دمشق تتنفّس الصعداء…
سناء أسعد
قتل الأزعر السفيه السفاح علوش… قتل ذلك الطاغية حجاج دمشق الذي أذاق الشعب السوري أنواع العذاب والتعذيب كافة… الذي لم يسبقه إليها أحد لا في الماضي ولا في الحاضر، ويستحيل أن يكون له شبيه في المستقبل، فذلك الطاغية رحل وأخذ معه عنصر الصدمة والدهشة التي يمكن أن تلحق تباعاً لأي تصرف يمكن تطبيقه وتنفيذه من غيره مهما وصل الى درجات الفظاعة والترويع.
قتل ذلك المجرم علوش الذي كان محطّ خلاف وجدل لدرجة التعقيد التي يصعب معها إيجاد حل… وذلك في ما يتعلق بتصنيفه كطرف سياسي معارض يمكن المناقشة وتبادل الحوار معه في المفاوضات التي سيتم طرحها وتتداولها لإيجاد مخارج وحلول سلمية لمعالجة الأزمة السورية.
من المؤسف حقاً لا بل من العار والخزي أنّ ذلك المجرم كان محط جدل ونقاش وأن تثار من أجله تلك الحوارات والواساطات… والحجارة في دمشق كانت تنده وجدران المنازل كانت تحتضر، والتراب كان يصرخ مثل أم ثكلى من أفعال ذلك الطاغية التي ما كان عقل ولا منطق ولا قلب بشري يتحمّل فظاعتها لما كانت تحمله من الكمّ الهائل من الحقد والوحشية والاحتلال… ولكن في زمن تحاول كل من السعودية وتركيا أن يكونا هما رواده وأبطاله، يصبح التسليم جائز وممكن في كل شيء. فلا تستغربوا أن تصدر فتوى من السعودية تمنح المدعو أبو همام البويضاني خليفة علوش «حق» الترشيح للانتخابات الرئاسية التي ستتم في سورية، لا سيما أنه حصل على ترقية سابقة تمنحه هذا «الحق»، من خضرجي الى قائد عسكري. ذلك الخضرجي الذي سارعت كل من السعودية وتركيا الى تسميته وتسليمه بدلاً من علوش حتى لا يترك مجالاً لإثارة القلقلة والتفكيك والتشتت في صفوف كتائب علوش المسلحة، خصوصاً بعد ما تم تداوله عن وجود مخبرين لمصلحة الجيش السوري في صفوف كتائب علوش. وهم من أبلغوا عن مكان الاجتماع، هذا كوجهنة إعلامية لا تناسب لا السعودية ولا تركيا، ولا تليق بمقام ذلك «الأزعر». لذلك فإن المصلحة الكبرى تكمن في اتهام روسيا بتنفيذ تلك العميلة، حتى يلغى احتمال وجود الخلل والخيانة في صفوف كتائب علوش، وتفرض بقوة حتمية التسليم أن مقتل علوش هو هدف ومسعى روسي بحت. هذا التسليم الذي آل إليه رفض روسيا المطلق بقبول علوش كطرف في الحل السياسي والتفاوض معه كمعارضة معتدلة على طاولة الحوار.
وكأنني أرى أمامي مساراً يأخذ منحى آخر في مواجهة هذه الحرب بمنهجية مختلفة ومغايرة تماماً ولا سيما في ما يتعلق بالدور الروسي.
وكأن هذه المرحلة تشهد تصعيداً مختلفاً من نوع آخر يمسّ الدور الروسي بالذات.
فإني لم أعد أسمع غير تلك العبارات المبتذلة والتي لا تستند الى شيء من العقل والمنطق ولا حتى المفاهيم والمبادئ السياسية أو العسكرية منها، سواء من أشخاص عاديين أم من رؤساء دول.
لماذا لم تفعل روسيا؟! ولماذا فعلت روسيا؟! وكان بإمكان روسيا أن تفعل، لتتوقف روسيا عن الإرهاب، وقد تبيّن هنا أن روسيا تهاونت، وهناك تعاونت… والى الكثير من غير تلك العبارات.
ولكن مع اختلاف طريقة الطرح في التشكيك بالدور الروسي، ففي عملية اغتيال عميد الأسرى عماد الحرية المقاوم الشهيد سمير القنطار، تم استغلال هذا الموضوع للتشكيك بالدور الروسي كوجود في العملية العسكرية في سورية، ولا سيما بعد تمركز المنظومة الدفاعية أس 400، وكأنّ روسيا تحتاج بعد كل ما جرى ويجري الى دلائل وإثباتات لبيان جدية موقفها ووقوفها مع الدولة السورية، وكأنّ روسيا لم تضرب الإرهابيين وتدك معاقلهم وأوكارهم بضربات مميتة وقاتلة ألحقت بهم خسائر كبيرة، وكأن روسيا لم تقدم الشهداء داخل الأرض السورية، وكأن روسيا لم تتدخل بأبسط المصطلحات التي يمكن أن تمسّ السيادة السورية بما لا يرضي الحكومة السورية.
أما بالنسبة للتشكيك بالدور الروسي من حيث قتل حجاج دمشق فهو يبرز على الصعيد الدولي كدور روسيا في إنجاح العملية السياسية وفي السماح والقبول بالأطراف كافة التي تعتبرها السعودية وتركيا أطرافاً معارضة لا سيما جماعة جيش الإسلام، واتهام روسيا بمقتله يخلص الى اتهام آخر، وهو عرقلة الحوار المتكامل الأطراف كضرورة للحل السياسي.
في الحقيقة لا يمكنني إقناع من لا يريد الاقتناع بحقيقة الدور الروسي وأهميته في الميدان السوري. أعتقد أن الحقائق لا تمكن إثارة الجدليات فيها. ألا يكفي أن روسيا لم ترسل الى سورية إرهابيّين ولم تموّلهم ولم تسلحهم ولم تسرق وتنهب ثروات البلد كما فعل آل سعود وأردوغان وأسيادهم. ولا يعنيني الأمر كثيراً حول من تكون الجهة التي قامت بتصفية ذلك الطاغية سواء أكانت روسيا أم سورية أم حتى إيران أو حزب الله، ما يعنيني هو تلك الفوضى والتوتر الذي اعترى صفوف الأعداء، سواء الجماعات المسلحة أو الدول التي تدعمها، فالرسالة يجب أن تصل بأن داخل الأراضي السورية وخارجها الكلمة الأولى والأخيرة لأبناء الشعب السوري الشريف، ولذلك القائد الحكيم والجيش الأبي إن شاءت السعودية وتركيا أم لا… و كل ما يعنيني أخيراً هو أنّ دمشق تتنفس الصعداء…