مشكلة السعودية مع أميركا ومشكلة إيران وأميركا مع الإرهاب؟

د. عصام نعمان

ظاهر الحال في الشرق الأوسط غيره في باطنه. ما تقوله وتفعله السعودية مباشرةً غيرُ ما يهمّها وتسعى اليه مداورةً. كذلك حال إيران. ما تقوله علناً ليس ما يهمّها وتفعله باطناً.

السعودية قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع إيران رداً على اقتحام سفارتها في طهران. طلبت من بعض حلفائها العرب والمسلمين أن يحذوا حذوها ديبلوماسياً. أوعزت الى بعضهم الآخر بأن يصعّد ضغطه على حلفاء إيران في سورية واليمن عسكرياً.

إيران ردّت على قطع العلاقات الديبلوماسية بمنع دخول منتجات السعودية او المستوردة منها. مدّدت إجراء منع مواطنيها من أداء مناسك العمرة في مكة «حتى إشعار آخر». اتهمت السعودية بأنها قصفت سفارتها في صنعاء، ولوّحت برفع هذا الانتهاك الى مجلس الأمن الدولي.

الطرفان احتربا في السياسة مباشرةً، وفي الميدان مداورةً. كلّ ذلك لأنّ الطرفين يصوّبان في الواقع على هدف ثالث أكثر مما يصوّبان على بعضهما بعضاً. أجل، كلاهما يصوّب على الولايات المتحدة، في الوقت الحاضر، ولغاية أو غايات خاصة به.

أميركا، إذاً، هي الهدف. السعودية قلقة ومتخوّفة من تداعيات سياستها سلباً عليها وعلى حلفائها عموماً، ومن مفاعيلها إيجاباً على إيران وحلفائها خصوصاً. وليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قالها مواربةً في مقابلةٍ دامت خمس ساعات مع مجلة «ذي ايكونومست». قال إنّ الرياض قلقة مما تراه ميلاً من الولايات المتحدة للعب دور أقلّ في الشرق الأوسط، موضحاً أنّ عليها «ان تدرك أنها البلد الرقم واحد في العالم، وعليها ان تتصرّف على هذا الأساس».

اين ترى السعودية دوراً لأميركا أقلّ مما تعتقد أنه يتوجب عليها ان تلعبه؟

الرياض تعتقد ضمناً انّ واشنطن تهاونت مع إيران وأهانت حلفاءها بعقدها الاتفاق النووي معها. ذلك من شأنه ان يريحها اقتصادياً برفع العقوبات عنها والإفراج عن أرصدتها المجمّدة في الغرب، كما يريحها سياسياً ويعزز طموحاتها القومية، ويعطيها ضوءاً أخضر لمضاعفة دعم حلفائها مالياً وميدانياً، ولا سيما في سورية واليمن والعراق.

القلق المتزايد من سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط عموماً والتهاون مع إيران، خصوصاً كان دفع الرياض الى التقارب مع تركيا التي تشاطرها سياسة معاداة دمشق ورغبة مشتركة في إزاحة بشار الأسد من سدّة الرئاسة، كما دفعها الى التدخل العسكري في اليمن بغية استنزاف إيران بما هي، في رأيها، حليفة خصومها الحوثيين ومَن يجاريهم من قوى الداخل المعادية للسعودية.

عندما بدا للرياض انّ رهاناتها في سورية واليمن لم تؤتِ ثمارها بالسرعة المرتجاة، وسّعت دائرة ضغوطها على نحوٍ بدا كأنها ستصل مع إيران الى حافة حربٍ تشمل المنطقة برمّتها. فعلت ذلك كله من أجل تعطيل تنفيذ الاتفاق النووي او، في الأقلّ، لحمل واشنطن، عشيةَ الانتخابات الرئاسية، على التباطؤ في تنفيذه لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية إفساحاً في المجال أمام الرئيس والإدارة الجديدين لانتهاج سياسة أكثر تشدّداً مع طهران في مرحلةٍ لاحقة توخياً لأمرين: الحدّ من طموحات إيران ونفوذها، وتوفير مزيد من الضمانات السياسية والأمنية لحلفاء أميركا القدامى، وفي مقدّمهم السعودية.

غير أنّ الرياض لاحظت أنّ ثمة حدوداً لممارسة ضغوطها على أميركا مداورةً وعلى إيران مباشرةً، فكان أن أكّد لهما وليّ وليّ عهدها، عبر مجلة «ذي اكونوميست» الرصينة، أنّ الضغوط والتوترات لن تصل الى حدّ نشوب حرب «ستكون إيذاناً بكارثة… وأنّ من يدفع في هذا الاتجاه سيكون شخصاً لا يتمتع برجاحة العقل».

في الجانب الآخر من المشهد الإقليمي، نرى إيران تصوّب على السعودية ظاهراً وعلى أميركا واقعاً. صحيح أنها منعت دخول منتوجات السعودية والمستوردة منها الى أراضيها، غير انّ وزير خارجيتها محمد جواد ظريف سارع الى إبلاغ أميركا والعالم أنّ بلاده جادّة ومثابرة على تنفيذ الاتفاق النووي، فكان ان ردّ جون كيري بما يفيد إقرار واشنطن بجدية طهران في هذا المجال. فأميركا وإيران يجمعهما، في الوقت الحاضر، قاسم مشترك بل عدو مستجدّ هو الإرهاب.

إذ يتضح انّ إدارة اوباما لن تبادر خلال «الوقت الضائع» ايّ في الفترة التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية الى تجاوز الاتفاق النووي او الإخلال به لئلا يودي بالتفاهم المستجدّ مع إيران، فإنّ السعودية لن ترضخ، على ما يبدو، الى الأمر الواقع، فماذا يمكن أن تفعل؟

من الممكن جداً، في ضوء ما يجري ميدانياً في سورية واليمن، ان تعمد السعودية، بالتعاون مع تركيا وغيرها من خصوم إيران في المنطقة، الى مضاعفة الدعم المالي والعسكري للحلفاء السلفيين الناشطين في الساحتين السورية واليمنية بغية إبقاء ميادين القتال في حالٍ متفجرة ومعقدة إلى حين مباشرة الرئيس الأميركي الجديد عمله، الأمر الذي يعزز، في ظنّهما، مركزهما التفاوضي إقليمياً بصورة عامة، وإزاء إيران وحلفائها بصورة خاصة.

في حال اعتماد هذه السياسة، فإنّ مؤدّاها المؤكَّد سيكون استمرار الحرب وويلاتها وتداعياتها على سورية واليمن من جهة، وجعل التنظيمات الإرهابية وحدها الرابحة من تمديد أمد الحرب من جهةٍ أخرى. لكن، ماذا لو تمكّن حلفاء إيران في سورية واليمن من دحر التنظيمات الإرهابية وحلفائها المحليين؟ هل يبقى لتمديد أمد الحرب وسياسة الضغط على أميركا من جدوى في تعزيز المركز التفاوضي للسعودية ولخصوم إيران في المنطقة؟ ثم، مَن سيدفع ثمن الحرب الفاشلة غير الشعوب البائسة؟

أيّها القادرون المقتدرون، كباراً وصغاراً، أوقفوا الحرب.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى