مَن قال «نعم» للحريري…؟

روزانا رمّال

منذ أسابيع انطلقت مبادرة حلّ أطلقها الرئيس سعد الحريري خفّض من مستواها رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة إلى رتبة «أفكار» على اعتبار أنّ الحريري لم يُقرّها بعد أو يعلن عنها بموقف رسمي، وكأنّ المبادرة تحتاج أكثر مما جرى ومما تحدّث عنه الإعلام ومما تمّ تداوله بشأنها ومن اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالنائب سليمان فرنجية لدعمه.

يعرف الحريري أنّ المبادرة التي سعى من أجل إنجاحها تجمّدت اليوم، لكن ما أراد أن يتقدّم به الحريري للبنانيين حيث كان الجميع يتعطش إلى الحلول، انطلق من اعتبار حيثيته السياسية القادرة على اختيار من تريد كمرشح رئاسي، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية في البرلمان، لكن الذي حاول الالتفاف عليه الحريري لم يكن ليسمعه سابقاً، لكنه اضطر اليوم إلى سماعه، فمَن قال للحريري إنه هو مَن يطرح أسماء لإيصالها إلى رئاسة الجمهورية؟ وإذا كان له الحق في ذلك فإنّ السؤال الأهمّ مَن الذي قال للحريري «نعم» أنت رئيس الحكومة المقبلة في لبنان؟

ما كان الحريري ليعتزم على مدّ اليد نحو فريق 8 آذار بترشيح قطب مسيحي قوي فيه مفترض أنه خصم سياسي لدود للحريري، نظراً لارتباطه بعلاقة عميقة مع الرئيس السوري بشار الأسد، مثل سليمان فرنجية، لولا أنه يعرف أنه أصبح من المستحيل أن يكون رئيس الجمهورية المقبل منتمياً إلى 14 آذار، أو حليفاً للحريري على أبعد تقدير، وإلا لكان تمسّك الحريري حتى آخر لحظة بمرشح فريق 14 آذار إنْ كان قائد القوات اللبنانية أو غيره ممّن انتدبوه في لحظة إقليمية مؤاتية لفريقه.

إذا كان الحريري يعترف من خلال اختياره ترشيح فرنجية مع مَن «طبخ الطبخة» من لبنانيين وإقليميين معه أنّ الظرف السياسي لا يأتي لمصلحة اختيار مرشح من فريقه، فربما عليه أن يعترف أيضاً أنّ الظرف السياسي نفسه قد لا يكون مناسباً لاختياره هو أيضاً رئيساً للحكومة في لبنان، فمَن هو الذي أوحى للحريري بأنه مقبول من الجميع؟ ومَن قال للحريري أنّ إخراج عون من المشهد قادر على أن يأتي به رئيساً عملاً بمعادلة التمثيل الأكثري، حسب الطوائف المعتمدة في لبنان؟

ترشيح عون الذي يتمسّك به حزب الله حتى آخر لحظة، ينطلق من مبدأ السعي لتمثيل مسيحي أكثري في لبنان، لأول مرة، ولا ينطلق أبداً من فكرة أنّ النائب سليمان فرنجية ليس مرشحاً قوياً أو مرشح الخطة «ب»، وعلى هذا الأساس فإذا كان ترشيح فرنجية الذي يعتبر زعيماً مسيحياً شمالياً مقبولاً من الحريري، فإنّ ترؤس الحكومة اللبنانية ممكن لشخص لا يتمتع بالتمثيل الأكبر عند السنة شعبياً، فهل فكّر الحريري مثلاً بأسماء مثل تمام سلام، نهاد المشنوق، فؤاد السنيورة؟

إنّ انطلاق الحريري في طروحاته تعززه فكرة مفادها أنّ فريق 8 آذار أصبح المنقذ الوحيد له من أجل العودة به رئيساً للحكومة، لهذا السبب طرح اسم فرنجية القوي التأثير في اللعبة الداخلية، مرسلاً أكثر من رسالة مفادها اقتناعه بأنّ رئيس الجمهورية القادم هو ممثل عن فريق 8 آذار، وانه غير قادر على الحسم من دون تلبية شروط هذا الفريق، لكن بشرط أن يكون هو رئيساً للحكومة، وهنا يلفت البعد السعودي المفهوم عن هذا الملف اللبناني المؤجل، والذي قد يتأجل أكثر بعد أن استعر الخلاف مع إيران بإعدام الشيخ نمر باقر النمر، ثم بقطع العلاقات معها.

يعرف الحريري أنّ الوضع الإقليمي المعقد قد لا يتجه لمصلحته، وإذا كان يودّ أن ينطلق من فكرة عودته إلى لبنان رئيساً بعد متغيّرات إقليمية تقلب الطاولة لمصلحة خصوم إيران فإن هذا بات بعيداً عن الواقع بتقدّم الجيش السوري ودعم الجيش الروسي بالمنطقة، وهو انتشار سيطول أمده.

تتفاجأ كتلة المستقبل بما صدر عن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في تلميحه بكلمة له عن سعد الحريري بقوله «يريدون في لبنان أن يصادروا الدولة بمؤسساتها الدستورية وغير الدستورية، لمصلحة وكيل عائلة خليجية أو لمصلحة سياسة أميركية أو غربية»، وأضاف: «كفانا عهراً وإفساداً وفساداً وسرقة، فمن يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، لا يجب أن يجد مكاناً له في لبنان من أجل نهب البلاد مرّة جديدة، وبالتالي فإنّ كلّ ما يجري من محاولات لإجراء صفقات وتسويات تحت عنوان إعادة الاستقرار لهذا البلد، إنما هدفه رسم مسار إخضاع هذا البلد لسياسات هذه المملكة أو تلك الدولة الكبرى».

كلام رعد يؤكد ما لم يكن ممكناً قوله سابقاً عن موقف الحزب من مبادرة الحريري، وهنا وجّه حزب الله للحريري رسالة مفادها أنه لا يمكنك الرهان على إبهارنا بقبول ما هو حق لفريقنا بالرئاسة، أو مرشحينا، وعليك أن تعرف أنّ وضعك بمن تمثله بالنسبة لاصطفافك مع دولة نحن نصنّفها إرهابية وهي تصنّفنا إرهاباً هو خطر علينا وعلى لبنان عدا عن طموحك المصلحي الواضح بإفلاسك المريب.

لا يطلق حزب الله تصريحات آنية، ولا يُعرف عن نواب كتلته السعي للدخول في مهاترات سياسية، بل لفت سلوك الحزب طوال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية وحتى منذ ما قبلها، أيّ منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري انتهاجه سياسة الإقلال من الظهور الإعلامي الذي قد يفرض الدخول في سجالات تؤسس لردود فعل بالغنى عنها، وبالتالي فإنّ كلام رعد محسوب ولديه هدف ووظيفة مباشرة، فمن قال للحريري «نعم» لترؤسك الحكومة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى