ما بعد زيارة حزب الله إلى بكركي ليس كما قبلها: عون المرشح الاستراتيجي للخط الاستراتيجي
هتاف دهام
بعد الكلام الواضح لرئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد من على باب بكركي وما يمثل ليس كما قبله عند من كانوا ينتظرون تغييراً ما في موقف حزب الله، وتكمن أهميته أنه رسخ معطيات واضحة ستشكل مرتكزاً دائماً عند طرح الملف الرئاسي بشكل عام.
حمل تصريح أمين السيد كلّ الدلالات وحسم كلّ الجدليات بشأن موقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي، قاطعاً لدابر أيّ تأويل أو التباس. وهو موقف وصفه رئيس المجلس السياسي في حزب الله أنه موقف وطني، معنوي، أخلاقي، ونهائي لحزبه الذي لن يتفاعل مع أيّ جديد في موضوع الاستحقاق الرئاسي، إلا من باب المرشح الاستراتيجي الذي هو رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون.
يُستفاد من هذا الكلام الذي عبّر عنه المسؤول الرفيع في حزب الله من الصرح البطريركي، خلال تهنئته على رأس وفد، البطريرك الماروني بشارة الراعي بعيدَيْ الميلاد ورأس السنة، أنّ المرشح الاستراتيجي للخط الاستراتيجي لا يزال الجنرال عون، كما تقول مصادر مطلعة لـ«البناء» وأنه لا يجب على أيّ طرف سياسي أن يرهق نفسه بإقناع حزب الله بأيّ مرشح آخر، ذلك أنّ كلّ سعي في هذا المجال، يجب أن يحصل بالمباشر مع العماد المستحقّ ميشال عون كما يسمّيه حزب الله صاحب الحيثية الأوسع على الساحة المسيحية وفي الوجدان المسيحي كما على الصعيد الوطني، بدليل أنّ التشرذم الذي ضرب في الصميم أيّ فريق غامر بترشيح سواه من خارج لدنه ولم تنفع إلى حينه محاولات الترميم، حتى بدا الاحتفال بذكرى اغتيال الوزير السابق محمد شطح كأنه تعويم لخيارات هذا الفريق المغامر، فتمّ التركيز على الحفل كمناسبة شكلية للجميع بمجرد المشاركة فيه والحضور.
قدّم كلام أمين السيد مادّة نهائية تحتسب بحاصل النتيجة، أنه لم يعد في الإمكان الحديث عن مبادرة من دون لحظ هذه المعطيات لموقف الحزب خارج التحليل، فهو قطع الطريق بشكل نهائي على كلّ محاولات وضع حزب الله ككاسحة ألغام أو رافعة لمبادرة لم تولد أصلاً.
لقد باتت الأمور أكثر وضوحاً واستقراراً من أيّ وقت مضى. لن يستطيع أحد بعد اليوم، كما تقول المصادر، أن يتجاوز جنرال الرابية في الاستحقاق الرئاسي، كما لا يستطيع أحد أن ينزل مرتبة واحدة عن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. هذه هي من حسابات التهوّر القليلة والحاسمة، عندما يلعب الآخرون ويعبثون في الحديقة الخلفية للغير.
وإذا كان العنوان إعطاء زخم للاستحقاق الرئاسي، فهذا الأمر مطلوب من الجميع وليس حكراً على أحد والبطريرك الماروني يعرف جيداً، أنّ ما من أحد يرغب في استمرار الفراغ في الموقع الأول، لكن في الوقت ذاته لا أحد يرغب باستعادة تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان، أو أن يكون الاستحقاق استحقاقاً بذاته وبمعزل عن قانون جديد للانتخابات يعيد تكوين السلطة ويفرز الحكومات ورؤساءها.
صحيح، أنّ الاقتراح كان جدّياً ومدعوماً دولياً في مراحله الأولى، وتبيّن مع الوقت أنه مناورة، فتفرمل بحسب المصادر، إلا أنّ الأهمّ ما هو جدّي ويتمثل بتزخيم الاستحقاق وليس السير بمرشحين بديلين، إذ إنّ الأصيل عند فريق 8 آذار والتيار الوطني الحر يبقى أصيلاً، طالما أنه مرشح استراتيجي لهذا الخط، والبطريرك الماروني المعني بالرئاسة و«مارونية» الرئاسة وبالمبادرة الأخيرة تبلغ موقف حزب الله بشفافية، وعليه فإنّ أيّ حديث عن تفعيل المبادرة أو الرهان على لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس الإيراني حسن روحاني في نهاية الشهر الأول من العام المقبل، نوع من الملهاة وتعبئة الفراغ ما دام الموقف الأساسي الحاسم قد جرى تقديمه بهذا الوضوح الخالي من أيّ التباس.
ولذلك، لا يجب أن يتحوّل تحريك المياه الراكدة في الاستحقاق الرئاسي إلى بركان، بل على العكس يجب أن يهدف إلى حصول الاستحقاق في أجواء هادئة وناضجة وطبيعية، وبنتيجة مسار ديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للدولة اللبنانية في إرساء قواعد الحكم القوي والرشيد.
يعيش الجنرال عون هدأة نفسية عبّر عنها بالأمس، بيان تكتل التغيير والإصلاح عقب الاجتماع الأسبوعي في الرابية، من حيث الصفح وتنقية القلوب من رواسب المناورات والهدوء والتصميم على إنقاذ الوطن ورفض الإملاءات الخارجية.