رعاة «الدواعش» يتحالفون مجدداً: تركيا و«إسرائيل»!!

د . رفعت سيد أحمد

بعد انقطاع شكلي في العلاقات بين تركيا و«إسرائيل»، عادت المياه إلى مجاريها حيث توصل الحليفان إلى اتفاق سري في سويسرا يتمّ بمقتضاه دفع تعويضات «إسرائيلية» لضحايا السفينة مرمرة ، مقابل عودة السفراء وبدء مباحثات لإعادة تصدير الغاز «الإسرائيلي» إلى تركيا، مع الاتفاق مجدداً على طرد بعض قيادات حماس من أنقرة، ومنهم القيادي الحمساوي صالح العاروري الذي تربطه صلات وثيقة بكتائب عزالدين القسام الجناح المسلح لحماس، قبل أن يتمّ تحريره من الأسر الصهيوني.

البعض ممّن لا يقرأ التاريخ جيداً، يتصوّر أنّ هذه العلاقات بين الجانبين، خاصة في عهد أردوغان، كانت طارئة أو متوترة ، ولكن الواقع والتاريخ يقول إنّ تلك العلاقات كانت قديمة ولم يكن التوتر سوى على سطح الأحداث وأنهما أنقرة وتل أبيب تشتركان سوياً في وظيفة واحدة تجاه المنطقة العربية وهي تفكيك المنطقة، ورعاية وتمويل دواعشها أيّ تنظيمات التطرف والغلوّ الديني ، والتخديم على المشروع الأطلسي الأميركي في المنطقة، والذي يأتي ضرب المقاومة العربية وحماية أمن «إسرائيل» وسرقة النفط العربي على قمة أولوياته ودعونا نفصل قليلاً:

أولاً: العلاقات الإسرائيلية التركية أقدم وأعقد من أن يدّعي أردوغان كذباً أنه قد قطعها، فهذه العلاقات تمتدّ إلى العام 1949 حين كانت تركيا هي أول دولة في العالم تعترف بـ«إسرائيل»، وكان ذلك في 28 آذار/مارس 1949. والتاريخ يقول لنا إنها كانت تاريخياً في صفّ الأعداء، فلقد انضمّت إلى حلف بغداد المعادي لمصر عبد الناصر عام 1955، وأيّدت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والتدخل الأميركي في لبنان، ونشر قوّتها على الحدود العراقية للتدخل في إسقاط ثورة 14 تموز/يوليو 1958، إضافة إلى تلويحها المستمرّ بقطع المياه عنه أو تخفيض حصة سورية والعراق من المياه وإنشاء السدود والخزانات لإلحاق الضرر بالزراعة في العراق وسورية، وانتهاكها المستمرّ لحرمة الأراضي العراقية منذ عام 1991 ولحدّ الآن بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي P.K.K مستغلة الأوضاع القلقة في شمالي العراق، وتتعاون بقوة مع أميركا والكيان الصهيوني في مجال التصنيع العسكري للصواريخ وشبكات الليزر التكتيكية المضادّة للصواريخ والتي تحمل اسم نويتلوس ، وهي شبكة تمّ نشرها في أواخر عام 1997 وثمة اتفاقات عديدة بين تركيا والكيان الصهيوني على إنتاج صاروخ «بوياي ـ جو أرض» والذي تنتجه تركيا لصالح الكيان الصهيوني، وتآمرها الواضح على وحدة الأراضي السورية تحت مسمّى وهمي اسمه دعم «الثورة السورية»، فضلاً عن محاولاتها المستمرة لاحتواء حركة حماس وتحويلها إلى حركة «إخوانية» سياسية تستخدم لضرب مصر بعد 30 حزيران/يونيو، وسورية بعد انتصاراتها على دواعش الداخل وبعد التدخل الروسي الحاسم هناك، ولعلّ زيارة خالد مشعل ولقاءه أردوغان الأسبوع الماضي يؤشر إلى ذلك وله دلالات خطيرة! خاصة أنّ مشعل محسوب على التنظيم الدولي للإخوان أكثر من كونه محسوباً على حركات المقاومة الفلسطينية في الداخل!

ثانياً: حتى يفهم من لا يريد أن يعرف حقيقة النظام التركي، وعلاقات دولته الممتدة بإسرائيل، لا بدّ من العودة إلى التاريخ الذي يحدثنا أنه في 1958، وقع داڤيد بن غوريون وعدنان مندريس اتفاقية تعاون ضدّ التطرف ونفوذ الاتحاد السوڤياتي في الشرق الأوسط. وفي 1986 عيّنت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب. وفي 1991 تبادلت الحكومتان السفراء وفي شباط/فبراير وآب/أغسطس 1996، وقّعت حكومتا تركيا و«إسرائيل» اتفاقيات تعاون عسكري. وقد وقع رئيس الأركان التركي چڤيق بير على تشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية مشتركة، ومناورات مشتركة، منها تدريب عروس البحر ، وهي تدريبات بحرية بدأت في كانون الثاني/يناير 1998، ثم تدريبات مع القوات الجوية، كما يوجد عدة آلاف من المستشارين العسكريين الإسرائيليين في القوات المسلحة التركية. وتشتري تركيا من «إسرائيل» العديد من الأسلحة وكذلك تقوم «إسرائيل» بتحديث دبابات وطائرات تركية.

منذ 1 كانون الثاني/يناير 2000، أصبحت اتفاقية التجارة الحرة «الإسرائيلية» ـ التركية سارية المفعول.

ومن قبل فقد شهد العام 1994 أول زيارة لرئيسة الوزراء التركية تانسو تشيلر إلى «إسرائيل» لأول مرة وبعدها، ظهرت الاتفاقيات العسكرية السرية إلى النور في 1996 بتوقيع الاتفاقية الأمنية العسكرية التي اعتبرت مخالفة للقانون التركي، لأنها وقّعت من دون موافقة لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان التركي، ومع ذلك استمرّت حتى يومنا هذا 2015 رغم الانقطاع الشكلي في العلاقات الدبلوماسية.

وتضمّنت الإتفاقية إقامة مناورات مشتركة برية ـ بحرية ـ جوية، وتبادل الخبرة في تدريب الطيارين المقاتلين وتبادل الاستخبارات الأمنية والعسكرية بخصوص المشاكل الحساسة مثل الموقف الإيراني والعراقي والسوري، إضافة إلى تعاون وثيق في صيانة وإحلال وتجديد سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي التركي بقيمة تتجاوز ملياري دولار.

3 – وحتى 2015 لا تزال عقود التسلح تمثل صلب التعاون العسكري بين أنقرة و«إسرائيل» بل تضاعفت عما كانت عليه عام 2006 وتحوّلت إلي شراكة استراتيجية منحت شركات الأسلحة «الإسرائيلية» عقوداً معلنة وسرية لتطوير الدبابات M60 وتحديث المقاتلات إف-16 وإف-5 وبيع طائرات بدون طيار.

4 – ومن إجمالي الحركة التجارية بين البلدين كانت عقود الأسلحة تمثل بين 65 و 72 ، وبينما وصل التعاون العسكري في العام الحالي 2015 بين تركيا و«إسرائيل» إلي 2.5 مليار دولار فإنّ الاتفاقيات الموقعة والتي لم تلغ حتى الآن ترفع الرقم إلى 4.5 مليار دولار وهو حجم الصفقات والتعاون بين البلدين في 2015.

5 – التعاون الاستراتيجي في العلاقات الاقتصادية تفيد معطيات وزارة التجارة والصناعة «الإسرائيلية» بأنّ تركيا تحتلّ المرتبة السادسة في قائمة الصادرات «الإسرائيلية» لدول العالم. الناطق بلسان الوزارة يشير إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين تركيا و«إسرائيل» شهد تطوراً هائلاً ونبّه إلى أنه ارتفع من 300 مليون دولار في 1997 إلى 3.1 مليارات دولار عام 2010 وفيه بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لأنقرة ملياراً وربع المليار دولار. واليوم 2015 يقترب الرقم من 5 مليارات دولار.

6 وبالعودة إلى الاتفاقية الأمنية العسكرية سنة 1996 بين تركيا و«إسرائيل» نجد أنّ من أبرز بنودها والتي تنفذ اليوم 2015 في ظلّ حكومة أردوغان صديق «الإخوان المسلمين» وراعي الإرهاب فى سورية ومموّله في ليبيا:

أ- خطة لتجديد 45 طائرة f – 4 بقيمة 600 مليون دولار، تجهيز وتحديث 56 طائرة f – 5، صناعة 600 دبابة m 60، خطة لإنتاج 800 دبابة إسرائيلية «ميركافه»، وخطة مشتركة لإنتاج طائرات استطلاع بدون طيار، وخطة مشتركة لإنتاج صواريخ أرض جو «بوبي» بقيمة نصف مليار دولار بمدى 150 كم.

ب – تبادل الخبرة في تدريب الطيارين المقاتلين.

ج – إقامة مناورات مشتركة برية بحرية – جوية.

د – تبادل الاستخبارات المعلومات الأمنية والعسكرية بخصوص المشاكل الحساسة مثل الموقف الإيراني والعراقي والسوري، وطبعاً التجسّس على الفلسطينيين واللبنانيين المقاتلين.

هـ – إقامة حوار استراتيجي بين الدولتين.

و – التعاون الاقتصادي تجاريا، صناعيا وعسكريا .

خلاصة القول هنا إنّ والعلاقات التركية – الإسرائيلية تتحكم فيها عناوين ثلاثة: مشروع أنابيب السلام، واتفاق التعاون الاستراتيحي، واتفاق التجارة الحرة. هذا ويتلخّص مشروع «أنابيب السلام» في إقامة محطة بمنطقة شلالات مناوجات التركية لتزويد «إسرائيل» بكمية 50 مليون طن سنوياً من المياه لمدة 20 عاماً.

ثالثاً: تقوم كلّ من «إسرائيل» وتركيا بدعم وتدريب وتهريب نفط للجماعات المسلحة التي تقاتل فى سورية والعراق، وتستخدم في ذلك القواعد العسكرية الأميركية التي تحتلّ تركيا تلك الدولة التي يزعم أردوغان صباح مساء أنها دولة حرة مستقلة ويردّد خلفه أنصاره من تيارات الإسلام السياسي المتأمرك نفس المقولات كالببغاوات دون تفحّص وتأمّل .

إنّ أبرز هذه القواعد العسكرية التي تتواجد في تركيا أردوغان وتموّل الإرهابيين وتدرّبهم بإشراف الموساد «الإسرائيلي»:

قاعدة أنجرليك قاعدة سينوب قاعدة بيرنكيك قاعدة كارنما يردن قاعدة أزمير الجوية قاعدة بلياري قاعدة أنقرة الجوية قاعدة سيلفلي قاعدة الاسكندرونة ويومورتاليك .

هذه القواعد وغيرها 23 قاعدة عسكرية أميركية وغربية تمثل الأداة الأكبر في التفكيك والتآمر على الدول العربية وفي رعاية الحركات الإرهابية، والطريف في الأمر أن تعلن تركيا انضمامها إلى الحلف الإسلامي الذي أعلنته السعودية لمقاومة الإرهاب، دون أن تستحي، فكيف لرعاة الإرهاب أن يقاوموه؟! إنّ مجرد وجود تركيا وقطر داخل هذا الحلف، كفيل بتفجيره من داخله، لأنهما أصلاً من صنّاع ورعاة ومدرّبي الإرهاب في منطقتنا!

على أي حال… إن التطبيع الجديد للعلاقات التركية الإسرائيلية، جاء في المحصلة الأخيرة ليكشف للمخدوعين من نشطائنا وقوانا الإسلامية، أنّ العدو الإرهابي واحد، وأنه في هذه اللحظة التاريخية تحديداً – ذو وجهين… وجه تقف عليه صورة تل أبيب والآخر صورة أنقرة أردوغان، فلا تنخدعوا بعد ذلك برطانة أردوغان وهجومه على «إسرائيل» توأم دولته في العدوان علينا… رجاءً!

E mail : yafafr hotmail . com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى