«الربيع العربي» وكسر العداء مع «إسرائيل»
معن حميّة
مشروعان متناقضان يتصارعان، مشروع المقاومة الذي يتخذ من فلسطين بوصلته، ومشروع احتلال «إسرائيلي» ديدنه الإرهاب والتفتيت. وعلى ضفة كلّ مشروع تشكّلت الاصطفافات، إقليمياً ودولياً، وراهناً صار العالم العربي جزءاً من هذه الاصطفافات، بعدما نأت بعض الأنظمة العربية بنفسها عن حلبة «الصراع العربي ــ الإسرائيلي»، وباتت بحكم سياساتها وتوجهاتها وعلاقاتها في ضفة المشروع الإرهابي التفتيتي!
لم يعد أمراً صادماً، أن ترى أنظمة عربية تتموضع في الضفة الأخرى، فهذا التموضع هو حصيلة سنوات من مسارات التطبيع وعقد اتفاقات الإذعان وتبادل التمثيل الدبلوماسي والتجاري، ومن خلال هذه المسارات تجاوزت هذه الأنظمة المحظور وكسرت حلقة العداء لـ«إسرائيل»، بافتعال صراع حادّ وملتهب ضدّ «أعداء» جدد بعناوين طائفية ومذهبية!
«الربيع العربي» شكّل كلمة السرّ «الإسرائيلية» ــ الغربية، التي استخدمتها بعض الأنظمة العربية، لتبرير تموضعها الجديد، وبِاسم «الربيع العربي» بدأ مشروع التدمير الممنهج لبعض الدول العربية، وقد وُضعت سورية الشام على مشرحة التقسيم والتفتيت والتدمير والتشظية، لأنها تشكل حاضنة المقاومة وحصنها، ولأنها تحمل لواء فلسطين.
عاصفة «الربيع العربي» التي اجتاحت تونس واليمن وليبيا ومصر لم تكن سوى «بروفات» تمهيدية للبدء بتنفيذ مخطط إسقاط سورية من المعادلة. وحين تهاوت أربع دول جراء «العاصفة»، اعتقد أصحاب فكرة «الربيع العربي» وأدواتهم، بسهولة مهمة إسقاط سورية، ففوجئوا بالقدرة السورية على الصمود في وجه العاصفة، وامتلاك عناصر القوة لمواجهتها.
الحرب على سورية بدأت بشعارات «السلمية» و«الحرية» و«الإصلاح»، وقد واجهتها القيادة السورية برزمة إصلاحات جوهرية، ليتبيّن أنّ ما يحدث ليس هدفه الحرية والإصلاح، وأنّ الوسائل ليست سلمية. فالذين رفعوا شعارات «السلمية»، سرعان ما انتظموا في تشكيلات إرهابية مسلحة، مرعيّة ومموّلة من قبل «إسرائيل» والغرب وتركيا وأنظمة عربية معروفة.
الأنظمة العربية التي كسرت حلقة العداء لـ«إسرائيل»، استطاعت أنّ «تحرّر» جامعة الدول العربية من سورية، وأن تتخذ من هذه «الجامعة» منصّة هجوم ووسيلة لتكريس حالة «العداء» مع دولة يفترض أنها شقيقة بحسب التوصيف العربي.
وباندفاعة محسوبة النتائج، لم تتورّع الأنظمة المتأسرلة عن استخدام خطاب تحريضي، فتنوي، بخلفية طائفية ومذهبية، وهذا ما شكل تأسيساً للإرهاب والتطرف، فـ»النصرة ـ القاعدة» و«داعش ـ الخلافة» وأخواتهما هي نتاج الأنظمة المتأسرلة التي أخذت على عاتقها تصدّر مشهد الهجوم على سورية.
هذا المشهد كله، كان قائماً حين كانت سورية تواجه منفردة حرباً تشنّها ضدّها أكثر من ثمانين دولة وأكثر من ثمانين تشكيلاً إرهابياً متعدّد الجنسيات.
وهذا الواقع كان قبل أن تطلب الحكومة السورية المؤازرة من حلفائها، إيران وروسيا والمقاومة. فالعناوين الطائفية والمذهبية هي وصفة «إسرائيلية» استخدمت في سياق الحرب على سورية قبل أن تأتي روسيا وإيران لمؤازرة سورية في الحرب ضدّ الإرهاب وداعميه.
صمود مشروع المقاومة الذي تشكل سورية رأس حربته، والإنجازات الميدانية التي تتحقق بمواجهة المشروع الآخر «الإسرائيلي» الإرهابي التفتيتي، وموقف حلفاء سورية الصادق والثابت، جعل من مشروع تفتيت سورية وتقسيمها وإقامة مناطق عازلة وآمنة، مشروعاً ميتاً، بشهادة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي نصّ على الاعتراف «بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية».
لكن هل سيمتنع العدو «الإسرائيلي» وحلفاؤه عن ممارسة التصعيد، والعدوانية واستخدام ورقة التحريض والشحن المذهبي والطائفي لإغراق المنطقة في آتون الفوضى؟
«إسرائيل» ومَن معها وضعوا كلّ أوراقهم في سلة الرهان على إسقاط مشروع المقاومة عبر إسقاط سورية حاضنة هذا المشروع، وبالتالي سنشهد المزيد من التصعيد العدوان، من خلال الأوراق والعناوين الفتنوية، سعياً وراء فوضى تعمّ المنطقة لا تُبقي ولا تَذَر، وهذه هي الوسيلة التي تقطع الطريق على المسارات الدولية المستجدّة نتيجة الشعور بالقلق من مخاطر الإرهاب وانقلابه على صانعيه.
المايسترو «الإسرائيلي» الذي يرعى ويقود مشاريع الفتنة في المنطقة، يسارع الخطى لوأد أيّ مسار دولي جديد يقوم على أساس محاربة الإرهاب والتطرف، لذلك، وهو مَن يقف وراء تصاعد التوترات في المنطقة، ويدفع بها نحو الاتجاهات التي يريدها، وقد بات واضحاً أنّ المشروع الآخر الإرهابي التفتيتي لم يعد يمتلك من الأوراق والأسلحة سوى ورقة الفتنة الطائفية والمذهبية، ما يستدعي إسقاط هذه الورقة من يده من خلال التحصين الشعبي في بلادنا وعالمنا العربي بالوحدة وبالالتفاف حول مشروع المقاومة.
إنّ أحد أبرز شروط تقدّم وانتصار مشروع المقاومة والصمود، هو النجاح في إحباط مشاريع الفتن المذهبية والطائفية، وتفكيك الألغام «الإسرائيلية» التي تستهدف هذا الاتجاه، والتي إذا ما انفجرت طائفياً ومذهبياً، تحققت مصلحة العدو «الإسرائيلي» بتصفية المسألة الفلسطينية وبتشظية بلادنا والساحات العربية.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي