سكين «داعش» يقطع أوصال الوطن
رباب يحيى ـ مصر
بدأ عصر «القاعدة» الجديد في منطقتنا، بإعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، ما أسماه «دولة الخلافة الإسلامية»، ومبايعة أبي بكر البغدادي «أول خليفة للمسلمين»، كما أعلن إلغاء اسم العراق والشام في الدولة الجديدة لتصبح «الدولة الإسلامية» بعد إعلان الخلافة… وقد نشر التنظيم أكثر من خريطةٍ حول البلدان التي ستقام على أراضيها هذه الدولة، آخرها خريطةٌ تظهر نيّة الدولة ضم دولٍ إلى جانب العراق وسورية، وهي السعودية والكويت والأردن وصولاً حتى لبنان وفلسطين.
ويسيطر تنظيم «داعش» اليوم على مساحةٍ تمتد من محافظة نينوى وقسمٍ من الأنبار غرب العراق، إلى ريف حلب الشمالي قرب الحدود السورية التركية. كذلك تمتد سيطرة «داعش» من الريف الشمالي لدير الزور إلى جنوب الحسكة، إضافةً إلى جزء كبير من الريف الشرقي لدير الزور وكامل الريف الغربي، وصولاً إلى محافظة الرقة قاعدة «داعش» الأساسية.
لكن رغبة «داعش» تتخطّى ما وصلت إليه على ما يبدو، فبعد نينوى يتّجه المسلّحون إلى استكمال معاركهم من أجل السيطرة على باقي بلدات محافظتَيْ صلاح الدين والأنبار.
وتشير التقارير الإخبارية والوقائع الحالية إلى أن تنظيم «داعش» يرسم دولته أيضاً على أساس مقوّمات اقتصادية أساسها النفط، بعد الاستفادة من حقول نفط دير الزور، ثم ريف الحسكة في سورية. يسعى التنظيم إلى تعميم التجربة في الموصل وسامراء وكركوك.
وإلى جانب النفط، تتمتع الدولة الإسلامية المفترضة بشريانَيْ مياهٍ أساسين: محافظتا الرقة ودير الزور تلتقيان بمحافظة الأنبار عبر نهر الفرات، فيما تسيطر «داعش» على مناطق واسعةٍ عند مجرى نهر دجلة، لا سيما في الموصل وتكريت وبيجي.
وكان لافتاً أن الغطاء السياسي والإعلامي والمادي الذي قدّم لتدمير سورية، لا يبدو أنه أقل مستوىً مما يقدّم اليوم لتدمير العراق وتفتيته. وكان لافتاً كذلك أنه بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، وبعد استمرار الرئيس السوري بشار الأسد في الرئاسة لولاية دستورية أخرى، فإن أميركا تجري حساباتها البديلة في الموصل وكركوك، بوصل الجغرافيا السورية الواقعة تحت سيطرة «داعش» بالجغرافيا العراقية المشابهة.
وبهذا الوصل، تمت السيطرة على آبار نفط عدّة وكافية لتمويل الإمارة «الداعشية»، وبالتالي حرمان الخزانة العراقية، ومن قبل السورية من هذا المردود.
من ناحية أخرى، فإن الانتصارات السهلة التي حققها «داعش» في شمال العراق بما في ذلك احتلال نينوى ـ وهي أكبر المدن العراقية ـ والوصول إلى مشارف بغداد، وإلى الحدود السورية والأردنية مع العراق، والسيطرة على بعض المعابر الحدودية الأخرى، والثبات في هذه المناطق حتى اللحظة، تحقّق الهدف الاستراتيجي الكبير الكامن وراء هذا الحراك كلّه منذ ثلاث سنوات، وهو قطع خط المقاومة من طهران حتى بيروت.
واللافت أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يدعمون الحركات التكفيرية والظلامية في سورية، بينما يقصفونها في اليمن وباكستان، ويتخذون منها ذريعة للتدخل في مالي وأفريقيا الوسطى، ويدعمونها ثم يحاربونها في ليبيا أو أفغانستان.
كما أن حكام السعودية والخليج العربي، حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، يجتثون التكفيريين في بلدانهم، ويستخدمونهم في الوقت ذاته كأداة وظيفية في العراق وسورية ولبنان وعموم العالم العربي، وغاب عن هؤلاء أن صورة مشهد الحرب الدائرة في سورية والعراق ستتحول مرةً أخرى إلى مناطق وجود مصافي النفط والحقول النفطية حيث ستقع المعارك الأكثر دموية على الإطلاق في محاولة لتعزيز أوراق قوة أمراء الحرب على مختلف مشاربهم في سورية، وكسر شوكة الحكومة العراقية على الجانب الآخر.
كما أنها بدعمها هذه الجماعات التكفيرية الظلامية، فإنها جعلت منها سلاحاً جرثومياً فتاكاً على مستوى الأيديولوجيا لا يعي ولا يفقه سوى غاية وجوده في تدمير الإنسان… لكن السلاح البيولوجي يصعب جداً احتواؤه في بقعة واحدة، فالجرثومة التي تلقيها على عدوك يمكن بسهولة أن تنتشر إليك عن طريق العدوى أو الهواء. والشباب المتأثر بالجرثومة التكفيرية الظلامية في الغرب مثلاً، خصوصاً من الأصول الأوروبية المسيحية، لا يمكن اعتبار اندفاعه للقتال في سورية أو العراق تحت راية المنظمات التكفيرية والظلامية نتاج تعرضه للتهميش السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، كما يذهب البعض، إنما هو نتاج أيديولوجي صرف، وشهادة عابرة للثقافات على قدرة الجرثومة التكفيرية على الاختراق العقائدي.