ديانا جبور: نعمل على دعم الدراما الوطنيّة والباب مفتوح للجميع والاحتكار مرفوض

دمشق ـ محمد سمير طحّان

استمرّت المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في الأعوام الثلاثة الأخيرة في إنتاج الأعمال الدرامية، بكمّ أكبر من السابق، رغم الأزمة التي تعيشها سورية والحصار الذي تفرضه محطات تلفزيونية عربية على الدراما الوطنية.

لعبت المؤسسة دوراً حيوياً في دعم الدراما السورية، في حين انسحبت بعض شركات الإنتاج الخاصة، لأسباب ترتبط بصعوبة التسويق في ظل الحصار المفروض على الدراما، فضلاً عن توقف شركات الإنتاج العربية عن العمل في الوسط الدرامي السوري لكسر هذه الصناعة الوطنية.

حول ظروف العمل تقول ديانا جبور، مديرة المؤسسة: «إن الصعوبات التي واجهتنا أثناء الأزمة كانت متعددة، فمنها انحسار الجغرافيا المتاحة للتصوير بعدما كانت سورية كلها بمثابة استوديو طبيعي متنوع أمام الاعمال التلفزيونية التي تصوّر فيها، ما حدّ من المواضيع التي نعالجها فأضحت ذات فضاء يعبر عن المدينة وعلى نحو محدود نسبياً. فرضت الأزمة الابتعاد عن نوعية معينة من الأعمال الدرامية، مثل المسلسلات الكوميدية التي لا يمكن تقديمها فيما الجرح السوري ينزف. كذلك الأعمال التاريخية التي أمست بعيدة عن اهتمامات المشاهد راهناً»، لافتة إلى غياب الكثير من الفنانين عن الساحة السورية وسفرهم إلى الخارج، ما انعكس على الأعمال التي أنتجت داخل البلاد بمحدودية في الوجوه، علماً أنها أتاحت من الناحية الايجابية فرصة لممثلين من الصف الثاني ومن الشبّان لإثبات موهبتهم.

تتابع جبور: «إن أجور الفنانين والفنيين ارتفعت خلال الأزمة، تزامناً مع انكماش في الموازنات الانتاجية للمؤسسة، ما ضاعف الكلف الإنتاجية للأعمال التي أنتجناها بنسبة كبيرة وهذا كان له تاثير مباشر على انتاجنا الدرامي.

إن التسويق للأعمال المنتجة لم يكن أمراً سهلاً، فهناك الكثير من المحطات العربية أغلقت أبوابها في وجه الدراما السورية وأتاحت في المقابل للفنانين السوريين المشاركة في أعمال تنتجها هي كنوع من التعويض عن الفجوة التي حاولت إحداثها بغياب صناعة المسلسلات السورية».

توضح مديرة المؤسسة أن الخطة التي اتبعتها هذه المحطات لمحاربة صناعة الدراما السورية ارتكزت على وجود الفنان السوري في عمل درامي عربي من إنتاجها، كي يحافظ على المشاهد العربي المترقب لفنانيه السوريين المفضلين، وفي الجانب الآخر كان المقصود قطع وريد الحياة عن الدراما السورية بتجفيف مواردها التسويقية. وتؤكد على أن تأثير الدراما في وجدان الناس الجمعي بات من المسلمات، وفي هذا الجانب كانت المؤامرة الكبيرة على الدراما السورية محاربةً وتسخيراً لنجومها في المقلب الآخر لغايات مشبوهة. وتضيف: «إن صعوبات التوزيع للأعمال المنتجة تمّ التغلب عليها من خلال التعاون مع منتجي القطاع الخاص وموزّعيه، فتوزّع أعمالنا مع هذه الأعمال، إلى جانب اتصالاتنا بعدد من المحطات العربية التي لم تدخل دائرة الحرب على الدراما السورية أو محطات البلدان الصديقة لسورية. إن التوزيع المحدود للأعمال التي أنتجتها المؤسسة لم يكن ضمن الطموح الذي نسعى إليه ونتمنى دائماً الأفضل ونعمل للوصول إلى أعلى نسبة تسويق لأعمالنا كي يشاهدها أكبر عدد ويستقبل الرسالة التي نريد إيصالها. أما النص فحين يكون جاهزاً ويقدم إلينا يُعرض على لجنة قراءة متخصصة في المؤسسة، وإذا كان الموضوع ايجابياً وملائماً لتوجهنا وغير مكرّر في الأعوام الماضية فإنه يُعتمد، وفي حال كان قيد الكتابة نطّلع على الملخص من الحلقات المعدّة وفي حال الموافقة عليه نتبناه».

بحسب جبور، ليس لدى المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني أي عقود احتكارية، سواء للمخرجين أو الكتاب أو الممثلين، فالاحتكار مرفوض كمبدأ في عمل المؤسسة، وهذا ينسجم مع التوجهات العالمية في العمل الفني لكسر أي احتكار، مؤكدةً أن أبواب المؤسسة مفتوحة أمام جميع الممثلين السوريين ولا يوجد أي شرط في التعامل مع أي فنان سوى الرصيد الإيجابي في المجال الفني والإبداعي، فضلاً عن تاريخ هؤلاء الفنانين.

تشير جبور إلى «أن المؤسسة وعت منذ البداية أنها تنتج أعمالها للمجتمع المحلي، فالجمهور السوري هو بوابة العبور لأي مكان تريد شركات إنتاج الدراما السورية الوصول اليه عربياً أو عالمياً، فالجمهور السوري هو أقسى جمهور لناحية النقد وتقبّل العمل الدرامي. ولدى المؤسسة شراكات مع القطاع الخاص وتعمل راهناً على تكريسها وتوسيعها للتغلب على محدودية الموازنة وزيادة عدد الأعمال المنتجة سنوياً تصل إلى ستة أو سبعة مسلسلات سنوياً، ما يزيد فرص العمل لجميع العاملين في القطاع الدرامي، فضلاً عن زيادة فرص التوزيع للأعمال المنتجة من خلال علاقات الشركات الخاصة وقدرتها على الوصول إلى أكبر عدد من المحطات التلفزيونية بمرونة التحرّك والعمل».

توضح ديانا جبور «أن العمل في القطاع الدرامي السوري يعاني اليوم الارتجال والمضاربة إذ تعمل شركات الانتاج مثل جزر معزولة بسبب غياب الإطار الناظم الجامع لكامل المنتجين، وهنا تبرز ضرورة توافر اتحاد للمنتجين الدراميين، أو أي إطار ينظم العمل ويبرمجه ويساعد الصناعة الدرامية للخروج من الارتجال والفوضى في العمل. إن واقع الدراما السورية صعب ويصدر إشارات إلى ضرورة الإسعاف السريع، خاصة في ما يتعلق بالرسائل التي تبثها بعض الأعمال التي تقدم، وهي رسائل مشوّهة لا تعبر عن الواقع وتمهد عبر الدراما لواقع غير موجود كنوع من القصف الفكري للمشاهد، بغية خلق واقع افتراضي مستقبلي ليس لمصلحة سورية بسبب طبيعة تلك الأعمال التجارية».

وتؤكد مديرة المؤسسة ضرورة معالجة ظاهرة دخول أشخاص ليسوا بالكفاءة المطلوبة في الدراما السورية بعد غياب عدد من المخرجين والفنانين السوريين، مشيرة إلى الحصار التقني المفروض على سورية وما يحدثه من تأثير في الصناعة الدرامية، فمعظم المحطات الفضائية اليوم تبث وفق أحدث التقنيات العالمية العالية الجودة، وهذا يتطلب دوماً التصوير والعمل بمعدات متطورة لإنجاز أعمال أعمالا درامية تتوافق مع هذا التطور التقني الذي يعتبر من الصعوبات التي تواجهها الدراما السورية».

وحول تناول الأزمة في الأعمال التي أنتجتها المؤسسة خلال الفترة الماضية تقول جبور: «إن تجاهل الأزمة التي تعيشها سورية أمر غير ممكن، فهي أخطر نفق نمر فيه كشعب وكأمة، وعدم تجاهلها في الدراما لا يعني أن نقدم شكلاً آخر لنشرات الأخبار أو نصدر أحكاماً، فهذه ليست مهمة الدراما، بل هي تقدم معطيات وتتيح للمتلقي إعادة تشكيل الصورة واستخلاص القناعات، مع محاولة إضاءة آفاق جديدة، وهذا ما تعمل المؤسسة على تقديمه في المسلسلات التي تنتجها».

وعن نظم العمل في المؤسسة والآليات المتخذة للتغلب على البيروقراطية ومعوّقات العمل، توضح جبور أن نظام تأسيس المؤسسة حاول تحديد العثرات الإدارية التي قد تقع، ووضع آلية لتلافيها من دون خرق للقانون الذي تعتبر مهمته الأولى تحصين العمل من الأخطاء. فاليوم يتكرس الهدف من إنشاء المؤسسة العامة للانتاج التلفزيوني عندما كانت تتشكل نذر خطر حيال الدراما السورية التي كانت تنتج في سورية وبأيد وطنية، إنما بتمويل خارجي، وكان ذلك يتسبب بالتحكم الواضح في المواضيع المعالجة والأفكار المرسلة عبر الدراما من قبل صاحب المال الغريب عن مجتمعنا. كما أن خطر إيقاف هذا التمويل كان يهدد بتوقف هذه الصناعة الوطنية، لذا أنشئت المؤسسة.

توضح جبور أن المطلوب من إنشاء المؤسسة هو أن تستعيد سورية عبر القطاع العام دورها في دعم المشاريع الدرامية التي تحقق عائداً اقتصادياً، من دون اللهاث وراء متطلبات السوق لحماية الصناعة الدرامية الوطنية، وتكريس الوجه الحضاري لسورية، لافتة إلى ازدياد أهمية الهدف الذي أنشئت المؤسسة لأجله في المرحلة الراهنة.

عن الرؤية المستقبلية لعمل الموءسسة تضيف جبور: «إن آفاقنا المستقبلية تتلخص بالاستمرار في العمل وتبني المواهب الشابة والكفاءات ودعمها. الأعمال التي تنتجها المؤسسة تنحاز إلى سورية الوطن وتعمل لمستقبله واحداً موحداً. إن ما ينقص المؤسسة العامة للانتاج التلفزيوني اليوم لإنجاز عملها على النحو المطلوب هو زيادة الموازنة، والأهم من ذلك المناخ الآمن والحرية في الحركة في أي بقعة في سورية من دون تهديد الإرهاب لإعادة الألق إلى الدراما السورية والانطلاق بها نحو آفاق جديدة أفضل من السابق».

تعبّر جبور عن تفاؤلها بمستقبل الدراما السورية من إيمانها بقدرة الإنسان السوري على البقاء والاستمرار في الحياة والإبداع، ولا تجد ضرورة لإنشاء مؤسسة متخصصة في توزيع الأعمال الدرامية السورية. وتختم كلامها بالتأكيد على ضرورة إيجاد آليات ناظمة للعمل في الإنتاج الدرامي السوري وتوزيع الأعمال وتسويقها على المحطات العربية من خلال إطار ناظم لشركات الإنتاج للتخلص من منافسة هذه الشركات بعضها البعض الآخر، في توزيع الأعمال التي تنتجها وما ينتج من آثار سلبية في الصناعة الدرامية السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى