الرمادي أنهت البغدادي…
بغداد ـ مصطفى حكمت العراقي
يُعّد تحرير الرمادي من أهمّ إنجازات الجيش العراقي وحلفائه في مسار الحرب على الإرهاب. ويدق الانتصار مسماراً في نعش «داعش»، ويؤسس لدحره في غرب العراق والموصل.
لخسارة الرمادي تأثير كبير على تواجد العصابات الإرهابية في العراق، فهي عاصمة أكبر محافظة عراقية، وتقع على الطريق الرابط بين بغداد ودمشق وعمّان، وفيها أسّس البغدادي شبكة نقل مسلحي التنظيم الأجانب إلى العراق، وفيها اتّحد مع سلفه أبي مصعب الزرقاوي، ومنها أعلن نواة تنظيمه، ولهذا الانتصار أهمية بالغة فهو سيؤدي إلى انحسار التنظيم الإرهابي في المناطق السنية غرب البلاد، ما يسهم لاحقاً في قطع خطوط إمداد «داعش» وتواصله الجغرافي مع مواقع التنظيم في سورية. كذلك ستنتهي عملياً التهديدات بأي إمكانية لتقدم التنظيم نحو العاصمة بغداد ومدن جنوب البلاد. كما أن ارتفاع الروح المعنوية للجيش العراقي الذي كان له الدور الأبرز في العملية سيفتح الطريق أمام الانطلاق إلى معركة الموصل المفصلية للقضاء على داعش نهائياً… سبعة أشهر بين خسارة الأمن العراقي لعاصمة الأنبار وبين استعادتها، حيث دخلها «داعش»في شهر أيار الماضي..
وعانت المدينة الأمرّين، في ظل سيطرة داعش عليها كحملات القتل الجماعي لأبناء عشائر البونمر والبو فهد وغيرهما.. قبل بدء العملية قدّر التحالف الأميركي أن ألفي مسلح من «داعش» داخل المدينة فتقلّص العدد إلى مئة وخمسين خلال أربعة أيام من العملية، حيث أكدت المصادر الأمنية أن مقبرة البو فراج كانت طريقاً ليلياً لمن هرب من رؤوس داعش صوب الصحراء وهو ما يثير الشك بأن التحالف الأميركي هو من سهّل هروب هؤلاء لدعم نظرائهم في سورية.. بدأت العمليات في الرمادي بعد اكتمال فصول الإعداد لها.. فأسندت العملية لجهاز مكافحة الإرهاب، وكان هو رأس الحربة في اقتحام مواقع داعش بإسناد من الجيش العراقي وابناء عشائر المحافظة.
استمرت العملية أياماً عدة إلى ان تم التطهير الكامل وتركت مهمة مسك الأرض لابناء العشائر وفق توافق سياسي وعسكري… أصداء تحرير الرمادي تميزت بالإشادة والتهنئة على اختلاف مصادرها وأهدافها.. فقد اعتبر مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن تحرير الرمادي هو مقدمة للقضاء على جميع الإرهابيين في العراق. وأكد دعم بلاده للشعب والحكومة العراقيين في مواجهة الإرهاب.. وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر قال إن «طرد تنظيم داعش على يد قوات الأمن العراقية خطوة كبيرة للأمام في الحملة الرامية لهزيمة هذا التنظيم البربري»، على حدّ تعبيره. أبرز التعليقات هو كلام الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي اعتبر استعادة القوات العراقية لمدينة الرمادي هو «الانتصار الأهم» حتى اليوم في التصدي لتنظيم داعش. كلام هولاند يعتبر انعطافة مهمة في الخطاب الرسمي الفرنسي الذي بدأ بالتغير منذ وقوع أحداث باريس الإرهابية، فقامت فرنسا بتنفيذ عدد من الضربات الجوية في العراق وهو ما يوحي أن الرئيس الأقل شعبية في تاريخ فرنسا بدأ يستشعر خطر الإرهاب أكثر وهو يحاول اللحاق بركب القوى المحاربة له قبل القضاء عليه نهائياً. وهذا ما يفسر التحول الواضح في الموقف الفرنسي من سورية وكذلك التنسيق الأمني العالي مع روسيا… لا شك في أن الانتصار في الرمادي له وقع كبير على نفوس العصابات الإجرامية في العراق وسورية، والتي بدأت تتساقط شيئاً فشيئاً، فبعد خروجها من الزبداني والوعر واليرموك ومقتل زهران علوش واقتراب حسم جميع معارك ريف دمشق نجد أن المسبحة بدأت تكتمل بتطهير الرمادي وهو ما يمهّد لتطهير كامل محافظة الأنبار، وصولاً لإعادة الموصل وما تبقّى من أجزاء بسيطة في صلاح الدين إلى سلطة الدولة العراقية.. أما في الجانب السوري فإن تحرير مدينة تدمر الاستراتيجية أصبح أقرب من أي وقت مضى وأن تأمين الحدود العراقية السورية من الجانبين أصبح متاحاً أكثر..
مدينة تدمر التي كان سقوطها نتيجة حتمية لسقوط الرمادي في شهر أيار الماضي سنراها في وقت قريب مؤمنة من الجيش العربي السوري وحلفائه… كل هذه المؤشرات تبشر بقرب خلاص العراق وسوريا من الإرهاب الداعشي وأن العام المقبل سيكون عام تثبيت التسويات السياسية في المنطقة والتي سيكون المنتصر في الميدان هو سيده، وهو من سيفرض شروطه فالحلف السوري ـــ الإيراني ـــ الروسي لن يفرّط بمكتسبات حصل عليها بعد تقديم دماء غزيرة وأن العراق مطالب بشجاعة أكبر للانضمام إلى هذا الحلف على المستويات جميعها.