السعودية وفريق الحريري… انفصام سياسي أم شيء آخر؟
روزانا رمّال
الخصوصية اللبنانية التي يعيشها الحراك السياسي الداخلي تجعل من الاصطفافات والتحالفات المفتوحة على الدول التي أنشأت أجهزة بأكملها تنفذ أجندتها في البلاد محتكمة لهذه الخصوصية بطريقة أو بأخرى، وإلا تكشّفت الأمور أكثر مما ينبغي، وباتت هذه التحالفات خرقاً واضحاً للسيادة اللبنانية، وعلى هذا الأساس تحاول كلّ الدول الحليفة للأفرقاء والأحزاب والتيارات اللبنانية الظهور بمواقف محايدة تبعد مسافة واحدة من الجميع، بينما تسلك في سياستها مناحي متطرفة من دون أن تأبه لأيّ تداعيات قد تعصف بهذه التركيبة الهشة منذ اتفاق الطائف.
المؤسف أنّ الأفرقاء اللبنانيين الذين من المفترض أنهم يحرصون على مراعاة هذه التركيبة ذهبوا أبعد ربما مما كان مطلوباً منهم في التمايز بالموقف والانقياد نحو أوامر خارجية، ما زاد في التباينات وأثار الجدالات في أبعد مداها. وبالانطلاق من هذا الحساب غذّت المملكة العربية السعودية من نمو نفوذها في لبنان ومدّت يدها لحلفائها بشكل جعل منهم إحدى أوراقها الإقليمية الرئيسية التي تخضع للمفاوضات وتنتظر حلولاً كبرى كي تتضح مسارات توجهها حتى ولو تمّ تأجيلها سنوات أو أشهراً طويلة ما جعل القرار اللبناني الداخلي أمراً مستحيلاً.
وضمن هذا الإطار شارك وزير الخارجية اللبناني، وهو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحليف سياسي رئيسي لحزب الله في البلاد، في مؤتمر دعت إليه السعودية لوزراء خارجية العرب من أجل الخروج بموقف يدين تدخل إيران في دول الجوار مع إدانة إحراق القنصلية السعودية في طهران، لكن الرغبة السعودية تعدّت إدانة إيران لتصل إلى حدود النية بتمرير قرار يوقع عليه لبنان يعتبر حزب الله إرهابياً، فما كان من وزير الخارجية وعملاً بمبدأ أهمية الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية، إلا أن اعترض على هذا البيان، فلم يصوّت لبنان عليه، ما شكل صفعة كبيرة للسعوديين، نظراً لما يمكن أن يشكله لبنان من تعزيز إعلامي للموقف.
لم يستطع الرئيس سعد الحريري ألا يسارع إلى مساندة السعودية خارجاً عن الإجماع الوطني الذي حاول لبنان الخروج به، فعبّر الحريري عن نيات ملتبسة في رفضه لموقف الوزير باسيل، معتبراً أنه من المؤسف امتناع وزير خارجية لبنان عن التصويت على القرار، لأنه لا يعبّر عن رأي غالبية اللبنانيين، الذين يعانون من التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية، ويبادلون المملكة العربية السعودية، قيادة وشعباً، مشاعر المحبة والتضامن لما لها من أيادٍ بيضاء…»، حسب الحريري. مضيفاً: «نحن بكلّ بساطة أمام موقف لا وظيفة له سوى استرضاء إيران والإساءة لتاريخ لبنان مع أشقائه العرب، وهو أمر مرفوض في قاموسنا ولا ندرجه في خانة تعبّر عن موقف الدولة اللبنانية».
إذاً، أعلن الحريري رفضه لأيّ موقف يصبّ في مصلحة إيران، وبالتالي فإنه يقول هنا إنه يعتبر أنّ الوقوف مع حزب الله هو أيضاً يصبّ في مصلحة إيران… جيد! ولكن السؤال هنا الموجه للحريري: ماذا يسمّي المسارعة إلى حفظ تلازم الاجتماعات بين تيار المستقبل وحزب الله وحضور ممثلين عنه؟ في أي إطار توضع تصريحات السنيورة قبل يوم من الجلسة بإعلانه عن اعتزام العودة للحوار الذي تبعها تصريح من وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي نقل موقف الحريري المؤكد على ضرورة الجلسات حفظاً للاستقرار؟
إذاً، وبحرص ومسارعة من تيار المستقبل، انعقدت جلسة الحوار الـ22 بين حزب الله والتيار مساء أمس، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن والنائب حسن فضل الله، ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر.
كيف يفسّر الحريري ازدواجية مواقفه؟ فتارة هو حريص على الحوار مع حزب الله المصنّف إرهابياً من السعودية، وأخرى هو حريص على ألا يخرج لبنان عن إجماع عربي يطلب تصنيف حزب الله إرهاباً، ويتمادى في تجويع الشعب السوري وغيرها من التهم؟ ما هي إذاً، خطيئة جبران باسيل في تقديمه أسباب الحريري نفسها التي قدّمها للحفاظ على جلسات الحوار مع الحزب؟
خرج البيان بُعيْد جلسة الحوار بين المستقبل وحزب الله بتأكيد أنه وبالرغم من التباينات في الموقف حول عدد من القضايا الخارجية فإنّ المجتمعين يجدّدون الحرص على استمرار الحوار وتفعيله وتجنيب لبنان أيّ تداعيات تؤثر على استقراره الداخلي، فهل خرج هذا البيان من دون موافقة الحريري؟
يعيش تيار المستقبل وعلى رأسه سعد الحريري حالة حادّة من الانفصام السياسي الذي لا يولّد إلا الارتباك، الذي ربما انعكس عليه بسبب ضعف الاهتمام السعودي بدعمه من جهة، ومن جهة أخرى ارتباك نابع من قلقه ألا يوسع الهوة مع حزب الله القادر الوحيد على الموافقة على وصوله مجدّداً إلى سدة الرئاسة الثالثة في لبنان.
حالة انفصام سياسي بحت تطرح أمام اللبنانيين، تيار المستقبل الذي يودّ تارة تصنيف حزب الله في الخانة التي تريدها السعودية، ومن جهة أخرى لا يريد أن يقطع العلاقة معه، فهل يكون هذا الانفصام السياسي المتمثل بمواقف الحريري ليس إلا انفصاماً سياسياً تعيشه السعودية التي تطلب منه الإبقاء على شعرة التواصل مع الحزب وما تعنيه من شعرة تواصل مع إيران ترغب السعودية بعدم قطعها؟