الموقف الأميركي من الأزمة السعودية- الإيرانية

حميدي العبدالله

كان لافتاً الموقف الأميركي من التدهور الجديد الذي طرأ على العلاقات السعودية- الإيرانية، وبديهي أن تلحق الدول الأوروبية بالموقف الأميركي، لأنّ الحكومات الأوروبية لم تعتد في تاريخها، ما بعد الحرب العالمية الثانية، على اعتماد أيّ مواقف لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة أو لا تكون منسّقة معها مسبقاً.

اللافت في الموقف الأميركي هو عدم إقدام الولايات المتحدة على إدانة إيران والوقوف إلى جانب حليفتها الوثيقة المملكة العربية السعودية، التي كانت هي الأخرى منذ الحرب العالمية الثانية حليفاً لا يشكك بولائه.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون الولايات المتحدة قد شجّعت السعودية على التصعيد مع إيران لأسباب عديدة بينها وأبرزها ضمان استمرار احتياج السعودية للدعم الأميركي، إلا أنّ موقف واشنطن الدّاعي إلى ضبط النفس، وحتى إجراء اتصالات بوزيري خارجية إيران والسعودية، والطلب إليهما عدم تصعيد الموقف، شكّل مفاجأة ًكبيرة، ودعا الكثيرين إلى التساؤل عن أسباب هذا الموقف الذي لم يكن متوقعاً من قبل واشنطن؟

لا شك في أنّ مصالح الولايات المتحدة هي التي دفعتها إلى اتخاذ هذا الموقف الذي شكّل حدثاً غير مسبوق في العلاقات الإيرانية الأميركية، حيث كانت الولايات المتحدة دائماً تقف في صفّ الدول التي تناهض إيران.

الموقف الأميركي الجديد هو ثمرة مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، إذ من المعروف أنّ الولايات المتحدة لا تسعى فقط إلى إنهاء المواجهة المباشرة والمفتوحة مع إيران، بل تتطلع أيضاً إلى أن يكون لها مصالح داخل إيران ذاتها، مصالح تحفظ حصة لشركائها واستثماراتها في إيران في مرحلة ما بعد إنهاء الحصار والعقوبات.

الدول الغربية وبينها الولايات المتحدة تعاني من ركود اقتصادي مستمرّ منذ فترة غير قصيرة، وقد فشلت كلّ محاولات الخروج من هذا الركود الذي كان واحداً من أسبابه الجوهرية تزايد عدد الدول المنتجة الطامحة إلى أخذ حصة في الأسواق الدولية، بل إنّ بعض الدول فيما يُسمّى مجموعة الأسواق الناشئة باتت تنافس الحكومات الغربية حتى على مستوى الاستثمار.

إيران ساحة واعدة بالنسبة للاقتصاد العالمي، لأنّ كثيراً من مسارات نموّها جرى تعطيلها أو إعاقتها بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية، واليوم بعد زوال العقوبات وإنهاء الحصار، بديهي أن يستعيد الاقتصاد الإيراني مسيرة النمو، ويحتاج إلى استثمارات كبيرة، وهذا ما تتطلع إليه الشركات الأميركية، شأنها شأن شركات عالمية كثيرة، ومن هنا فإنّ أيّ تدهور جديد في العلاقات الأميركية – الإيرانية سيشكّل عائقاً أمام الشركات الأميركية، ويتيح فرصة أكبر لمنافساتها الدولية الأخرى، بما في ذلك الشركات الغربية، وهذا ما لا تريده الإدارة الأميركية، ولهذا كان موقفها الأخير من الأزمة الجديدة بين الرياض وطهران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى