عليه كلمة «فلسطين».

باستعراض كلّ ما تقدم، يتضح لنا أنّ العقلية «الإسرائيلية» عقلية إرهابية، فالعرب عرضوا على «الإسرائيليين» في القمة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة سلام شاملة لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف الدول العربية كافة بـ«إسرئيل» وتطبيع العلاقات بينهم وبينها، لكنّ أعداء السلام رفضوا ذلك.

أكثر من ذلك، فحتى الاعتراف بدولة فلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة يغيظ «الإسرائيليين»، وما التصعيدات «الإسرائيلية» والاعتداءات الأخيرة ضدّ الفلسطينيين على الصعيدين السياسي والميداني، والاقتحامات العسكرية للمسجد الأقصى، وتعنتها في مواقفها ومطالبتها الواضحة بإلغاء حقّ العودة والاعتراف بـ«يهودية الدولة» وتهويد القدس الشرقية، بالتوازي مع استمرارها بالاعتقالات التي طالت الآلاف، وكذلك عمليات الهدم، وبجرف الأراضي، وبإقرار أكثر من عشرة آلاف وحدة استيطانية، إلا نكثاً بعهودها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وبسعيها إلى حلّ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، و«إسرائيل» حقيقة تخشى عودة دولة فلسطين الأبية على الساحة الدولية وتخشى من مطالبة فلسطينيي الشتات بحقّ العودة وبتطبيق القرار 194 الذي تعهدت بتنفيذه كلياً وفقاً لما أكد عليه قرار الأمم المتحدة 273 الذي وافق على طلب إنضمام «إسرائيل» إلى الأمم المتحدة.

إنّ ما نشهده اليوم من هبات فلسطينية يومية ضمن «انتفاضة الكرامة» «انتفاضة منع تهويد القدس الشرقية»، ما هو إلا تصدٍّ باسل لمحاولة «إسرائيل» الاستفادة من الوضع العربي المتردي لإرهاب الفلسطينيين وتهويد ما تبقى من أراضيهم، فاليمين «الإسرائيلي» المتطرف الإرهابي لم يحسب يوماً أنّ هنالك جيلاً شبابياً جديداً يضحي بلا تردّد، ويرفع رأسه رغم القهر بكلّ كبرياءٍ وشموخ. يقاتل ويقاوم، ويضحي ويقدم، ويرسم بدم شبابه للشعب والأمة سلاماً مستقبلياً عادلاً غير مزيف، ليعيد التألق إلى القضية الفلسطينية المركزية التي عرفتها الأمة العربية والإسلامية وضحت في سبيلها، وإلى المقاومة الشعلة الخالدة التي تصنع النصر الأبيّ وتكتب التاريخ بمداد الفخر والعزة والكرامة شاء من شاء وأبى من أبى. من هنا فمن واجبنا التوضيح للرأي العام العالمي أنّ هؤلاء المقاومين العزل الذي يجابهون بدمائهم البريئة الطاهرة أقوى جيش إرهابي في الشرق الأوسط كله، ما هم إلا دعاة سلام حقيقيين، دعاة عدالة وإنصاف، مظلومين مستضعفين مشتتين، ذنبهم الوحيد أنهم استقبلوا ألوف اليهود الفقراء المهاجرين منذ عام 1904 وعاملوهم كأخوة لا كأعداء! وما زالوا يؤكدون للعالم أجمع أنهم مستمرون في سياسة السلام والمحبة والأخوة إذا ما توقفت مشاريعهم التوسعية عملاً لا قولاً! وبضمانات فعلية!أ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى