توقفوا عن تجاهل الحقائق الجيوسياسية في الشرق الأوسط
كتب موقع «ريال كلير وورلد»:
الأخبار القادمة من الشرق الأوسط ركّزت انتباه واضعي السياسيات على السنوات الخمس الأخيرة. صعود «الربيع العربي» وهبوطه، وانقسام سورية البطيء، والصراعات المتصاعدة في اليمن وليبيا، وبالطبع وجود ما يسمى «داعش» الذي دوراً كبيراً. خلال كل ذلك، فإن صانعي السياسات الأميركان، وغيرهم، يعملون على إيجاد ردود فعل مناسبة على هذه الأحداث، وذلك من أجل حلّ الصراعات بصورة رئيسة، ومن أجل احتوائها كهدف ثانوي.
في جميع الأحوال، فإن تغيّراً أكبر وأكثر جوهرية يحدث الآن ويتمثل في عودة ظهور إيران في المجتمع الدولي. تبعات هذا التغيّر سوف تكون جذرية، وربما لم ينتبه الكثيرون في واشنطن إلى ذلك. في حين أن تنامي التوترات بين السعودية وإيران خلال الأيام القليلة الماضية يجب أن يظهر أهمية صعود إيران الإقليمي، إلا أن ردّ واشنطن التقليدي ما زال على ما هو عليه، وهو: «لا نرى شرّاً ولا نسمع شرّاً ولا نرى من يتكلم بالشرّ».
بقيادة وزارة الخارجية الأميركية، ركّزت إدارة أوباما خلال ولايتها الثانية على العمل مع أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين المملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي على استكمال التوصل إلى اتفاق مع إيران. وقد تم التوقيع عليه في النهاية في نهاية الصيف. كان هناك إحساس قويّ بأن «المهمة اكتملت» بين بعض من نخبة المسؤولين عن السياسة الخارجية في أميركا عدا عن خبراء الشرق الأوسط . هذه النظرة خاطئة اليوم كما كان عليه الحال عام 2003 عندما استخدم الرئيس بوش ذلك المصطلح لوصف انتهاء العمليات القتالية في العراق.
لسوء الحظ، عزّز السياسيون والجمهور هذا الشعور بصورة كبيرة. اللعبة الطويلة ليست صالحة من الناحية السياسية، ولهذا فإن الجمهوريين لا يركّزون عليها. أما الديمقراطيون فهم مصممون على أن الاتفاق النووي سوف يحقق نجاحاً بحيث لا يجب الحديث عن تبعاته. في هذه الأثناء، معظم الأميركان تعبوا من سماع الأخبار في الشرق الأوسط وهكذا فإنهم يشعرون بسعادة لتجنب التفكير في التبعات طويلة المدى للتحوّل الجاري في المنطقة.
أولئك الذين يفهمون ماهية الشرق الأوسط، يعلمون تماماً أن الوضع ربما يسوء أكثر قبل أن يتحسن. على فرض أن الاتفاق النووي سوف يمضى قدماً وهذا افتراض كبير فإن عودة إيران من العزلة ستكون لها تأثيرات حقيقة على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
الصراعات التي تدور اليوم ما هي إلا مواجهات بين القوى الكبرى. في حين أن التركيز كان منصبّاً على الكيفية التي ستتعامل بها كل من الولايات المتحدة والصين مع خصومتهما الجيوسياسية، فإن المعركة نفسها كانت تجري بين السعودية وإيران. يهدّد صعود إيران السعودية ويشعل الانقسام الطائفي على امتداد الشرق الأوسط.
من دون بذل جهود متضافرة من قبل المجتمع الدولي، فإن هذه الديناميكية ستزيد من حدّة العنف وتدفق اللاجئين. التطرّف والأعمال الإرهابية ستتوسع ضدّ أولئك الذين يمكن أن ينظر إليهم بأنهم اتخذوا طرفاً من دون آخر. سباق التسلح، الذي ما زال في مراحله المبكرة، سيتطور وسيصبح نووياً في فترة قصيرة. وبالطبع، فإن التأثيرات على إنتاج النفط وأسعاره سيتم الشعور بها في جميع أنحاء العالم.
للإنصاف، فإن الولايات المتحدة لا تملك القوة الكافية لحلّ هذا التوتر. علينا أن نكون على بيّنة من محدودية تأثير أميركا. إنه صراع ممتدّ منذ قرون، والولايات المتحدة ليست إلا مجرّد لاعب واحد. في الوقت ذاته، فإن لدى الولايات المتحدة بعض الروافع مع الخصوم الرئيسيين، إضافة إلى داعميهم. ومن خلال عدم وجود الوعي، فإن أعمالها ربما تؤدّي إلى ضرر كبير.
إنه موسم الانتخابات في الولايات المتحدة، وهي الفترة التي تكون فيها وجهات نظر الفئات الأكثر تطرّفاً هي السائدة. الآن وأكثر من أي وقت سابق، فإن وضع سياسة أميركية هادئة ومتماسلكة وإرسال رسائل تجاه إيران والسعودية، والآخرين في المنطقة أمر هام. في كانون الثاني من عام 2017 سيكون لدينا رئيس أميركي جديد سيضع الكلام ودونالد ترامب جانباً، وسيبقى على أسلوب التعامل نفسه مع إيران والسعودية كما فعل الرئيس أوباما تماماً. أميركا بحاجة إلى ذلك في الوقت الحالي.
من الأهمية بمكان أن تنتبه الولايات المتحدة إلى عواقب أعمالها الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأن تبدأ في الاستماع بعناية أكبر، لكي ترى بوضوح أكبر ولكي تتكلم وتتصرّف بمزيد من الفهم والوضوح. عليها أن تتعامل مع حليفها السعودي الذي أصبح يميل لروح المغامرة حديثاً مع الظهور الإيراني كقوة إقليمية. ولذلك فهي بحاجة إلى العمل عن قرب مع الآخرين في المنطقة وخارجها. البحث عن نتائج التصرفات ربما يكون أعظم تركة لأوباما ولكن التعامل مع ذلك بصورة خاطئة، ربما يكون أمراً على أطفال أطفاله أن يتعايشوا معه.