ألغام في مسار مفاوضات «جنيف ـ 3» للحلّ في سورية!

سومر صالح

على عجل، بل واستعجال، يحاول المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا لملمة الأوراق المبعثرة في عواصم صنع القرار الإقليمي في محاولة لعقد اجتماع جنيف3 لإيجاد تسوية في مسار الحلّ السياسي للأزمة السورية، وفق مخرجات القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي نهاية العام المنصرم، والناتج عن إعلاني فيينا الأول والثاني، والمتفق عليه في اجتماع بوتين كيري في 15/12/2015، وكما هي العادة ترحيب سوري حذر بخطوة دي ميستورا يعكس الجدية التي تتعامل بها الدبلوماسية السورية مع مخرجات التفاهمات الدولية والمكرّسة غالباً بقرارات دولية، وكما العادة أيضاً تخبّط في موقف المعارضات السورية يعكس ارتباك الدول الإقليمية الداعمة لهذه المعارضات، ولكن، وعلى غير العادة لا يحظى هذا المؤتمر بحفاوة دولية على غرار مؤتمري جنيف الأول والثاني، ولا يعكس إلى الآن حجم الزخم الذي دفع بالأمور إلى مرحلة جنيف 3 والمقصود هنا اجتماعي فينا الأول والثاني، وما نتج عنهما من مخرجات تشكل روح القرار 2254، وقد يكون السبب في ذلك هو ارتباك إدارة أوباما ذاتها ورغبتها في المماطلة بالحلّ إلى ما بعد العام 2017 وترحيل المشكلة إلى رئيس أميركي جديد أو استثمارها انتخابياً لصالح المرشح الديمقراطي المرتقب، وقد تكون الأسباب مرتبطة أيضاً بجموح السعودية سياسياً وعسكرياً وطرحها مشروعاً مذهبياً للصراع في الشرق الأوسط وجدت فيه الإدارة الأميركية ما يمكن أن يعوّضها قليلاً عما خسرته في الأزمة السورية…

النتيجة عموماً… لا توحي المناخات السياسية الإقليمية ولا الدولية بجديةٍ في إيجاد حل نهائيّ للازمة السورية، مع الاقتناع الدولي بعدم جدوى الاستثمار السياسي والعسكري في الأزمة السورية حاضراً ومستقبلاً، لأن المعركة حسمت استراتيجياً وعسكرياً لصالح محور دمشق ـ موسكو ـ طهران، ولكن حجم الاستثمار الغربي وتبلور مشروع جديد في الشرق الأوسط عنوانه مذهبة الصراع وتقسيم الدول أجّلت بلورة الحلّ في سورية، وهذا ما قد يفسّر جزئياً عدم جدّية الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة بإنجاز ما يترتب عليها من التزامات أحادية أو متعددة أخذتها هي على نفسها وكرّستها في إعلان فيينا 2 وفي نص عليها القرار 2254، وخصوصاً الإسراع في تصنيف الجماعات الإرهابية وتوحيد المعارضات السورية تحت وفد موحد، والعمل على استصدار قرار ملزم بوقف إطلاق النار وإيجاد آليات فعالة لضبط تنفيذه على الأرض السورية، وغيرها من عقبات كان من المفترض إيجاد حلول لها بالتزامن مع انطلاق قطار جنيف 3 للحلّ السوري، والذي يبدو مساره طويلاً وشاقاً، إنْ لم نقل انه دخل في متاهة معلوم مدخلها ومجهول مخرجها، وكلّ عقبة سابقة لانطلاق مؤتمر جنيف 3 قد تتحوّل لغماً من المحتمل انفجاره في مسار الحلّ المرتقب، ناسفاً ما قد تم انجازه بعد مضيّ ما يقارب السنوات الخمس من الصراع والاستقطاب الدولي على الأرض السورية.

ولو أردنا تفنيد بعض الألغام لوجدنا في البند الخامس من القرار 2254 وهو المتعلق بوقف إطلاق النار أنّ وقف إطلاق النار يدخل حيّز النفاذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة وإذا ما عدنا إلى إعلان فيينا 2 نجد أن وقف إطلاق النار وهو التزام ثابت على المجموعة الدولية سيكون وفقاً لعملية تخضع لقيادة سورية وفي غضون ستة أشهر… وكان من المفترض أن تسير بالتوازي مع تقدم المفاوضات بين وفد الحكومة وممثلي المعارضات وفق ذلك الإعلان، وهو ما لم ينجز، وعلى ما يبدو تم تجاوزه مؤقتاً كشرط لازم لانطلاق جنيف3، ومن المعلوم أيضاً أن وقف إطلاق النار مرهون بتصنيف متفق عليه دولياً وإقليمياً، وموافق عليه من الحكومة السورية، للجماعات الإرهابية والمعتدلة، ومن المنطقي أن يكون التصنيف جرى قبيل انطلاق مسار جنيف 3 للحلّ وليس لاحقاً عليه لانّ المكونات المعارضة وخصوصاً الهيئة التفاوضية المنبثقة من اجتماع الرياض تحاول مسبقاً فرض وتكريس كيانات عسكرية ككيانات معتدلة وفق أجندات إقليمية واضحة وهو ما قد ينسف مسار المفاوضات برمته، إذا تمّ تصنيف إحدى الميليشيات على أنها إرهابية، وهو مرتبط بأطراف المعارضة المشاركة في جنيف 3. هذا من جهة ومن جهة أخرى، من غير المتوقع في ظلّ التشتت الدولي والإقليمي إنجاز تصنيف بهذا الحجم والنوع والتعقيد في مدة الستة أشهر المحددة في إعلان فيينا 2.

وإذا ما انتقلنا إلى لغم آخر مرتبط شكلاً بالأول وهو العملية الانتقالية التي حدّد القرار الدولي ماهيتها سلفاً بإقامة حكم ذي مصداقية وغير طائفي في فترة الأشهر الستة الأولى لانطلاق المفاوضات، ولاحقاً تعديل الدستور وإجراءات انتخابات بمدة 18 شهراً، نجد أن الإشكالية تكمن في أن المادة الأولى من القرار 2254 حددت بيان جنيف 1 كأساس للعملية الانتقالية، والأخطر من ذلك إشارة القرار في تلك المادة إلى أن إعلاني فيينا الأول والثاني هما لتأييد تنفيذ كامل لبيان جنيف1 ، وبالتالي هذا الارتباك الحاصل في المادة 1 من نص القرار قد ينسف مسار جنيف 3 على غرار جنيف 2 لان التنفيذ الكامل لبيان جنيف 1 يعني هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة وهو ما ترفضه حكومة دمشق جملة وتفصيلاً ولا يعكس حقيقة الوضع في سورية عسكرياً وسياسياً وشعبياً، ولا يعكس التفاهم الدولي الجديد المنبثق من جملة التطورات بعد 30/9/2015 أي الدخول الروسي المساند إلى سورية بطلب سوري رسمي، ويتجاهل الحقائق العسكرية التي فرضتها معادلة إسقاط الطائرة الروسية في السماء السورية من دخول مقاتلات سو 35 ومنظومات أس 400 وكسر نواة التدخل التركي ولاحقاً السعودي، ويتجاهل التفاهمات الروسية الأميركية التي مهدت لإعلاني فيينا الأول والثاني والقرارين 2235 و2254… ويعود بالمفاوضات إلى نقطة الصفر.

وإذا ما انتقلنا إلى روح القرار 2254 نجد أنّ القرار تجاهل عمداً حجم الهوة بين أطراف المعارضات السورية في طرحها لمستقبل سورية سياسياً وعسكرياً من جهة، وبين أطراف المعارضات السورية والحكومة في دمشق في طرحها لمستقبل سورية الدور والمكانة والعلاقة مع حزب الله وإيران وحتى روسيا ذاتها من جهة مقابلة، وتجاهل أيضاً مستقبل الحرب على الإرهاب في سورية ودور الجماعات التي سيتم تصنيفها على أنها «معتدلة» في تلك الحرب وعلاقتها بالحكم العتيد وفق نص القرار، ومستقبل السلاح غير الشرعي، بما يوحي بان هناك نوايا مبيّتة لإبقاء سورية في دائرة التأزيم، واكتفى المجتمعون برسم ملامح المستقبل القريب فقط، وهو ما لن توافق عليه الحكومة في دمشق حكماً، فإقحام البلد في المجهول وتأجيل حلّ المشاكل سيزيد الوضع سوءاً ويدخل البلد في أتون صراع سياسي وعسكري، لذلك ووفق معطيات اليوم من المستبعد تحقيق اختراق نوعي في مسار الحل في سورية في جنيف 3، لأنّ طبيعة الحلّ المشار إليها في نص القرار 2254 والمنبثقة عن تفاهمات فيينا أتت مركبة ومتناقضة أحياناً لأنها خلاصة خمس سنوات من الصراع الدولي على سورية بما أنتجته من تفاهمات أميركية روسية متدرّجة في توافقها ومتناقضة في سياقها، عكست الأجندات المتغيّرة للقوتين الدوليتين على مدى خمس سنوات، كما أن طبيعة الحل المشار إليه راعت شرطاً واحداً فقط من شروط الحل السوري وهو توافر الإرادة الدولية على افتراض وجودها بنية صادقة، ولكنها أغفلت شروطاً أخرى ضرورية ولازمة للحل وأولها ضمان تنفيذ القرار 2253 جملة وتفصيلاً بما يعني قطع طرق دعم وتمويل الإرهاب في سورية، وثانيها القضاء على الإرهاب أو حصره جغرافياً على الأقلّ كشرط أساسي لانطلاق الحوار الوطني السورية، وثالثها تحقيق التوافق السوري على إنهاء الصراع وهو ما لا يريده أمراء الميليشيات الإرهابية المرتبطين بأجندات داعميهم الإقليميين، ورابعها رفع مبدأ الوصاية على الحل كما هو مبيّن في نص القرار 2254.

في الختام مؤتمر جنيف 3 قد ينطلق مع حلول 25 من الشهر الحالي ولكن المسار الموصل إليه مليء بألغام زرعت عمداً في نص القرار 2254، ونجاحه أيضاً مرهون بقدرة السوريين في جنيف على الخروج من متاهة الحل التي رسمتها تناقضات إعلاني فيينا مع بيان جنيف 1، وهذا يفرض على السوريين عدم إضاعة البوصلة الوطنية السورية للخروج من متاهة جنيف.

ثقتنا بوفدنا الحكومي كبيرة… فهل يسير وفد المعارضات بهدي البوصلة الوطنية السورية؟ أم أنهم سيراهنون مجدداً على بوصلة داعميهم؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى