إيران مقابل «الفاتح» التركي
عامر نعيم الياس
بعد السعودية، قرّرت البحرين «طرد» البعثة الدبلوماسية الإيرانية من أراضيها، أما الإمارات فقد خفّضت التمثيل الدبلوماسي الإيراني على أراضيها، والسودان المتعب يريد المال والحفاظ على أسلمته التي فتّتت البلاد، فكيف يُغضب السعودية وبترودولارها؟
حراك منسّق تقوده السعودية أتى بعد تأسيس «مجلس التعاون الاستراتيجي» بين أنقرة والرياض، وتحالف الوهابية مع الإخوان تحقيقاً لمقولة «القاعدة خرجت من عباءة الإخوان». حتى قطر صارت تفصيلاً في هذا السياق لا يهمّ الرياض. فالتقارب التركي ـ السعودي الذي دشّنه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود رمى خلفه كلّ المحرمات ولم يعد في حسبانه الخطوط الحمراء المتعلقة بالصراع على زعامة العالم الإسلامي، أو تلك التي تتعلق بالسيادة في الخليج. فمقابل التخلي عن الأولى منذ وصول سلمان، وصلنا اليوم إلى التنازل الثاني الأكثر خطورة والأكثر تبياناً لأزمة النظام السعودي. فالرياض ووزير دفاعها الصغير ووليّ عهدها المسكون بجلباب أبيه قبلوا الوجود العسكري التركي في قطر الذي أعلن عنه قبل أسبوعين، وتقيم بموجبه أنقرة «العدالة والتنمية» قاعدةً عسكرية تركية في الدوحة تكرّس تركيا قوةً إقليمية عظمى وتعيد الاحتلال العثماني إلى شبه الجزيرة العربية بصفته وصياً على الرعايا المساكين، في سبيل العداء لإيران.
وحتى لو كان الوجود التركي في قطر رمزياً، وهذا أمرٌ غير متوقع، فالسلطان العثماني لن يفوّت فرصة استعراض العسكر العثماني في شبه الجزيرة بمرافقة الأمراء والملوك الصغار، أو بالأحرى الولاة التابعين للسلطنة.
اتخذت السعودية الخطوة الأكثر خطورة في إطار إعادة رسم خرائط المنطقة، فما لم يعد بالإمكان رسمه في سورية والعراق واليمن بانتصار واضح وصريح، يراد رسمه وإعادة تشكيله في الخليج وشبه الجزيرة بقوة الأمر الواقع والحقد الموجّه للسياسة السعودية، واستجلاب التركي المهووس بالتاريخ إلى المنطقة لحماية السنة وجنود الخلافة من المطامع الفارسية. هكذا يراد وهكذا كان وهكذا سيكون في المستقبل القريب، فأفق المواجهة باتت واضحة والافتراق وصل إلى درجة لا يمكن معها التقريب بين الأطراف المتحاربة في المنطقة في المدى المنظور. فالتقارب الأميركي الإيراني لا يمكن أن يستكمل في سياق عزل إيران وتحويلها إلى قوة معادية رسمياً لعدد من دول المنطقة وفي مقدّمها دول البترودولار التي لا يريد اليوم أحد أن يزعجها أكثر من اللازم. فالاتفاق النووي مرّر والاعتراف الدولي بإيران قوة نووية دولية وقوة إقليمية مرّر هو الآخر، لكن عند هذا الحدّ حاصر أقطاب النظام الإقليمي الأميركي القديم واشنطن، وبدؤوا بالهجوم المعاكس عبر توحيد جبهتهم أولاً، واللجوء إلى التصعيد المذهبي الضارب جذوره في الروايات التاريخية ثانياً. والرهان، ثالثاً، على الحركة الغرائزية المتوحشة لشارع انقسم وتموضع طائفياً منذ احتلال بغداد من قبل جورج بوش الابن عام 2003.
دخول تركيا من أوسع الأبواب لا يتم بوجود تمثيل دبلوماسي لإيران في المنطقة واعتراف بها، هذه هي المعادلة وهذا ما تم التقيّد به من جانب آل سعود، فيما المنطقة مقبلة على صدامٍ عنيف لا بدّ منه في أزمةٍ يبدو أنها بدأت أحد أكثر فصولها ظلاماً بداية عام 2016.
كاتب ومترجم سوري