تقرير
كتبت صحيفة «مونيتور» الأميركية: عندما توفي العاهل السعودي الملك عبد الله في كانون الثاني 2015، كانت صورة المملكة العربية السعودية الدولية مثيرة للقلق. ورأى بعض المحللين أن المملكة مسؤولة عن الصعود المفاجئ لتنظيم «داعش». الرياض دعمت عام 2013 انقلاب عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس محمد مرسي في مصر، والجيش السعودي استخدم لاحتواء انتفاضة شعبية في البحرين عام 2011.
كانت البلاد بحاجة ماسة إلى إعادة بناء صورتها. عندما أعاد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود تشكيل مجلس الوزراء السعودي في كانون الثاني 2015، وقام بتعيين عادل الطريفي وزيراً للثقافة والإعلام، فسرت هذه الخطوة كرد فعل يمكن التنبؤ به للظروف المشار إليها، وعلى أنه تغيير في السياسات الثقافية في المملكة.
وصف الطريفي بالشاب الليبرالي والصحافي التكنوقراط. في الواقع، الطريفي بدأ عمله كصحافي يكتب لصحيفة «الوطن» السعودية بين عامَي 2002 و2005، ثم كصحافي في «الرياض» السعودية.
وفي عام 2010، أصبح الطريفي محرراً ورئيس تحرير مجلة «المجلة» ومقرها لندن، وبعد ذلك تم تعيينه رئيساً لتحرير صحيفة «الشرق الأوسط» في عام 2013. وفي نشرين الثاني 2014، تم تعيينه المدير العام لقناة «العربية» الممولة سعودياً.
كان الطريفي الاختيار الذكي لوزارة الثقافة والإعلام منذ كان من ذوي الخبرة مع كل من وسائل الإعلام العربية والغربية. ومع ذلك، ما جعله فريداً من نوعه، مقارنة مع مرشحين آخرين، كانت خبرته الطويلة الإعلامية والخبرة الأكاديمية المتعلقة بإيران. في الواقع، هناك أدلة متزايدة على أن الطريفي شخصية مهمة في تشكيل السياسة السعودية تجاه إيران.
يعود اهتمام الطريفي بالشأن الإيراني إلى بداية الألفية الثالثة عندما كان كاتب عمود في صحيفة «الرياض». كتب الطريفي عدداً من المقالات التي تركّز على السياسة الداخلية الإيرانية. وعلاوة على ذلك، كان مسؤولاً عن جميع وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية، والتي كانت تموّلها السعودية، والتي تم إطلاقها في السنوات الخمس الماضية. أقام موقع المجلة الناطق باللغة الفارسية في عام 2010، وعندما انتقل إلى صحيفة الشرق الأوسط، بدأت النسخة الفارسية من الصحيفة.
منذ تعيينه وزيراً، واصل الطريفي التركيز على وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية. في 10 كانون الأول، تم تدشين موقع «الإخبارية» الناطق باللغة الفارسية. ومن المقرر أن يتم إطلاق قناة جديدة ناطقة باللغة الفارسية تموّلها السعودية قريباً.
ولم تقتصر اهتمامات الطريفي بالشأن الإيراني على الجانب الإعلامي، بل شمل ذلك أيضاً الجانب الأكاديمي.
كتب الطريفي رسالة الدكتوراه الخاصة به حول العلاقات السعودية ـ الإيرانية بين عامي 1997 و2005، والتي من أجلها أجرى مقابلة مع السياسيين السعوديين ذوي النفوذ بينهم وزير الخارجية عادل الجبير، والأمير تركي الفيصل.
في الواقع، يمكن القول إن الطريفي هو العضو الحالي الوحيد في مجلس الوزراء السعودي الذي يحظى بمعرفة أكاديمية واسعة في الشأن الإيراني، كما تربطه اتصالات مع بعض الإيرانيين في الخارج، فضلاً عن مشاركته في المبادرات الإعلامية الناطقة باللغة الفارسية، والتي تمت بتمويل سعودي.
وكان الطريفي أكد خططه لتكثيف استخدام بلاده وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية، وفي 10 كانون الاول، قال للإذاعة الوطنية العامة: «من الأفضل أن يعرف الإيرانيين كيف نعيش. أنه نوع من الحوار بين الناس».
هناك بعض القرائن على أن الطريفي هو في الواقع أكاديمي ليبرالي التفكير. على سبيل المثال، هو صديق مقرب من منصور النقيدان، سعودي أصولي سابق يتبنى الآن التفسير المتحرر للإسلام. هناك ترجيحات بأن الطريفي والنقيدان من أصدقائه شهدا التحول نفسه. في مقابلة عام 2004 مع مجلة «نيويورك تايمز» الأميركية، قال الطريفي بصراحة: «يجب علينا أن نكون صادقين. الوهابية كانت مصدراً للعنف منذ بداية تاريخها».
ولكن كيف ستكون ميول الطريفي الشخصية مفيدة في تحديد مسيرته في الحكومة؟ ليس كثيراً، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار التأسيس الديني للملكة العربية السعودية. قبضة علماء الوهابية على أجزاء مختلفة من هيكل السلطة في المملكة العربية السعودية، وإصرارهم على الدعاية المناهضة للشيعة، هي قوية جداً بحيث لا يمكن أن يتم التخفيف من قبضتها عن طريق الطريفي.
في الواقع، سلفه عبد العزيز بن محيي الدين خوجة فقد على ما يبدو وظيفته بسبب عدم مبالاته بالمؤسسة الدينية السعودية عندما أغلق قناة «وصال» المتطرفة في أعقاب الهجمات الإرهابية التي استهدفت احتفال ديني شيعي في الإحساء في تشرين الثاني عام 2014. استأنفت قناة «وصال» الفضائية التي اشتهرت بنشر الدعاية المناهضة للشيعة، بث برامجها بعد بضعة أيام فقط من استقالة أو إقالة خوجة، وفقاً لبعض التقارير.
في رسالة إلى الملك الراحل عبد الله، حذّر خوجة من الهيمنة المتزايدة للمؤسسة الدينية السعودية داخل المملكة وتدخلها في الشؤون الحكومية. وكان خوجة أيضاً يبدي اهتماماً خاصاً إزاء مسار العلاقات السعودية مع إيران، وحث الملك على استئناف المفاوضات المباشرة مع طهران.
على عكس سلفه، ومع ذلك، الطريفي يبدو أكثر وعياً في شأن حساسيات المؤسسة الدينية السعودية، فضلاً عن الأجواء الحالية المعادية لإيران في بلاده. ورافق الطريفي محمد الأنصاري، مدير قناة «وصال» الناطقة باللغة الفارسية، في حفل إطلاق تلك القناة للحجاج الإيرانيين خلال موسم الحج في أيلول الماضي.
هذا يدل على المساحة المحدودة للمناورة لدى الطريفي عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل الدعاية الوهابية والمسائل المتعلقة بإيران. وكانت الخطوة بلا شك استجابة مناسبة للتدابير التي اتخذت مؤخراً من قبل الإيرانيين، الذين أغلقوا في كانون الثاني الماضي 17 من مكاتب القنوات التلفزيونية الفضائية بتهمة التحريض على المشاعر المعادية للسنّة.
في بحثه عن الأسباب وراء تراجع التقارب بين إيران والسعودية بين عامَي 1997 و2005، حدّد الطريفي ثلاث عقبات في أطروحته: «خلافات دينية عميقة، وجود فجوة ثقافية بين المجتمعين وقضية الأمن الإقليمي». من خلال دوره كعضو في مجلس الوزراء، يمكن أن يكون للطريفي تأثير إيجابي على كل هذه المشاكل. ومع ذلك، فإن المشاريع الجديدة التي بدأتها وزارة الثقافة والإعلام السعودية تعمل على توسيع الفجوة الثقافية وتكثيف الخلافات الدينية بين الإيرانيين والسعوديين.