ليس بالسلاح وحدَهُ تُكْسب الحرب
وليد زيتوني
كثيرة هي التحليلات والقراءات التي تناولت الأزمة الجديدة الناشئة بين السعودية وإيران. ورغم أنّ الحرب أصبحت الآن مستبعَدة مبدئياً استناداً إلى التصريحات العلنية من الطرفين، كما عدم ميل الدول الكبرى لتشجيع أطراف الصراع للوصول الى حالة الحرب خوفاً من التأثير المباشر على استقرار سوق النفط الحالي، والذي يؤثر مباشرة على سوق السلاح، بالإضافة الى عدم توصّل الدول الكبرى المعنية بالصراع الى اتفاق واضح حول تقاسم النفوذ في النظام العالمي الذي لم يُخرَّج بصورته النهائية حتى الآن.
ومع ذلك تناولت الصحف الخلاصات التي توصّلت اليها مراكز الدراسات العالمية بشأن موازين القوى بين الطرفين، ونقاط الضعف والقوة لدى كلّ منها. ومن الطبيعي أن تسوّق هذه المراكز معايير قوة تخدم سياسة ومصالح دولها، بعيداً عن الموضوعية التي تتطلبها الدراسة العلمية لمقدّرات أطراف الحرب. زد على ذلك التصريحات العشوائية لبعض الدول والشخصيات الأساسية فيها عبر إبراز قدرات ليس لها مكان في الواقع الفعلي والعملي كالبحرين العاجزة أمام وضعها الداخلي، أو السودان التي عجزت في المحافظة على وحدة أراضيها واستقلالها.
بالطبع لن تؤخذ هذه التصريحات على محمل الجدّ في العملية الحربية، إذا ما حدثت. كما لن تؤخذ المقالات التي تهدف الى التهويل كجزء من الحرب النفسية والإعلامية التي تمارسها صحافة معنية بسوق السلاح.
فالمقال الذي كتب في «ذا ناشيونال ريسبكت»، بعنوان خمسة أسلحة يجب أن تخشاها إيران، ليس إلا إعلاناً ترويجياً لأسلحة أميركية وأوروبية. لم يأخذ فيها كاتب المقال ولو بالحدّ الأدنى طبيعة الصراع ولا الطبيعة الجغرافية، ولا حتى القدرات الإيرانية الفعلية. قد تكون طائرات ف 15 الاعتراضية متفوّقة على مثيلاتها الإيرانية. ولكن هل جزم صاحب المقال بأنّ المعارك الجوية هي التي ستكون الأساس في هذه الحرب؟ كذلك بالنسبة للـ «اف 15» القاذفة، ومهما كانت قدراتها الفعلية فهي ستواجه مع مثيلاتها المطاردة بسلاح الدفاع الجوي الإيراني، وهو سلاح فعّال من حيث الكمية والنوعية، إنْ كان على مستوى الإنتاج المحلي أو المستورد مثل منظومة أس300 الاستراتيجية. وينطبق الأمر نفسه على الدفاع البحري، والتي كانت إيران تعدّه لمواجهة الولايات المتحدة وليس بمواجهة الأسطول السعودي الهزيل نسبياً. أما في ما يتعلق بالمدرّعات المتفوّقة تقنياً وليس عددياً، فهي معركة لن تحدث لانتفاء خطوط تماس برية بين الطرفين، على الأقلّ في المرحلة الأولى، إلا إذا كانت السعودية تنوي احتلال العراق أولاً، وهذا له حسابات أخرى. وتناسى صاحب المقال التفوّق العددي للجيش الإيراني، كما تناسى أو ربما سقط سهواً من كلامه سلاح الصواريخ وخاصة المتوسطة والبعيدة المدى التي تملك إيران عشرات الآلاف منها، إذا لم نقل مئات الآلاف، والتي باستطاعتها ضرب كلّ القواعد الجوية والمطارات وأماكن تحشد القوات. ولم يأخذ صاحب المقال طبيعة إيران الجغرافية الصعبة والتي تشبه على الأقلّ الطبيعة الجغرافية لليمن، والتجربة السعودية في اليمن تؤكد فشل السلاح، مهما كان متطوّراً أمام إرادة القتال التي يفتقدها الجيش السعودي المبني على أكثرية مرتزقة.
إنّ الولايات المتحدة ومَن يساندها لم تسعَ الى حرب مع إيران، رغم وجود قواعدها في السعودية والبحرين وقطر والكويت، بالإضافة الى أساطيلها وحاملات طائراتها و«اسرائيل». وانّ الحلف الذي تتزعّمه السعودية تحت العنوان المذهبي لن يضيفها قوة ذات منعة بدول من أمثال البحرين وقطر وجيبوتي والسودان وغيرها. بل كلّ ما تستطيعه السعودية تكديس السلاح في ترسانتها. فالحرس الوطني المشكّل من أبناء القبائل لن يستطيع منازلة الحرس الثوري الإيراني، وكذلك جيشها غير الوطني باعتباره يعتمد على جنسيات غير سعودية، وهي عناصر غير مستعدّة للموت من أجل الملك ولا من أجل حفنة من الدولارات.
قبل أن تأخذ السعودية قراراً في أيّ حرب سواء مع إيران او اليمن او العراق او سورية، عليها بناء جيش وطني له عقيدة قتال واضحة لا تقتصر على الولاء للملك. عليها أن تفكر بعقيدة جيش تواجه العدو الصهيوني، عليها أن تبني نظاماً عصرياً يحترم فيه المواطن. غير أنّ جفاف عقول قيادتها قد تماهى مع جفاف الصحراء وطبيعتها.