الأوقاف الدرزية… بين المطالبة بالحقوق والدعوة إلى عدم التسييس
يوسف الصايغ
في سياق التحرك الذي بدأ قبل أشهر للمطالبة بالكشف عن مصير الأملاك والأموال التابعة لأوقاف طائفة الموحدين الدروز في لبنان، والتي تعدّ من أغنى الأوقاف، بالمقارنة مع باقي الطوائف، نظم عدد من الناشطين في حملة «نحو أوقاف في خدمة المجتمع والوقف الدرزي» اعتصاماً قبل عدة أسابيع أمام دار طائفة الموحدين في فردان. الاعتصام كان متواضعاً، عددياً، لكنّ المشاركين لفتوا إلى وجود الآلاف من أبناء الطائفة المؤيدين لتحركهم، لافتين إلى «أننا نريد من خلال هذا التحرك السلمي توجيه صرخة في وجه من يحتكر الأوقاف وأموالها ويمنعها عن المحتاجين، وتحركاتنا مستمرة حتى تتحقق مطالبنا ونصل إلى نتيجة ملموسة».
في المقابل، أعلنت مصادر لجنة الأوقاف أنها تقوم بتحمّل الأعباء بكلّ مسؤولية، وتقوم بواجبها واضعة ما يتمّ ترويجه في سياق التشويش على عمل لجنة الأوقاف.
الحلبي
في هذا السياق، أشار رئيس لجنة الأوقاف القاضي عباس الحلبي في تصريح لـ«البناء» إلى «أنّ الحراك المدني الذي شهدناه مؤخراً ربما دفع بالبعض إلى محاولة الاصطياد بالماء العكر من خلال إطلاق هذه الحملة التي تتناول ملف الأوقاف، ولم يخف الحلبي إمكانية وجود جهات سياسية وراء هذه الحملة التي تعمل على التشويش».
وأكد الحلبي «أنّ مسألة إدارة ملف الأوقاف ترتب مسؤوليات كبيرة على الجهات المسؤولة عنها، وهي تحتاج إلى جهد وعمل مضنيين»، معرباً عن أمله «بأن يتمّ تحييد ملف الأوقاف عن الشأن السياسي، لأنّ ذلك سيؤثر سلباً»، داعياً «إلى حصر مسألة الأوقاف في إطارها التقني بعيداً عن المزايدات».
وأشار إلى «أنّ هذا الملف شائك ويحتاج إلى تعاون الجميع من أجل أن يتمّ النهوض فيه بدل إطلاق التهم والشائعات». وإذ شدّد على «أنّ المسؤولية تعني الجميع من دون استثناء»، أكد الحلبي «الاستعداد لشرح كلّ الخطوات والتفاصيل التي تقوم بها اللجنة التي تتولى إدارة الأوقاف، وكذلك الاستماع إلى الآراء المطروحة من قبل البعض والبحث في إمكانية ترجمتها على أرض الواقع».
ورداً على سؤال حول ما يُثار حول قيام لجنة الأوقاف بتأجير بعض الأراضي التابعة للوقف الدرزي مقابل بدل إيجار زهيد، خصوصاً في منطقة البنيه في الشحار الغربي حيث توجد عقارات تبلغ مساحتها حوالى 30 ألف متر، وتمّ تأجيرها بمبلغ لا يتعدّى الـ 500 دولار سنوياً، أجاب الحلبي: « إنّ الوقف العائد للشيخ أحمد أمين الدين في تلك المنطقة تابع بشكل مباشر لمشيخة العقل ولجنة الأوقاف تقوم بإدارة الأملاك فقط».
وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال الدخول إلى موقع دار الطائفة الدرزية الإلكتروني تجد لائحة خاصة بموازنة مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز للعام 2015، كما توجد لائحة أخرى بالعقارات التابعة للأوقاف في مختلف المناطق اللبنانية والمؤجرة لغاية 30-5-2013.
حياة أرسلان: جنبلاط لم يترجم تجاوبه
وأكدت رئيسة جمعية «لبنان العطاء» حياة أرسلان، من جهتها، في تصريح لـ«البناء» دعمها للتحرك المطلبي في ما يتعلق بمسألة الأوقاف، مشيرة إلى «أنّ مجموعة من الشباب كانت تمثلها خلال التحرك الأخير أمام دار الطائفة». وأكدت «أنّ الخطوات يجب أن تستمرّ حتى يأخذ أصحاب الحق حقوقهم، فلا يضيع حق وراءه مطالب».
وكشفت أرسلان إلى أنها تواصلت مع النائب وليد جنبلاط قبل عدة سنوات بهدف إيجاد بطاقة صحية لمن يحتاجها من أبناء الطائفة، ولا سيما من لا يوجد لهم معيل، ما يضمن لهؤلاء الحصول على الرعاية الصحية. وإذ لفتت إلى أنّ جنبلاط أبدى تجاوبه معها، حيث تمّ التنسيق مع رئيس لجنة الأوقاف القاضي عباس الحلبي والدكتور زهير العماد، «إلا أننا لم نصل حتى اليوم إلى أيّ نتيجة ملموسة على أرض الواقع».
كما لفتت إلى «أنّ التحرك الأخير هو خطوة رمزية ولم تكن هناك دعوة للحشد»، مشدّدة على أنها تدعم التحرك في ما يتعلق بموضوع الأوقاف «من خلفية مطلبية بحتة دون أي خلفيات سياسية».
لإحقاق الحقّ ووقف الهدر
ودعا الشيخ رمزي عزام، وهو أحد الذين شاركوا في الاعتصام أمام دار الطائفة في فردان، دعا في حديث لـ«البناء»، شيخ عقل طائفة الموحدين الشيخ نعيم حسن «إلى النظر إلى أبناء الطائفة الكريمة لإحقاق الحقّ، ووقف الهدر الحاصل في أموال الأوقاف التي هي حق للأيتام والمحتاجين من أبناء الطائفة».
وحول دور المجلس المذهبي، قال عزام: «إنهم لا يأبهون للمطالب التي تُرفع إليهم، وعليه ندعو إلى استقالة هذا المجلس وأن تتولى لجنة من ذوي الكفاءة العلمية لإدارة شؤون المجلس المذهبي بأمانة». كما أكد الشيخ عزام «أنّ المرجعيات الروحية تطالب بتوزيع أموال الأوقاف على الفقراء والمحتاجين من أبناء الطائفة، حتى لا يضطروا إلى طرق باب أحد طلباً للمساعدة، وكذلك لبناء المستشفيات والجامعات، والمعامل لتشغيل أبناء الجبل والشوف وعاليه والمتن الذين يضطرون إلى تحمُّل أعباء التنقل إلى العاصمة بحثاً عن لقمة عيشهم».
علامات استفهام حول عقارات الوقف
في سياق متصل، أشارت مصادر مطلعة على ملف الأوقاف في حديث لـ«البناء» إلى أنّ هناك عدداً من علامات الاستفهام ترسم في هذا الخصوص، لافتة إلى مسألة العقارات التابعة للوقف الدرزي حيث هناك عقارات مؤجرة لشخصيات سياسية معروفة بمبالغ زهيدة جداً وفقاً لقانون الإيجار القديم، ولم يطرأ أيّ تعديل عليها منذ عشرات السنين وحتى يومنا هذا.
وفي السياق، تفيد معلومات عن قيام المجلس المذهبي الحالي بالتوقيع على عقود إيجار لعدد من العقارات في بلدة البنيه في قضاء عالية بأسعار شبه مجانية، فعلى سبيل المثال، تمّ تأجير ثلاث قطع أرض مساحتها بحدود الثلاثين ألف متر بمبلغ 500 دولار أميركي سنوياً. كما أنّ هناك عقارات تمّ بيعها بغطاء سياسي، وهو ما يُعتبر انتهاكاً لحرمة الأوقاف التي لا يمكن أن تباع، كذلك يوجد عدد من الأبنية السكنية والمحال التجارية، لا سيما في عاليه ووطى المصيطبة، لا تزال مؤجرة وفق بدلات إيجار زهيدة جداً وقيمتها لا تُذكر.
كذلك، وفي سياق الحديث عن تجاوزات حصلت في المجلس المذهبي، أشارت المصادر إلى مخالفة المجلس للدستور اللبناني وقوانين العمل ذات الصلة، من خلال تعيين ريان نعيم حسن نجل شيخ العقل في منصب رئيس ديوان المشيخة، رغم أنّ القانون يمنع وصول أيّ موظف لديه صلة قربى حتى الدرجة الرابعة لموظفي الفئة الأولى.
وأوضحت المصادر عينها أنه مع كلّ عام دراسي يتمّ صرف ميزانية لا تتعدّى العشرة ملايين ليرة بدل منح وقرطاسية لبعض المحتاجين من أبناء الطائفة، ولكنها لا تشمل إلا قلة قليلة ممّن هم بحاجة إلى مساعدة، ويتم استغلال ذلك إعلامياً للقول إنّ هناك مساعدات تقدّم لدعم المحتاجين، لكنّ الحاجات أكثر بكتير من مجرد قرطاسية أو تقديم دواء، فهناك عائلات ليس لديها معيل، وتضطر إلى طرق أبواب الزعماء السياسيين لتأمين لقمة عيشها.
وبناء على ما سبق ذكره، رأت المصادر «أنّ المطلوب عملية إحصاء للأملاك التابعة للطائفة، والتصريح عن المبالغ المالية المودعة باسم الأوقاف الدرزية في المصارف، كذلك يجب التدقيق في مصير أموال المقامات التي يتعدّى عددها الخمسين مقاماً، لكن لا يعرف أحد أين تودع وأين تذهب، تُضاف إلى ذلك المساعدات المالية التي تأتي من أبناء الطائفة المتواجدين في المغتربات والتي تصل إلى أرقام عالية جداً، ويمكنها أن تساعد في إنجاز الكثير من الأمور الملحّة، وفي مقدّمها المستشفيات، ولا سيما في المناطق النائية وحتى القريبة من بيروت. ففي عاليه مثلاً لا يوجد مستشفى مؤهل لاستقبال الحالات الطارئة، كذلك هناك مطلب بإنشاء مشاريع سكنية لمساعدة الشباب في امتلاك شقق لهم، بالإضافة إلى إنشاء المعامل والمصانع التي توفر عناء التنقل إلى العاصمة والنزوح من مناطق السكن الأصلية.
من جهة ثانية، رأت المصادر أنّ تمرير مشروع قانون الأوقاف في المجلس النيابي ساهم بطريقة أو بأخرى في إحكام قبضة الفئة السياسية على الوقف، واعتبرت أنّ من المغالطات أنّ شيخ العقل المفترض أنه أعلى هيئة روحية في الطائفة، أسوة برؤساء باقي الطوائف الروحية في لبنان، حُدّدت مدة ولايته بخمسة عشر سنة، كما أنّ هناك بنداً يجيز لـ 25 في المئة من أعضاء المجلس المذهبي إقالة شيخ العقل في حال أثبتوا عبر تقرير طبّي أنّه يعاني من وضع صحي لا يسمح له بإكمال ولايته.
كما لفتت المصادر إلى أنّ أحد أهمّ الأسباب التي أدّت إلى الاتفاق على إزاحة شيخ العقل السابق بهجت غيث من منصبه هو ملف الأوقاف، حيث حاول غيث أن يعيد تنظيمها بهدف جعل أبناء الطائفة يستفيدون منها، لكن تمّت تنحيته، وبالتالي لم يتمكن من تحقيق هذه الخطوة.