افتتاحُ الردّ… ذهول «إسرائيلي»!
هاني الحلبي
افتتحت المقاومة بعملية مزارع شبعا الردّ الموعود على اغتيال الشهيد سمير القنطار، فدمه سيبقى ديناً مستحقاً ومرتفع الفوائد والأصول يتراكم في حساب العدو حتى التحرير!
بُعيد ظهر الاثنين الماضي 4 الحالي ، وفي تمام الساعة 3:10 كانت عبوة ناسفة كبيرة تطلق بدء واجب الثأر لاغتيال الشهيد سمير القنطار في جرمانا، من دورية مدرّعة للاحتلال «الإسرائيلي» في مزارع شبعا، تحدّثت المعلومات الأولية عن أربعة قتلى بينهم جنرال من وحدة إيعوز التابعة للواء غولاني، وجرحى عديدين.
أثارت العملية مزارع شبعا حالة هلع وخوف كبيرين في الدورية، تخوّفاً من كونها مصيدة أولية لعمليات متسلسلة تستهدف قوات الإنقاذ والإسعاف والدعم التي قد ترسل إلى مكان العملية، لكن القلق أصاب الجيش «الإسرائيلي» قيادة وضباطاً وجنوداً، ونال من تماسك قيادته السياسية، رغم أنها تعيش منذ أسبوعين حالة القلق من الردّ المتوقع، فاجتمعت أركانه على الفور تبحث وتحلّل ما لم تتوقعه أن تصيب المقاومة دورية مدرّعة، رغم التدريع والإعماء الألكتروني والتنصّت والتشويش والمراقبة النهارية الليلية بأحدث التكنولوجيا في العالم كيف طهّرت أقدام هؤلاء الأبطال نقطة التواصل بين الجليل والجنوب والجولان. وهي أبلغ الرسائل من عملية مزارع شبعا.
يمكن قراءة عملية مزارع شبعا، كما يأتي:
براعة اختيار الهدف دورية مدرّعة من آليات عدة بينها جرافة نمرة 9 ، وقدرة المقاومين على تدمير عربتين تدميراً كاملاً، بمن فيهما، وهذا عرَّى العدو إعلامياً فلم يعترف بخسائره لأنها فادحة من عملية واحدة، فنسب مقتل جنرال كبير وجنود في اليوم التالي إلى حادث سير داخل فلسطين! عدوّنا أصبح «عربياً» غبياً يتستَّر على قصوره الكامل!
ذكاء اختيار موضع الهدف، فاختارته موضعاً مناسباً للمراقبة والرصد والتفجير، ويتوسّط الموضع شبكة مواقع عسكرية محصَّنة بالدِّشم والأنفاق والكاميرات الدقيقة جداً وأجهزة التنصّت والتجسّس ولم تتمكن من كشف التسلل ولا من كشف زرع العبوة في منطقة ترابية قاسية وصخرية بحيث يحتاج وقتاً حساساً جداً خلال تنفيذها وجعلها قيد العمل! ما تلزم الحاجة لعديد كافٍ من الرصد والمتابعة والتنفيذ والحماية وتغطية الانسحاب!
أهمية اختيار طريقة استهداف الهدف، فلم تشأ المقاومة ضرب هدفها من خارج المنطقة المحتلة، برمية صواريخ ضدّ الدروع كعملية شبعا السابقة، أو بالتحام مباشر كما في أنصارية، بل أرادت تفجير عبوة كبيرة في رتل آليات، والعبوة الكبيرة لا يحملها رجل واحد، بل أكثر، بخاصة في حالة التسلّل، وينبغي أن تكون بوزن من عشرات الكيلوات من المتفجرات لتدمّر عربات مدرّعة.
اختيار حالة جوية غير داعمة للعمل المقاوم، فلا يتوقع عملٌ عسكري وأمني، كحالة التسلل عبر بيئة صعبة ومعقدة، وحالة طقس ماطر ودرجة حرارة متدنية جداً على سفوح جبل الشيخ الغربية تقارب الصفر وما دونه بدرجات، فتنفَّس العدو الصعداء وخرج من جحوره في دورية تحمل قائداً أمنياً كبيراً تجول به لتفقد الميدان، فكان الشَّرَكُ بانتظاره ليرسله إلى الجحيم! هكذا يبدو أنه نسي الأهلية المتفوّقة للمقاوم في بلادنا وقدرته العظيمة على عمل لم تعتده «روبوتات» الجيش «الإسرائيلي»!
قدرة المقاومة على الخرق إلى «الحدود» وإلى ما يتعدّى «الحدود»، فأقدام المقاومين لا تعترف بما يتسلّى به السياسيون في لبنان وفلسطين وسورية بما يسمّونها «الحدود»، أقدام المقاومين ستكون حيث تستطيع أن تكون واستطاعتها لا حدود لها.
استهداف الاحتلال «الإسرائيلي» في مزارع شبعا حق وطني مقدَّس لا يتقادم في الزمن، ويبقى حقاً للمقاومة وللبنان حتى تحريرها، لأنه حق نابع من حق الدفاع عن النفس الذي كفله أيّ قانون يستحق أن يُسمّى قانوناً.
تثبت المقاومة مجدّداً أنها درع الوطن في لبنان وفلسطين وسورية. تثبت أنها جيش شعبي وطني حقيقي جدير بأن يتوّج مكانته الجليلة وطنياً وتاريخياً، إذ استطاعت عملاً بالمعادلة الثلاثية الذهبية في لبنان، والتي انتقلت مدرستها إلى فلسطين وسورية والعراق لتنجز ما أنجزنه في تحرير لبنان، محققة توازن الردع الاستراتيجي مع العدو «الإسرائيلي»، فتحقق في دولنا المضرجة بالدم والحرية والكرامة دفاعاً مقدّساً بحشد شعبي وبلجان دفاع وطني تردف جيشي البلدين بالدعم والإسناد وبحرب سكاكين تحدث في فلسطين مقدّمة لدولة الثورة بدلاً من منطرة «السلطة»!
لا يقتصر التحرير على تنظيف الأرض من العدو وعسكره وعملائه، بل كذلك من خيوط أخطبوطه المتلوّنة والمتغيّرة الأشكال في الاقتصاد والسياسة والقانون والإدارة وغيرها، في تحرير للروح الوطنية والإنسان في قيمه وحياته ورؤاه…
عمل المقاومة جذري وليس لعب تسويات تأخذ من الحلول أنصافها وأرباعها وأثلاثها، لأنه تأسيس وطني، يغوص في جذور مقومات وجودنا يفحصها يدقق، يعتمد ما يصلح للحياة الجديدة ويقضي على ما لا يصلح لها. كالطبيب إذ يعالج أحبّ أحبائه، فلا مانع أن يستأصل العضو المريض منه ليبقى الحبيب كائناً سليماً قابلاً للحياة.
هكذا يُفهم صمت المقاومة عن التلهّي بالتسويات الرئاسية وغيرها، الخوض فيها إقرار مجدِّد بحق من أطلق التسوية بالمشاركة في صنع مستقبل سيبقى على طاولة التأزيم، كلما أراد مشغله ومحوره ذلك. بل بأيّ حق مَن يفجّر في العراق والضاحية وطرابلس والبقاع وسورية ويرعى خطف العسكريين اللبنانيين، ومَن يشترط رحيل الرؤساء الشرعيين عن مواقعهم قبل أي حوار، ومَن يهدم اليمن، يكون راعياً لتسوية تضيف رقعة بالية للثوب السياسي اللبناني الرث، وتحقن فساده مجدداً بدم فاسد مجرَّب؟
ناشر موقع حرمون
www.haramoon.org gmail.com