التحوّلات الخمسة للعام المنصرم

وليد زيتوني

ربما تتطابق أعداد التحوّلات الأساسية للمشروع الصهيو ــــ أميركي في المنطقة مع أعداد أسفار التوراة /البنتاتيك/. فأسفار التوراة التي تعتبر ثابتة، هي في الواقع سُرقت وتحوّلت من أساطير الشعب السوري بأدواره التاريخية كافة، والذي سبق زمانياً وحضارياً المعتقد اليهودي. فأساطير جلجامش وايناموليش وغيرها تستطيع تتبّع خيوطها بشكل واضح في الأسفار الأساطير التلمودية مع إضافات تقاليد وعادات تلمودية بحتة تحتضن نزعة العداء لبني البشر، وتعتمد أساليب القتل الممنهج والذبح وبقر البطون، والاستيلاء على الأرض بالقوة، وإخضاع الشعوب بالترهيب والترغيب، تماماً كما يحصل مع «داعش» و«النصرة» والعصابات الإرهابية التخريبية الأخرى كلها.

ولا نبالغ في أنّ الفكر اليهوهي يقف وراء التخطيط لضرب وتدمير الأمكنة التاريخية التي تفضح زيفهم وزيف ثقافتهم، من تدمر الى الموصل وما بينهما وما بعدهما، قراءة واحدة لفعل واحد هو تدمير الحضارة الإنسانية.

إنّ هذه الأعمال الهولاكية البربرية ليست إلا قراراً انتقامياً أخذته الولايات المتحدة الأميركية العليلة، بعد أن شعرت بقرب انتهاء صلاحيتها لقيادة العالم.

واقعياً، أميركا تحاول تدمير كلّ مكامن القوة في هذه المنطقة، وعلى الأخص وحدتها الجغرافية والبشرية، وثقافتها وحضارتها واقتصادها، بعد أن فشلت في تحقيق طموحها بالسيطرة الكاملة وحيازة هذه المقدرات. إنّ المشروع الأميركي بتطويق الصين قد فشل فشلاً ذريعاً، وبالتالي لم تكن التوصيات التي كتبتها غونداليزا رايس في مجلة «فورين أفيرز» في نهاية عهد بوش الصغير، إلا مرشداً سياسياً للإدارات اللاحقة بالتصرف حيال هذا الفشل الذي توّج بحرب تموز 2006. قد ظهر هذا العجز جلياً في ليبيا ومصر وتونس، كما في العراق وأفغانستان من قبل. وإنّ بقاء أميركا في المنطقة الآن هو بفعل أموال البترول التي تحرّك بدائل القوة التي كانت تتمتع بها، وتجارة الأسلحة، وبفعل الزرع الناجح الذي تركته بريطانيا في محمياتها السابقة. وبفعل الطموحات البدوية والتترية في إعادة حكم السلطان العثماني. وأميركا الآن لا تقوم إلا بإدارة وتنظيم قدرات غيرها في المنطقة. ولعلّ التحولات الخمسة الماضية والتحوّلات اللاحقة التي ستأتي قريباً ستفضح هزالة الواقع الأميركي والقدرة الأميركية والهالة الأميركية التي يتظللها أتباعها الآن.

أول التحوّلات، أنّ أميركا لم تستطع الوقوف في وجه المؤازرة الروسية لسورية، بل اوكلت هذا الدور إلى الغبي التركي الذي سيطاله المشروع الاميركي لتقسيم المنطقة، وإعطاء دولة للأكراد على حسابه وحساب جيرانه.

ثاني التحوّلات، هي عدم قدرتها المستقبلية لدعم الدولة الكردية في العراق باعتبارها دولة داخلية بالمعنى الجغرافي، ايّ انها لا تطلّ على أيّ بحر من البحار، بالإضافة الى عدائها مع المحيط، وضعف مواردها الطبيعية، فهي بالتالي لن تستطيع لعب دور «إسرائيل» المنتهي الصلاحية، ولا شرطي الخليج على غرار إيران الشاه.

ثالث التحوّلات، عجز أميركا وحلفائها عن تحجيم الدور الإيراني لجهة الملف النووي، ولم تستطع رغم الحصار والعقوبات الاقتصادية، والتهديدات «الإسرائيلية» المتكرّرة من تحجيم الدور السياسي الإيراني، كما الدور العسكري، لا على مستوى المنطقة ولا على المستوى الدولي.

التحوّل الرابع يتعلق بفشلها عبر وكلائها في الحرب اليمنية، وانتفاء حظوظها بوضع اليد على اكبر احتياط نفطي في منطقة الجوف اليمنية.

التحوّل الخامس، فشل مشروع الاعتماد على «الإخوان المسلمين» في مصر وتونس، فخدعة حمار طروادة العربي قد أجهض في مهده وخسرت أميركا إمكانية استخدامه في المكان والزمان المناسبين.

لم يبق للولايات المتحدة الأميركية من /البنتاتيك/ اليهودي إلا «سفر الخروج»، ولكن هذه المرة ليس الى بابل بل الى ما بعد بعد الأطلسي، بعد أن يضع سفر التكوين أوزاره بفشل استكمال خلق «الفوضى الخلاقة». وانّ أناشيد سليمان هي غير ما ينشده سلمان وولي عهد سلمان في جزيرة العرب وأتباعهما، تحت أرز لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى