الفن التشكيلي السوري يزدهر في 2015… والمركز الوطني للفنون البصرية أهم المنجزات
محمد سمير طحان
شهد عام 2015 استمراراً لمعرضَي الربيع والخريف اللذين تقيمهما سنوياً مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة السورية مع توسع ملحوظ في عدد المشاركين عن السنوات السابقة، وبسويّات فنية أفضل، خصوصاً في معرض الربيع الذي يضمّ التشكيليين تحت سنّ أربعين سنة إلى جانب عودة أسماء لامعة إلى معرض الخريف بعد انحسار عدد المشاركين في السنوات السابقة خلال الأزمة لأسباب متعددة.
على مستوى المواضيع التي قدمت في المعرضين المذكورين، خرجت الأعمال من دائرة الطرح المباشر للأزمة التي نعيشها فتنوّعت المواضيع والتقنيات وصار الطرح أكثر عمقاً ونضجاً، مع الإشارة إلى أن مديرية الفنون الجميلة اعتمدت هذه السنة نظام المسابقة عوضاً عن الاقتناء للأعمال المشاركة ما فتح باب المنافسة بين الأعمال المقدّمة.
كما نشطت مديرية الفنون الجميلة في مجال الملتقيات التشكيلية المنوعة بين التصوير الزيتي والنحت بأنواعه فشهدت عدة محافظات فعاليات عدة منها ملتقى النحت على الخشب وملتقى النحت الدائم وملتقى مهرجان الشيخ صالح العلي في محافظة طرطوس، وملتقى أغافي في اللاذقية وملتقى التصوير الزيتي في دمشق وغيرها من الملتقيات التي قدمت حراكاً فنياً وثقافياً غنياً نتجت عنه أعمال تشكيلية ذات قيمة عالية، خصوصاً تلك التي زيّنت ساحات المدن والقرى التي احتضنت تلك الملتقيات.
وجاءت هذه الملتقيات بعدد أكبر وسوية فنية أعلى من تلك الملتقيات التي شهدتها السنوات السابقة لتعكس عمق الرؤية لدى وزارة الثقافة بأهمية العمل والحراك التشكيلي وما يحققه هذا العمل الفني الثقافي الراقي من تحريض على العمل والحوار والتنافس لإغناء الحركة التشكيلية السورية في ظل جمود عام في العمل التشكيلي بسبب انحسار التسويق.
واللافت أن هذه الملتقيات التي أطلقتها مديرية الفنون الجميلة أتت بالتعاون مع جهات خاصة منها ما له علاقة بالفن التشكيلي بشكل مباشر ومنها ما له علاقة بالسياحة وغيرها من الاعمال الاستثمارية وهذا مؤشر جيد يدل على تنبه الفعاليات لأهمية الفعل الثقافي التشكيلي وضرورة دعمه ورعايته.
بعض الصالات الفنية الخاصة انتعشت في عام 2015 فمنها من أعاد فتح أبوابه واستضافت معارض مشتركة وفردية ومنها من استضاف ملتقيات تشكيلية وورش عمل فنية وحققت هذه الفعاليات حضوراً جيداً من قبل الجمهور المتابع الشأن التشكيلي إلى جانب تغطية جيدة من قبل الاعلام، ما عكس تعطّشاً لدى المهتمين لهذه النشاطات والفعاليات وأعطى رسالة لباقي الصالات الفنية الخاصة بإمكانية العودة لمتابعة نشاطها في السوق الفنية السورية على رغم محدودية المبيعات ما يمكن أن يؤسس لاستثمار مستقبلي مهم في الفنّ التشكيلي السوري.
كما كان لافتاً افتتاح صالات فنية خاصة جديدة في عدّة محافظات منها اللاذقية وطرطوس والسويداء، ما عكس حالة ثقافية معبرة عن عمق الوعي لأصحاب هذه الصالات في أمل أن تكون بادرة تحرض على المزيد من هذه المشاريع الثقافية للاستثمار فيها لأنها الحصن الثقافي والفكري والحضاري القوي في وجه الموت الظلامي الذي يحاول أن يلغي حضارتنا ووجودنا.
على مستوى التواجد الخارجي للفنّ التشكيلي السوري كان هناك مشاركات كثيرة لأسماء لامعة في التشكيل السوري في الكثير من مدن العالم سواء في معارض فردية أو ملتقيات تشكيلية أو مسابقات ومعارض جماعية إلى جانب حضور الأعمال التشكيلية السورية في أهم المزادات العالمية والتي تثبت يوماً بعد يوم قوة حضورها في هذه المزادات وتحقق أعلى الأرقام في اسعارها وتصنيفها العالمي. وهذا يعود الى أهمية الفنان التشكيلي السوري وقيمة ما يقدمه من فن يحمل تراثاً وحضارة.
وجاء افتتاح المركز الوطني للفنون البصرية مع الربع الأخير من عام 2015 ليتوج عملاً طويلاً وتحقيقاً لحلم التشكيليين السوريين بامتلاك مكان فني بمواصفات عالمية قادر على استضافة أهم الأعمال الفنية العالمية بما يحويه من شروط عرض مثالية بالمقاييس العالمية مع كل إمكانات الحماية من جميع الأخطار مع قدرته على استضافة ورش عمل متنوّعة في غالبية التخصصات التشكيلية. ويتمتع المركز عبر مساحته البالغة 1300 متر مربّع بقاعات متعدّدة للمحاضرات ومكتبة غنية تضمّ عدداً كبيراً من الكتب القيّمة في الفن التشكيلي والفنون والثقافة، إضافة إلى وجود مسرح كبير قادر على استضافة العروض المسرحية والحفلات الموسيقية ليكون هذا المركز بكل ما يتميز به من مواصفات عالمية في هذا الوقت ليثبت قوة سورية وقوة خيارها في محاربة الفكر الظلامي بالفن والفكر والثقافة والحضارة.
كما سُمّيت صالة المعارض في المركز التربوي للفنون التشكيلية التابع لوزارة التربية بِاسم التشكيلي الراحل محمد الوهيبي وهي صالة تبلغ مساحتها 1000 متر مربع، شكلت رافداً مهما للحركة التشكيلية السورية بإمكانياتها وقدرتها على استضافة المعارض المتنوعة الى جانب مهمتها الأساسية المرتبطة بمهمة المركز الذي ينشر الثقافة الفنية التشكيلية بين صفوف محبّي الفن التشكيلي والهواة من جميع الأعمار وفي مختلف التخصصات التشكيلية وبشكل شبه مجاني، ما يحسب لوزارة التربية التي تقف إلى جانب وزارة الثقافة في تسخير إمكانياتها لنشر الثقافة الفنية التشكيلية.
وغير بعيد عن ذلك، افتتح اتحاد الفنانين التشكيليين عام 2015 قاعة معارض جديدة تحمل اسم الفنان الراحل لؤي كيالي في صالة الرواق العربي في العفيف، تكريساً لسيرة هذا الفنان الذي اعتبر في نظر جميع النقاد أحد أهم التجارب الفنية التي أفرزها الحراك التشكيلي السوري المعاصر.
وكان عام 2015 قد شهد رحيل عدد من أهم الأسماء في الحركة التشكيلية السورية عن عالمنا تاركين إرثاً فنياً كبيراً ومهماً يحتاج إلى الكثير من الرعاية والاهتمام ليبقى للأجيال القادمة وكنزاً يفاخر به الوطن في المستقبل. ومن هؤلاء التشكيليين الكبار: ناظم الجعفري، وغسان السباعي، وعمر حمدي، ومحمد الوهيبي الذين انضموا إلى قائمة كبيرة من عظماء الفن التشكيلي السوري، ما يفتح الباب للتساؤل عن مصير أعمالهم وكيفية حفظها وحمايتها لتكون زادنا الفني إلى المستقبل. ويطرح ضرورة وجود متحف للفن الحديث أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل ما نشهده من منهجية تدميرية لكل ما يمتّ للحضارة والفن والجمال من قبل أعداء الحياة.
وإزاء هذه الظروف التي تمر بها سورية، فإن كلّاً من اتحاد التشكيليين السوريين ووزارة الثقافة باتا مطالبين أكثر من أيّ وقت بمنهجية عمل واضحة التوجه والأهداف في ما يخص التشكيل السوري والخروج من دائرة رد الفعل والفعاليات المحدودة والموقتة لأن حربنا اليوم هي حرب فكر وثقافة وحضارة وتخطيط، ولا مكان فيها للعمل القاصر أو المحدود، ما يتطلب تضافر كل الجهود لتحقيق أهداف ثقافية وطنية تؤسس لمستقبل ثقافي متين يليق بحضارة سورية ومكانتها بين الأمم.