تقرير

كتبت صحيفة «ناشونال إنترست» الأميركية:

ثمّة إجماع في المجتمع السياسي الأميركي في كلّ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أن الولايات المتحدة الأميركية يمكنها ـ ويجب عليها ـ أن تقضي على تنظيم «داعش».

كما أن هناك افتراضاً ضمنياً وصريحاً أحياناً أن إلحاق الهزيمة الساحقة بالتنظيم الإرهابي، سوف يحل معظم المشاكل الكبيرة التي تعاني منها أميركا في المنطقة.

بالنسبة إلى الواقعيين، فإن هذا يخلق شعوراً غريباً «لوهم سبق الرؤية». لقد واجهت الولايات المتحدة مثل هذا التفكير غير الواقعي، وغالباً السحري في كثير من الأحيان من قبل، مع نتائج غير سارة للغاية.

بدلاً من الدخول في حقبة من التسامح المستنير، فإن هزيمة تنظيم «داعش» من المرجح أن تكون مجرد جولة أخرى في صراع إقليمي مستمر ومعقد للغاية من أجل السلطة.

لن تغيّر هزيمة تنظيم «داعش» من الحقيقة الكامنة وراء أن كلّاً من العراق وسورية يعانيان من حالة من الانهيار المجتمعي الفظيع، إلى حد كبير بسبب خطط تغيير النظام التي تقودها الولايات المتحدة.

وسيكون من المستحيل تقريباً أن يعود أيّ من البلدين إلى وضعه الطبيعي مرة أخرى.

في البداية، حافظ أكراد العراق على دولة مستقلة كأمر واقع لأكثر من عقد من الزمان. ومن غير المرجح أن يخضع الأكراد للسلطة التي توترت بشدة في بغداد. في الواقع، استفاد أكراد العراق من الفوضى الأخيرة للاستيلاء على كركوك، وجائزة النفط الغنية التي كانت محل نزاع منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق واحتلاله في عام 2003.

وفي سورية، كان الأكراد أكثر حداثة وأكثر محدودية في نجاحهم، إلا أنهم لا يزالون مثيرين للإعجاب. خلال السنة الماضية أو نحو ذلك، تمكنوا من السيطرة على رقعة واسعة من أراضي الغالبية الكردية في شمال شرق سورية على الحدود مع تركيا. ولا نيّة لديهم لتقديم الولاء لحكومة بشار الأسد، أو للمعارضة ضد الأسد، والتي يهيمن عليها العرب السنّة.

في الواقع، كل من الأكراد العراقيين وأشقائهم السوريين ينظرون إلى الاضطرابات الحالية باعتبارها فرصة لتحقيق حلمهم بوطن كردي موحد، كردستان الكبرى. ومع ذلك، فإن تطوير هذا الكيان، سيستنهض همم حليف حلف شمال الأطلسي الناتو وواشنطن، تركيا، إذ إن ما يقارب نصف السكان الأكراد في المنطقة يتواجدون داخل حدود تركيا. سحق تنظيم «داعش» لا يحل هذه المشكلة. إذا كان أي شيء، فإنه يؤدي إلى تفاقم الأمور في هذا الصدد.

تؤكد القضية الكردية على سؤال سياسي أكبر للمسؤولين الأميركيين. هل هم على استعداد لرؤية تفكك العراق وسورية إلى دويلات متعددة مع مزيد من التماسك العرقي والديني؟

حتى الآن، فإن الجواب «لا». ولكن الصراعات الدموية في كل من العراق وسورية لديها غطاء كثيف من صراع بين السنّة والشيعة من أجل الهيمنة.

هل الولايات المتحدة على استعداد لإرسال قواتها إلى هذين البلدين للحفاظ على الأطراف المتنازعة من ذبح بعضها؟

هل قامت الولايات المتحدة بإعطاء الفرصة للفكر الرصين في مقابل فكر المحافظين الجدد الخطير في شأن عدد القوات التي قد تتطلبه هذه العملية؟

هل الولايات المتحدة على استعداد للحفاظ على تلك القوات في بيئة قتالية في غاية الخطورة لمدة 20 أو 30 سنة أو ربما لفترة أطول؟

هل الولايات المتحدة على استعداد لرؤية العشرات منهم وهم يعودون إلى الوطن كل سنة في سيل من التوابيت؟ ماذا عن المئات؟ ماذا عن الآلاف؟

إن الولايات المتحدة بحاجة إلى فهم أن الحرب ضد تنظيم «داعش» هي ببساطة المرحلة الأخيرة من سياسة التدخل التي تبنّتها في الشرق الأوسط، والتي ظلت مستمرة على مدى عقود. ويصرّ أنصار هذه السياسة على أن الانتصار الأخير سيكون النهائي.

نتذكر جيداً كيف كان الصقور طوال عقد قبل حرب العراق يحثون على شن هجوم عسكري للإطاحة بصدام حسين. وحصلوا على رغبتهم في عام 2003. ومشكلة صدّام تم حلّها بالفعل، ولكن الغزو خلق مجموعة متنوعة من مشاكل جديد، أكثر سوءاً. إن إنزال الهزيمة الساحقة بتنظيم «داعش» ستفعل الأمر نفسه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى