ليست معركة العرب إنها معركة «إسرائيل» والغرب

معن حمية

ليس صحيحاً أنّ إيران تشكل تحدّياً لدول المنطقة وشعوبها، بل هي دولة إقليمية وازنة، شهدت قبل خمسة وثلاثين عاماً، ثورة حقيقية على نظام الشاهنشاه محمد رضا بهلوي المتحالف مع «إسرائيل» وأميركا، فأسقطته، وانتقلت إلى ضفة فلسطين ومقاومتها ضدّ الاحتلال الصهيوني.

بثورة شعبية نظيفة، خرجت إيران نهائياً وقطعياً من محور «إسرائيل» وأميركا، ورُفع العلم الفلسطيني على المبنى الذي كان قبل الثورة مقراً لسفارة العدو «الإسرائيلي» في العاصمة طهران، وهذا ما شكّل صدمة لحلفاء بهلوي، حيث كانوا يرون في نظامه «قوة لا تُقهر».

منذ أن ارتفع علم فلسطين في طهران، وأعلنت إيران انحيازها للعالم العربي وقضاياه، وجاهرت بدعم المقاومة في فلسطين ولبنان ضدّ الاحتلال الصهيوني، بدأ الغرب ومعه «إسرائيل» بإعداد سيناريوات معاركهم ضدّ إيران، ولم تكن حرب الاستنزاف العراقية ـ الإيرانية، سوى ترجمة حرفية للسيناريوات التي تقضي بعدم تمكين إيران من الاحتفاظ بعناصر القوة، وبالتالي إضعافها، وأيضاً إضعاف قوة العراق، وجعله هدفاً سهلاً لأيّ احتلال أميركي ـ غربي متى دقت ساعة تفتيته وتقسيمه.

سنوات الاستنزاف الثماني، لم تمنع إيران من مواصلة جهودها في بناء عناصر قوتها ومنعتها، واستمرّت على نهجها في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وفي نسج علاقات الصداقة والتعاون مع العديد من الدول العربية، أما العراق فدخل حرب الخليج الثانية ضدّ الكويت 1990، وخرج منها منهكاً، متكبّداً خسائر كبيرة وفرض عليه حصار خانق «النفط مقابل الغذاء».

المقاومة التي شكلت إيران داعماً إضافياً لها إلى جانب سورية الشام ، حققت انتصاراً في العام 2000، تمثل بتحرير معظم الأراضي اللبنانية التي كانت تحتلها «إسرائيل» وكسر مقولة «الجيش الذي لا يُقهر». انتصار تحقق من دون قيد أو شرط، فردّت الولايات المتحدة حليفة «إسرائيل» باحتلال العراق في العام 2003، بغطاء عربي وفّرته الدول العربية التي كانت سابقاً ولا تزال راهناً متحالفة مع واشنطن، وفق قاعدة عدو حليفي عدوي… وصديق حليفي صديقي .

تعاظم قوة إيران، لم يكن ليشكل عامل قلق للغرب و»إسرائيل»، لو أنّ إيران نأت بنفسها عن قضايا المنطقة، ولم تتبنّ خيار دعم المقاومة ضدّ العدو «الإسرائيلي». لكن تعاظم القوة الإيرانية مقروناً بتقديم كلّ أشكال الدعم للمقاومة ضدّ العدو الصهيوني، فهذا بالتأكيد يشكل قلقاً لـ»إسرائيل» وأميركا وحلفائهما، لذلك فإنّ المعركة الحقيقية والفعلية قائمة حصراً بين إيران من جهة، وبين «إسرائيل» والغرب من جهة ثانية.

الغرب يدرك جيداً حجم القدرة الإيرانية، ولأسباب كثيرة، يخشى دخول مواجهة مباشرة مع إيران، والخشية هذه، تجلت في الموضوع النووي الذي وصل الى الخواتيم المعروفة. و»إسرائيل» نفسها أدركت هذه الحقيقة، فبلعت كلّ تهديداتها بشنّ عدوان على إيران، معوّلة هي وحلفاؤها على سيناريو «معركة عربية ـ إيرانية»، حتى وإنْ لم تكن هذه المعركة في مصلحة عرب أميركا، ولا تؤثر على قوة إيران. لا سيما أنّ دولاً عربية أساسية لن تكون ضمن أيّ مواجهة قد تحصل مع إيران.

«المجموعة العربية» التي تصعّد في مواقفها ضدّ إيران، تدركُ عدم أهليتها لخوض مواجهة مباشرة، لكنها تسعى وراء زرع الفتن ونشر الفوضى بعناوين طائفية ومذهبية. وأمام هذه «المجموعة العربية» محطات متعدّدة، تؤكد فشل سياساتها ورهاناتها وأوهامها.

ـ حرب تموز 2006 التي شنّتها «إسرائيل» على لبنان بهدف تصفية المقاومة، شاركت فيها دول عديدة، بعضها عربية، وكانت «إسرائيل» واجهتها، والنتيجة كانت انتصاراً مدوياً حققته المقاومة…

ـ الحرب «الإسرائيلية» على غزة 2008/2009، لم تحقق أهدافها، ولم تُعِد الاعتبار لجيش العدو الذي قيل إنه لا يُقهر، لا بل إنّ غزة بصمودها ودماء أبنائها انتصرت على جبروت الاحتلال وغطرسته.

ـ الحرب الإرهابية الكونية على سوريا منذ 2011، شاركت فيها عشرات الدول، والإرهاب المتعدّد الجنسيات وكانت واجهتها «الحرية» و»الإصلاح» و»السلمية»، إلاّ أنّ هدف الحرب هو إسقاط سوريا لأنها حاضنة المقاومة وداعمتها وقد صمدت سوريا وهي اليوم بقوة جيشها ومقاوميها وبسالتهما ترسم في الميدان مشهدية الانتصار على الإرهاب وداعميه.

ـ الحرب على اليمن، هي الأخرى لم تحقق انتصاراً للقائمين بها رغم مرور نحو عام على بدء الحرب، لا بل إنّ الوقائع تؤشر الى تقهقر «التحالف العربي» وعجزه عن تحقيق أيّ هدف من أهدافه، لا بل إنه بات محلّ سخرية، بعدما أعلن عن تحالف إقليمي من دون التشاور مع الأعضاء المفترضين.

وعلى نحو ما تقدّم، يمكن قراءة المشهد الذي سيتأتّى من جراء التصعيد الذي تمارسه الأنظمة العربية الحليفة لأميركا ضدّ إيران! فهذا التصعيد، لا يعدو كونه ترجمة لسيناريو أميركي ـ صهيوني يدفع بالمنطقة الى آتون فتنة مخطط لها في الدوائر الغربية والصهيونية. وهذا أمر خطير لا تستطيع «جامعة الدول العربية» بقيادتها الحالية ووضعيتها الراهنة، تحمّل أعبائه وتبعاته ونتائجه، فهي بعدما سخّرت كلّ إمكاناتها ضدّ سوريا، ولم تنجح، فإنها بالتأكيد لن تنجح في معركتها بالإنابة ضدّ إيران.

وعليه، فإنّ بيان وزراء خارجية «جامعة الدول العربية» التي يتزعّمها صورياً «نبيل العربي»، هو محاولة للنفخ في التصعيد، توسلاً لانفجار يرمي إلى مضاعفة استنزاف المنطقة، وفقاً للسيناريو الصهيوني ـ الأميركي.

لذلك، على العرب الذين اجتمعوا في القاهرة، تحت راية «جامعة الدول العربية»، وقرّروا التصعيد، أن يدركوا قبل فوات الأوان، أنّ المعركة ليست معركة العرب ضدّ إيران، بل معركة «إسرائيل» والغرب ضدّ إيران.

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى