الجامعة العربية… دُمية سعودية!
مصطفى حكمت العراقي
لم تعد الجامعة العربية صالحة لأن تبقى بالتسمية نفسها بعد أن أصبحت دمية في يد آل سعود وحلفائهم، منذ أن بدأت تحركات ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» وإلى يومنا هذا، حيث تحوَّل منبر «الجامعة» إلى ساحة لتمرير قرارات مؤيدة لغزو الدول العربية تباعاً وتدميرها، فبدأ مسلسل الخراب العربي من ليبيا، إذ دعت الجامعة العربية مجلس الأمن لفرض منطقة حظر جوي بعد اجتماع وزراء خارجية الجامعة في القاهرة في 12 آذار 2011، ما خوَّل مجلس الأمن بالتصويت لمصلحة فرض حظر الطيران فوق ليبيا، ومهَّد في ما بعد لاجتياح ليبيا وإسقاط نظامها وتحويلها إلى دولة فاشلة تتحرك فيها العصابات الإرهابية كيفما تشاء.
بعد ذلك، استمرّت مُمارسات الجامعة العربية الداعمة للسياسات الأميركية و«الإسرائيلية» في المنطقة بقيادة كلّ من قطر والسعودية، فبعد أن تمّ التخطيط لزعزعة الاستقرار في سورية، تمهيداً لإسقاط دولتها بعد أشهر، كما وعدوا به مسبقاً، حيث بدأت خطوات تدمير سورية من قرار مجلس جامعة الدول العربية تعليق مشاركة جميع الوفود السورية في المجالس والهيئات التابعة للجامعة اعتباراً من 16 تشرين الثاني 2011. كما دُعيت الدول العربية إلى سحب سفرائها من دمشق، واستبيحت سفارات سورية في أكثر من دولة عربية، إلى أن تمّت محاصرة الشعب السوري اقتصادياً وتقديم قرار إلى مجلس الأمن يُمهِّد لغزو سورية وتخريبها، كما حدث في ليبيا، وهو ما تمّ إيقافه بـ«الفيتو» الروسي ـ الصيني المزدوج ولأكثر من مرة.
تجلّى ضعف الجامعة وانغماسها في تنفيذ مخططات الحلف السعودي المشبوه في المنطقة، بوضوح، بعد أن سمحت للرياض ومَن معها بخوض حرب ظالمة على الشعب اليمني لا تزال مستمرة منذ عشرة أشهر حتى يومنا هذا، من دون أي تصريح أو انتقاد للتحالف السعودي الذي أخرج مفردة حقوق الإنسان من قاموسه وجعل اليمن خربة بحجة دعم شرعية حكومة ورئيس تركا البلاد وتحالفا مع العصابات الإرهابية لإخضاع الشعب اليمني الذي أسقط حلفاء آل سعود.
وبعد أن اكتملت هيمنة الرياض على دوائر صنع القرار في الجامعة العربية، كشّرت السعودية عن نياتها الحقيقية عبر التصعيد الأخير ضدّ طهران بهدف عزلها إقليمياً وإسلامياً وعالمياً، بعد أن فشلت الرياض في عرقلة تطبيق الاتفاق النووي، فانكشف الهدف الرئيس من تشكيل تحالف سُمِّي بـ«الإسلامي» لمواجهة الإرهاب! فيما يعرف القاصي والداني أنّ هذا الإرهاب تدعمه الرياض وحلفاؤها، بدليل تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي تثبت ذلك.
لكنّ الإرهاب الذي تريد السعودية محاربته هو «إرهاب» حزب الله، حسب زعمها، وما قرارها الأخير بتصنيف المقاومة في لبنان جماعة إرهابية إلا تمهيد لإجراء عمليات عسكرية ضدّ حزب الله بحجة محاربة الإرهاب كما أنّ الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، أكثر ما يُقال فيه أنه انعقد لمجاملة السعودية، ليخرج وزير خارجيتها عادل الجبير بعد الاجتماع ببيان مبني على الرؤية السعودية للتوتر الحاصل مع إيران، فيما ظهر التباين واضحاً في كلام نظيره الإماراتي عن إجماع حول البيان الختامي، رغم إعلان لبنان رفضه له. وكشف أمين عام الجامعة نبيل العربي عن تحفُّظات عراقية، فضلاً عن غياب وزراء خارجية كلّ من تونس والجزائر والأردن.
إنّ ربط حزب الله بالإرهاب، بحسب ما صدر عن وزراء الخارجية العرب، بالرغم من اعتراض لبنان وتحفُّظ العراق، يفتح مرحلة جديدة وخطيرة تحتمل النظر إليها بعين القلق الشديد، نظراً لما سيكون لها من تداعيات خطيرة يمكنها جرّ المنطقة إلى أيام أسوأ، ما يجعلها غارقة في حروب طائفية قاسية، ولا سيما أنّ صفة الإرهاب التي أُلصقت قسراً بحزب الله ستجعل منه هدفاً للرياض وحلفائها. الرياض التي ألحقت الجامعة العربية باستراتيجيتها المفتوحة على أشكال التصعيد كلّها ونقلت مستوى الصراع إلى حيّز بالغ الحساسية، حيث أنّ تبنّي المنظومة العربية قراراً يُسمّي آخر القلاع الحصينة التي تواجه الكيان الصهيوني وتردعه إرهاباً، يتماشى بشكل لا يقبل الشك مع توجهات قادة العدو «الإسرائيلي» وتصريحاتهم.
لقد أصبحت الجامعة العربية دائرة من دوائر الخارجية السعودية، منذ أن خرجت سورية منها، ولم يبق في جسد هذا الكيان المُتهالك ما يدعو إلى التفاؤل بعودته جامعاً للشعوب العربية.
قرار «العرب» أصبح خليجياً معادياً للعرب، ولا يمكن للعراق والجزائر، وهما آخر ما تبقى من كبار العرب داخل هذه المنظومة أن يسيرا خلف هذه السياسة من دون اتخاذ خطوات جدية لمعارضة هذه المواقف ولو بالامتناع عن التصويت.
أما ردُّ المقاومة التي اتهموها بالإرهاب فهو آتٍ، كما ردّت على اغتيال سمير القنطار، فسيد المقاومة أعلن صراحة أنّ الحرب على المقاومة من جهات عدّة، وأنّ ردّ المقاومة سيكون في الزمان والمكان والكيفية التي تحدّدها المقاومة. فكما أنّ حساب الحرب مفتوح فإنّ مسار الردّ مفتوح أيضاً.