قصر بعبدا في مهبّ العواصف الإقليمية
هتاف دهام
قرّرت المملكة العربية السعودية الذهاب بعيداً في التصعيد واستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودفعها لاتخاذ خطوات غير محسوبة، توحي للولايات المتحدة الأميركية أنها تتعرّض لهجوم من الإيرانيين، بغية تشكيل حلف لمواجهتها على اعتبار أنّ كلّ التحالفات التي شكّلتها مملكة «آل سعود» سواء في المنطقة أو في لبنان، فشلت.
إنّ مراقبة السياسة السعودية توضح أنها ذاهبة نحو تأزيم العلاقات مع إيران بطريقة غير مبرّرة، فالتطورات الأخيرة المرتبطة بقطع العلاقات بشكل مباشر مع طهران وإيقاف الرحلات بين البلدين والتوجّه إلى الجامعة العربية يوم الأحد، لاستصدار قرار إدانة ضدّها وتحريك المؤسسات التي تدور في فلكها، كالأزهر الذي زعم «أنّ المدّ الشيعي تقف خلفه أجندات سياسية لإثارة القلاقل والفتن»، لا يبرّرها اعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين.
لا مكان للحديث عن تسويات في الوقت الراهن بالمنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، الذي من حيث المبدأ سيبقى ساحة أساسية من الساحات المعنية بتداعيات السياق السعودي الإيراني، لكن ما يميّزه عن كلّ الساحات الأخرى أنّ طبيعة الاشتباك الذي يجري على أرضه، هو سياسي غير عسكري محكوم بضوابط متفق عليها بين الأطراف المتصارعة، بالإضافة إلى عامل الخصوصية اللبنانية، هذه العناصر تجعل من لبنان وكأنه خاضع لقواعد اشتباك متفق عليها وتتمثل ببقاء حكومة الرئيس تمام سلام، وهيئة الحوار الوطني، وطاولة الحوار الثنائي، ووجود نوع من الاستقرار الأمني المتفق عليه، والاتفاق على مواجهة الإرهاب كعنوان مشترك، وتحييد وجود حزب الله في سورية وسلاحه، وغيرها من العناصر.
من دون شك فإنّ لبنان من ضمن عناصر تمايزه أنه جسُّ نبضٍ لحجم التوتير المقبل، وبالتالي من غير الطبيعي أن لا تتأثر الاستحقاقات السياسية والأوضاع الأمنية بذلك، ولكن النقاش يدور حول حجم هذا التأثر، بخاصة أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بادر في خطابة أول أمس في ذكرى أسبوع الشيخ محمد خاتون إلى وضع سقف لحجم استهداف السعودية، وأتى ردّ رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، كأنه في سباق الموازنة.
يشي هذا المشهد الذي حصل بأنّ حوار حزب الله تيار المستقبل يوم الاثنين المقبل، سيكون أول عملية استطلاع بالنار لطبيعة التداعيات المقبلة واجتياز هذه المرحلة بسلاسة، ونقل هذا الاجتياز الآمن إلى عناصر الاشتباك الأخرى وهذا يقود إلى استنتاج أولي أنّ منظومة الأمان اللبنانية لا تزال تملك فعالية يمكن البناء عليها حتى ثبوت العكس، لكن تصعيد المملكة يبقى احتماله قائماً بإرادة الطرف السعودي وحلفائه الذي قد يشعر أنه بحاجة إلى استخدام لبنان في لعبة التصعيد المتداخل المتدحرج بين ساحات الاشتباك. لكن استبيان حقيقة الانعكاس النهائي على لبنان والحكومة والحوارات القائمة يحتاج إلى مزيد من الوقت ومراقبة الوضع على الجبهات الأخرى، بالإضافة إلى الجهد الدولي المبذول لمحاولة إبقاء لبنان بمنأى عن النار العابرة للساحات، علماً أنّ الرياض التي بادرت إلى تسعير نار الحروب منذ بداية الأزمة السورية ودعمها المجموعات الإرهابية، وصولاً إلى إعدام الشيخ نمر باقر النمر وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من الواضح أنها تتحرّك بناء على أجندة معدّة سلفاً، وبناء عليه تبقى كرة التصعيد اللبناني في ملعب السعودية، بخاصة أنّ الطرف الآخر يتصرف من موقع المعتدى عليه من المعتدي.
أُدخل لبنان في حالة من التشنّج والتشدّد في المواقف، لا سيما أنّ الحريري لم يكن مضطراً للدخول في هذه المعمعة، فكلامه سيفرض آثاراً سلبية على المناخ السياسي الداخلي القائم في البلد، وبالتالي قد يعقّد معالجة الملف الرئاسي، برغم أنّ موقف حزب الله الدائم هو إيجاد الحلول للملفات اللبنانية بمعزل عن تأثيرات الأزمات من حولنا. لكن يبدو أنّ التسوية الرئاسية باتت أكثر تعقيداً، إذ إنّ فرصها انعدمت كلياً في الوقت الراهن، فهذا الطرح الرئاسي، كما تقول مصادر مطلعة وُئِد ودُفِن، واليد التي كان من المفروض أن تكون ممدودة تبيّن أنها قُطعت، ولذلك أيّ كلام عن هذا الطرح هو من باب التسلية وإضاعة الوقت والمزايدات، فالحديث عن فكرة رئاسية في المقلب السعودي لا يمكن أن يبقى مستمراً، إلا إذا كانت الرياض تعتبره بوابة لتغيير الوضع السائد في لبنان من خلال عودتها إلى الإمساك بالحكم عبر حلفائها، وعودة الحريري من دون تقديم التزامات للفريق الآخر الذي ليس في وارد أن يعطي السعودية أية مكاسب، ما يؤكد أنّ الملف الرئاسي سيبقى بعيد المنال، طالما أنّ قصر بعبدا في مهبّ العواصف الإقليمية.