تفجيرات الزهراء: مَن المسؤول؟
عامر نعيم الياس
حمص وسط سورية وقلبها النابض، لا أحد في هذه الأزمة بات بإمكانه إنكار أهمية المدينة الوسطى التي تربط جنوب سورية بشمالها وشرقها بغربها. حمص هي عقدة الطرق وعقدة أنابيب النفط وعقدة خطوط الغاز. حمص هي عقدة البلاد وصمّام أمانها المانع شطرَ البلاد إلى نصفين. حمص هي الخزان الاستراتيجي للدولة السورية ونقطة ارتكازها الأساسية، المدينة التي حملت كل تلك الصفات كانت يوماً ما «عاصمة الثورة» المفترَضة ومحطَّ رهان الجميع وأولهم النائب اللبناني وليد جنبلاط الذي رمى بأوراقه منذ ذلك الوقت في سلة حي «بابا عمرو»، لكن الرياح جرت بما اشتهت سفينة الجيش السوري وليس أشرعة جنبلاط المشرّعة على أيّ هواء وأية نسمة.
أوائل الشهر الحالي وتحديداً في التاسع منه دخل اتفاق حيّ الوعر حيّز التنفيذ، حلمٌ أرخى بظلاله على كافة تصريحات وأحاديث محافظ حمص طلال البرازي العامة والخاصة، فالرجل الذي نجح في حمص القديمة وحي الحميدية في التاسع من أيار العام 2014، أراد بعد عام ونصف العام تكرار الأمر ذاته، فهو يريد أن يجعل من المدينة مركز المحافظة الأول في سورية الذي شملته اضطرابات عام 2011 وبات خالياً بشكلٍ كامل من المسلحين.
يسلّم الرجل بضرورة التعايش ويجزم أنه لا سبيل عن الاتفاق بين المكونات المختلفة في خياراتها السياسية، فهي لو كانت متضادّة إلى ما لا نهاية لما تعايشت جنباً إلى جنب منذ آلاف السنين. فكرةٌ تختصر المسار الذي رسمه الرجل لنفسه منذ تسلّمه سدّة المسؤولية محافظاً لحمص، لكن التفجيرات الأخيرة وما سبقها من أعمال إرهابية طاولت العديد من أحياء مدينة حمص وخاصةً حيّي الزهراء ووادي الذهب، وقبلها شارع العشاق، كانت تترافق مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع الحمصي تطالب باستقالة المحافظ، وكأنه الشخص الوحيد الذي يتحمّل المسؤولية عما يجري من اختراقات أمنية في المدينة وما يرافقها من مآسٍ يعاني منها المدنيون العزّل الآمنون القاطنون في بيوتهم، والذين يتمنون أن تتمّ المصالحات في المدينة بأسرع وقت ممكن، شأنهم شأن أيّ مواطن شريف في هذه البلاد لا يريد تحمّل كلف استمرار الصراع المسلّح إلى ما لا نهاية في معركة ثأرٍ وثأرٍ متبادل تزيد الفقير فقراً والمستفيد من الثأر والاحتراب مالاً لا ينضب…
وفي هذا الإطار تُطرح العديد من التساؤلات حول الحملة التي تنادي باستقالة محافظ حمص، في خضمّ عملية المصالحة وتنفيذ اتفاق الوعر وإخلاء آخر مسلّح من حمص في غضون ستين يوماً وبرعاية الأمم المتّحدة، فهل فعلاً تقع المسؤولية على محافظ حمص في التفجيرات التي تستهدف الأحياء الآمنة؟ هل المحافظ هو والي المدينة والآمر الناهي فيها، أم أنه جزء من لجنة أمنية وعسكرية تدير شؤون المحافظات السورية، وبهذا المعنى هل المحافظ بما يمثله سواء في حمص أو أيّ محافظة سورية أخرى يستطيع أن يأمر الحواجز المنتشرة في الشوارع بإخلاء شارع هنا أو تعزيز الحماية والتواجد في شارع هناك، هل يا ترى بإمكانه إعطاء القوات المنتشرة في الأحياء أمراً بالانسحاب؟ ماذا عن دور الدفاع الوطني والقوات الرديفة ومقدار سلطة المحافظ عليها، ماذا عن دور لجان الأحياء في حمص ومدى استقلاليتها؟
ولنفرض لم تحصل المصالحة في حمص القديمة، واليوم في الوعر، هل كان الوضع أفضل في مدينة حمص؟ ماذا عن التزامن بين إتمام المصالحات وتكثيف العمليات الإرهابية التي تستهدف الأحياء الآمنة والمدنيين وتستفزّ مشاعرهم تجاه الآخر؟ هل الرابط بين المصالحة والإرهاب، أم أنّ الرابط الحقيقي هو بين المصالحة وبين ذلك المتضرّر من المصالحة والاستقرار؟ مَن هو المستفيد من بقاء حالة التوتر والتخبّط والقلق والشكّ في حمص، مع وجود مسعى من جانب الدولة السورية لإخلاء المدينة نهائياً من الوجود الإرهابي المسلّح؟
المسؤول عن التصعيد هو المستفيد من حال اللااستقرار والتخبّط والتوتر، هو المستفيد من الحرب، وليس مَن يسعى إلى المصالحة وإخلاء المدينة من المسلحين.. فلا رابط بين المصالحة والإرهاب.
كاتب ومترجم سوري