عام جديد… انقسام فلسطيني مستمرّ وحروب تدميرية عربية متواصلة
راسم عبيدات
عام 2015 وصل إلى خط النهاية وبدأ عام جديد. والمشهدان العربي والفلسطيني بقعتان مضيئتان في بحر من الظلمات. فلسطينياً شلال الدم الفلسطيني ينزف بغزارة، ورغم هذا الشلال النازف، ما زالت الساحة الفلسطينية منقسمة على نفسها. ولا آفاق لوحدة وطنية تنهي هذا الانقسام، هبّة شعبية تتطور في الميدان وتحتاج الى حماية سياسية تحميها من المراوحة في مكانها أو الخفوت والتراجع، ولكن ما زال التردّد سيد الموقف، هذه الهبّة أو الطور الانتفاضي، ولا نريد أن نخوض جدالاً بيزنطياً حول التوصيف، بل في الجوهر هذه الهبّة كمحطة نضالية بدّدت الأوهام وكسرت حالة التراخي وقالت بشكل واضح إنّ طريق مدريد ـ أوسلو لن تقود الى حلّ ودولة، هي أربكت المحتلّ، وقلبت حسابات أجهزته الأمنية، ونسفت المنظومة الفكرية والأمنية والسياسية لهذا العدو المتغطرس، من دون أن تحدث تحولاً استراتيجياً بالوصول الى إنهاء الاحتلال، او تفكيك تمظهرات هذا الاحتلال وأشكال تجلياته سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً إلخ… ، هذا الفعل الانتفاضي الميداني او الاشتباك لا يمكن له أن يحقق نتائج سياسية ملموسة ويصل الى هدفه بجلاء الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون الركائز الوطنية الموحدة وفي المقدّمة منها الركيزتان السياسية والتنظيمية، وكذلك التوحد في الميدان، والتلاحم والتعاضد الاجتماعي، والفكاك التدريجي عن اقتصاد المحتلّ، هذه شروط جوهرية تكفل وتضمن تحوّل الفعل الميداني الى خيار سياسي بديل لأوسلو والانقسام، مستلهمين الخبرة والتجارب من الهبات والانتفاضات السابقة، وعلى وجه التخصيص، الانتفاضة الأولى – انتفاضة الحجر 1987-، مع مراعاة تغيّر الشروط والظروف والواقع الميداني، ولإنجاز تحقيق ذلك، يحتاج الأمر الى هدف وطني ناظم، تلتف حوله الجماهير والمركبات السياسية بمختلف تلاوينها وألوان طيفها، هدف إنهاء الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، هذا ما يحمي الاشتباك الانتفاضي ويوسع قاعدته ويشكل سياجاً حامياً له من «تغوّل» و«توحش» إجراءات الاحتلال وممارساته القمعية وجرائمه وهجومه المتصاعد.
أما عربياً فالحالة العربية، تعيش في مرحلة انحطاط غير مسبوق، لم تشهد مثلها الأمة العربية منذ أكثر من مئة عام أو أكثر، حيث الانقسام والتشظي على أساس مذهبي وطائفي، وحروب تدمير عربية ذاتية، مموّلة من قبل العرب أنفسهم، أموال تدفع ومرتزقة يستجلبون من كلّ أصقاع الدنيا، ناهيك عن الأسلحة التي يجرى تزويدهم بها بأموال عربية، والنتيجة تدمير البلدان العربية، تقتيل شعوبها، تهجيرها القسري، نهب خيراتها وثرواتها، تدمير الحضارات بفعل عصابات الإرهاب والتكفير المستجلبة لسورية والعراق ومن قبلهما ليبيا، تفكيك الجيوش وتدمير كل مؤسسات الدولة.
صحيح بأن «داعش» تتراجع وتحتضر، ولكن الدول العربية، وبالذات مشيخات النفط والكاز التي موّلت تلك الحروب، في العراق وسورية واليمن، وقبل ذلك ليبيا، في إطار حقد مذهبي وطائفي، وحتى شخصي من مشيخات النفط ضدّ القيادة السورية، هي لن تستطيع أن تفي بوعودها لمن موّلتهم من أجل التدمير والتقتيل، بإعادة الإعمار، فمن أعطوا الضوء الأخضر من قطريين وسعوديين وأتراك للمعارضات السورية، والتي يغلب عليها الإرهاب والتكفير، لكي يدمّروا سورية ولا يترك فيها حجر على حجر، وكذلك من وعدوا اليمنيين بأنّ يعود اليمن سعيداً، وتصبح أرضه لفقراء اليمن الذين يقتلون ويذبحون يومياً بقصف طائرات ما يسمّى «التحالف العربي»، أرض اللبن والعسل، وكذلك وعد القيادة العراقية بإعادة إعمار العراق والمناطق التي يجرى تحريرها من «داعش» وغيرها من عصابات القتلة والتكفيريين والإرهابيين، تزداد صعوبة وتعقيداً، فالحروب التدميرية لم تضع أوزارها بعد، وكلفة الإعمار كبيرة وتحتاج الى أرقام فلكية، ومن وعدوا بإعادة الإعمار، لن يتمكنوا من إعادة الإعمار لأسباب عدة، يقف في مقدمها أنّ تلك الحروب لم تستطع آن تحسم مصير تلك البلدان لمصلحة أهدافها ومشاريعها في المنطقة، وكانت حروباً فاشلة بامتياز، بل شكلت صدمة وهزيمة لمشاريعها، وقدرتها على تمويل إعادة الإعمار أو تمويل استمرار تلك الحروب تتراجع، حيث أن أسعار النفط تهبط بسرعة قياسية لتصل الى ما دون ثلاثين دولاراً للبرميل الواحد، وعجز الموازنات الخليجية المتزايد سنة بعد أخرى، وتآكل احتياطاتها ومخزونها، حرباً تلو الأخرى، وموازنة إثر أخرى، والسعودية تودع العام الماضي وتستقبل العام الجديد بعجز في ميزانيتها لا يقلّ عن 87 مليار دولار، وسيزداد مع ازدياد الحرب العدوانية على فقراء اليمن، واستمرار تمويل العصابات التكفيرية والإرهابية في سورية وغيرها، ناهيك عن تقديم الرشاوى لوكلاء حروبها، أو لشراء ذمم نافذين وأصحاب قرار في العديد من الدول، لكي تضمن تصويتها أو وقوفها الى جانبها في استمرار حروبها ومواقفها ضد اليمن سورية بالتحديد.
أما قطر بلد الرفاه والتي أموال النفط نفختها كثيراً وأعطتها أكبر من حجمها بفضل الغاز والبترول الذي تملكه، وأسطولها الإعلامي «الجزيرة» التي كانت تلعب دوراً كبيراً في الخداع والتضليل وقلب الحقائق، هي كذلك تستقبل هذا العام بعجز لا يقل عن 13 مليار دولار، في حين العراق المثخنة بالجراح، والتي لم تخرج من حروبها المتلاحقة، فموازنتها لعام 2016 ستعاني من عجز لا يقل عن 26 مليار دولار.
تلك العجوزات مرشحة للارتفاع والتضاعف مع استمرار حروب التدمير الذاتي، واستمرار انخفاض أسعار النفط، وبالتالي لن تكون تلك البلدان قادرة على الوفاء بعشر أو أقل ما وعدت به من أموال ستضخ للإعمار بعد توقف الحروب التي أشعلتها ومولتها، أو هي ستحجم عن ذلك كلياً فنتائج حروبها المدمرة، كانت فاشلة بامتياز وأنتجت أنظمة أكثر حقداً وكرهاً لها.
لا أعرف البلدان التي ابتلاها الله بالإرهاب، بعد التخلص من الإرهاب، ستكون أمام تحديات كبرى، توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار والتنمية، بناء نظام سياسي جديد ودستور عصري، يحترم كل مكونات المجتمع وحقوقها أفراد وجماعات وأثنيات ويشركها في القرار والسلطة والحكم، تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، ومعالجة ملفات المهجرين قسراً.
الأسباب والظروف والعوامل التي أنتجت «داعش» ستنتج «دواعش» أشدّ فتكاً وأكثر خطورة، ما لم تجر معالجة أسباب انتشارها وتغلغلها، فـ»داعش» كالطحالب تنمو مع وجود الجهل والفقر والتخلف والتهميش والإقصاء والشعور بالظلم والاضطهاد، هي عوامل يجب العمل على معالجتها واجتثاثها بشكل تدريجي، وما أنا متأكد منه هو أنّ عدم الوفاء بإعادة الإعمار سيدفع بالأمور نحو انعدام الثقة والرغبة بالثأر والانتقام، وقطاع غزة خير شاهد ودليل، الانتقام والثأر من الدول التي دمّرت بلدانها بتمويل جماعات الإرهاب والتكفير.
ورغم كلّ ذلك ما زلنا نثق بأنّ عام 2016، سيشهد انبلاج فجر عربي جديد، عنوانه القضاء على الإرهاب والجماعات التكفيرية، وتحجيم دور مشيخات النفط والكاز العربي، لصالح مشروع قومي عربي، ترسم ملامحه سورية والعراق واليمن وتونس والجزائر وغيرها من البلدان العربية.
Quds.45 gmail.com