نصيحة جنبلاط: لا جدوى من المكابرة

روزانا رمال

لم يستطع النائب وليد جنبلاط وبعكس سياسيّين كثر في لبنان ممّن قرّروا الالتزام بسياسة النأي بالنفس تجاه الحدث السوري، أو الترقب على أبعد تقدير، إلا أن يطلق موقفاً من استهداف زهران علوش في سورية، قائد «جيش الإسلام»، والذي يُعرف بأنه رجل السعودية عند خصومه وأصدقائه على السواء، ويبدو أنّ جنبلاط يعتبر أنّ هذا الاستهداف يعنيه مباشرة ويشكل بالنسبة له نقطة تحوّل جادّة للمشهد.

يختلف النائب وليد جنبلاط عن غيره من السياسيّين بقدرته على استشراف المرحلة المقبلة من دون مبالغة «المكابرة» على مواجهة نفسه بالحقيقة، حتى تكاد فلتات لسانه تفضح ما يجول في خاطره وتسبق نيته بالإعلان عن موقف حتى ولو فيه اعتراف بالهزيمة.

لا يصعب على جنبلاط اليوم مراقبة سير الأمور والأحداث السياسية في المنطقة منذ الدخول الروسي السياسي والعسكري على خط الأزمة السورية، فمنذ أول أيام الدعم بالفيتو وصولاً حتى التدخل العسكري يدرك جنبلاط أنّ المسألة جدية جداً بالنسبة لروسيا، وأنه إذا كانت مسألة قتال نظام الأسد أو إسقاطه ممكنة يوماً ما، حتى لو شابتها مصاعب، إلا أنها بدخول روسيا دخلت حتماً المستحيل، وهو يعرف هنا تماماً أنه من الصعب التوسط لدى دولة كبرى مثل روسيا من أجل الطلب إليها تغيير أو تعديل موقف تعتبره استراتيجياً، مثل دعم الدولة السورية ورئيسها بالذات، وبالتالي يعرف جنبلاط أنّ الأسد باقٍ حتى ولو لم يفصل أسباب ذلك، وهي لا تعنيه بقدر ما تعنيه النتيجة، فعلى سبيل المثال قد لا يهمّ شخص مثل جنبلاط اتخذ من المعركة السورية معركة خاصة فشَخْصَنَها بحصرها برئيس خصمٍ كثيراً، طالما أنه قد بقي بسبب دعم حلفائه أو ربما بفضل قوة جيشه لا يهمّ، لأنه وفي الأحوال كلّها النتيجة واحدة وحسابها السياسي مفهوم.

يدرك جنبلاط أنّ تصفية علوش أتت تبعاً لأجندة عمل وُضعت سورياً وروسياً، عقب القرار الأممي الواضح تجاه سورية وهو 2254، والذي حسم بوضوح مسألة بقاء الأسد واعتبرها شأناً سورياً داخلياً وهنا كان رأي جنبلاط أنّ هذا القرار قد لا يعني شيئاً، وقد يعني كلّ شيء، وهو اليوم تأكد من الاحتمال الأخير بوضوح.

مقتل زهران رجل السعودية، كما يطلق عليه أصدقاؤه قبل خصومه، هو رسالة روسية إلى المملكة التي يبدو أنها بالغت كثيراً بعدم تلقّف الفرص التي منحتها روسيا للعملية السياسية، عبر سعيها إلى تحديد هوية المعارضة السورية القادرة على الدخول في المفاوضات لكن الرياض بدت حريصة على تعقيد المشهد وإدخال حركات إرهابية على التصنيف في المؤتمر الشهير الذي عقد مؤخراً في الرياض.

ملف تصنيف المعارضة ليس وحده الذي وضع روسيا أمام ضرورة الحسم، فالسعودية التي تعاند في أكثر من ملف في المنطقة، لا تتجاوب في ما يتعلق بالملفّ اليمني، أو بحلحلة الخلاف مع إيران، وهنا ترى روسيا أنه بات من الواجب إرسال رسالة واضحة مفادها أنّ هناك مساراً سياسياً سيمرّ وأنّ الصبر قد نفد وأنّ موسكو أتت من أجل حسم الموقف عسكرياً ومعه سياسياً، وأنّ ما على الرياض إلا مدّ اليد وإلا…!

الأمر نفسه ينطبق على تركيا التي افتتحت أزمة مع روسيا، لكن الأخيرة أظهرت استعداداً كبيراً لتخطي وجودها والتعاطي مع حكومة أردوغان بشكل هامشي في الأزمة ما أوضح ارتياحاً في الموقف الروسي وثقة يبدو أنهما نابعان من يقين أنّ المعركة حُسمت لمصلحتها.

وليد جنبلاط واحد ممّن عليهم تقبّل هذا المسار وهو يبدو انه يعلن تقبّله لحقيقة أنّ اغتيال علوش هو قرار روسي دولي يحمل الكثير مما يخشاه من خيانة وتصفيات، غالباً ما تحدث في الحروب بين الحليف والحليف. وبعيداً عن هذا، فالرسالة التي تعني جنبلاط مباشرة تتمثل بانهيار آخر أمل يمكن التعويل عليه في دخول عملية سياسية مقبلة يستفيد من بعض شخصياتها جنبلاط كعلوش، بعدما حاول على مدى خمس سنوات التدخل على أكثر من خط في الميدان، ومدّ جسور مع المجموعات المسلحة، فكانت السويداء هدفاً رئيسياً عمل على إخراجها من موقفها الوطني المؤيّد للدولة ورئيسها وجيشها، لكنه لم ينجح في قلب موقف دروز سورية إلى ناحيته، وفشل بالتالي في مساعيه لإنشاء منطقة حكم ذاتي في جبل العرب.

محاولات جنبلاط الحثيثة انتزاع إنجاز واحد في سورية أخذت شكلاً من أشكال المجازفة بسمعته داخلياً التي انكشفت على مصراعيها، وكشف دعمه لتنظيمات إرهابية وجد عن طريقها باباً لتنفيذ مشروعه فسعى لتشريعها، فعبّر بصراحة عن انه يعتبر جبهة «النصرة» تنظيماً معتدلاً ليقطع الشك باليقين. وإذا كان اللبنانيون لم يلتفتوا إلى هوية جبهة «النصرة» فإنّ وليد جنبلاط، بالتأكيد، التفت جيداً أنّ أولى عمليات الجبهة كانت عام 2005 لدى اغتيال الشهيد رفيق الحريري حين عرّف عنها أحمد أبوعدس في شريط فيديو مسجل بثّته قناة «الجزيرة» حصرياً، وعبّر عن الجبهة بأنها الجهة التي نفّذت الاغتيال باسم تنظيم استمع إليه اللبنانيون للمرة الأولى مرة دُعي بِاسم «جبهة النصرة والجهاد في بلاد الشام»!

يعترف جنبلاط اليوم، ببقاء الأسد ويسلّم بفرض الأجندة الروسية ــــ الإيرانية ــــ السورية، فيقول: «إنّ اغتيال زهران علوش في هذه اللحظة يؤكد أنّ روسيا وإيران ستتمسكان بحاكم دمشق على حساب كلّ الشعب السوري مهما كان الثمن». بمعنى آخر يقول جنبلاط انتهت اللعبة فلا تكابروا، وإلا عليكم أن تسقطوا بدل النظام الواحد أنظمة محور حلف بأكمله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى